"وهل تعتقد أننا سنقف إلى جانب من ارتكب بحقنا المذابح، وكان سببا في تهجيرنا قبل 100 عام من الآن، المعارضة اختارت أن تتصافح مع الأتراك، ونحن لن ننسى ماذا فعل الأتراك"، بهذا يختصر الشاب باغديك الأرمني الأسباب التي أرغمت الشعب الأرمني على عدم الالتحاق بالثورة السورية.
لكن باغديك عندما تسأله صحيفة "
عربي21" عن سبب عدم إدانة الأرمن للنظام السوري الذي ارتمى في أحضان الأتراك في وقت سابق، يجيب على ذلك: "كان النظام السوري حينها على حافة الهاوية، فقانون محاسبة
سوريا، الذي فرضته أمريكا، جعل النظام السوري يتجه إلى تركيا، وفرنسا، وذلك الارتماء لم يكن إلا للنجاة الاقتصادية فقط".
وأضاف: "الأرمن أقلية كما الأقليات السورية الأخرى، التي اختارت الاستقرار على الدمار الذي يلازم ثورات الربيع العربي، أينما حلت، ورغم ذلك لم ننجُ من الدمار، فمناطق تواجد الأرمن في مدينة
حلب، طالها الدمار بسبب تموضعها على خطوط الاشتباك الأولى".
المسيحيون يحملون السلاح
وبدا من شهادة باغديك، أن الأرمن في حلب اختاروا النأي بالنفس، إلا أن المعطيات تقول غير ذلك، حيث نشرت صحيفة "تلغراف" البريطانية تقريراً بتاريخ 14 أيلول/ سبتمر2012، عنونته بـ"المسيحيون في سوريا يحملون السلاح للمرة الأولى" قالت فيه إن "المجتمع المسيحي في سوريا حاول تجنب الانحياز إلى أحد طرفي النزاع، في الحرب الأهلية، لكنه قرر في حلب تجنيد شبان الكشافة لحماية الكنائس، وقبل السلاح من الجيش السوري، بعد أن انتقلت الحرب إلى المدينة وضواحيها، وانضمت بعدها مجموعات أرمنية لصد هجمات المسلحين على أحيائهم"، بحسب التقرير.
ويؤكد تاريخ نشر التقرير بشكل لا يدع مجالاً للشك، البداية المبكرة للتورط الأرمني في القتال إلى جانب الأسد في مدينة حلب، ويأتي هذا التاريخ مقارباً لتاريخ 19 حزيران/ يوليو 2012، تاريخ اندلاع معركة حلب.
وينقل التقرير شهادة للأب جون يقول فيها "إن الأثرياء في مدينة حلب لم يكونوا من أنصار النظام، لكنهم شعروا بأنهم اضطروا إلى حماية أنفسهم من الفلاحين المهاجرين (من الريف) الذين لجأوا إلى الحرب لتدمير قلب المدينة المتطور والحديث".
ويجاهر الأرمن بقتالهم إلى جانب النظام السوري، مدعين بأنهم جنود المسيح، وهو ما يعطي دلالة واضحة على كم الضخ الطائفي، الذي حرص نظام الأسد على توظيفه منذ الأيام الأولى من عمر الثورة السورية.
وتغيب الإحصائيات الدقيقة عن أعداد قتلى الأرمن في سوريا، إلا أن النعوات التي تعج بها جدران الأحياء المسيحية في حلب، لقتلى من الأرمن قضوا في القتال إلى جانب قوات النظام تكشف عن اصطفاف جماعي لهذه الأقلية، إلى جانب النظام.
ويقتصر الانتشار السكني للأرمن على أحياء قليلة في مدينة حلب، ويشكل حي الميدان القريب من الجبهات مركز الثقل الأرمني في المدينة، ما اضطر الكثير من الأرمن إلى ترك بيوتهم، والانتقال إلى مناطق آمنة في عمق المدينة، وآثر بعضهم ترك البلاد والهجرة إلى "أرمينيا" البلد الأم، حيث تمنحهم السلطات هناك الجنسية، سيما وأن أغلبهم هم مجنسون سابقاً، مستفيدون من سماح القانون الأرميني للمواطن بـ"ازدواج الجنسية"، وتفيد تقديرات غير رسمية بأن عدد الأرمن السوريين الذين عادوا إلى أرمينيا ناهز عشرة آلاف، غالبيتهم من سكان مدينة حلب.
يذكر أن معظم الأرمن القاطنين في حلب يعملون في مجال الصناعات الثقيلة، وصيانة السيارات، وخطوط إنتاج المعامل، لدرجة أنهم وصفوا بعصب الصناعة الحلبية، فضلاً عن أعداد كبيرة من الأطباء، والصيادلة الذين تخرجوا من الجامعات الأرمينية.