كشف مجند منشق خدم في سجن المزة العسكري عن الفظائع التي ترتكبها قوات الأسد في السجون السورية، إذ كان شاهدا على سقوط عشرات الضحايا من المدنيين منذ بدايات الثورة، وشاهدا على كيفية التعامل القاسي مع جثث المدنيين التي كانت تصل للسجن.
وقال المجند في تسجيل لقناة
الجزيرة الفضائية، إنه "في بدايات الثورة وصلت للمستشفى الذي كان يعمل به حوالي 45 جثة لمواطنين من درعا"، قيل لهم إنها جثث لمندسين، مشيرا إلى أن "وصول الجثث توالى منذ ذلك الحين، وكانت الجثث تصل من مختلف الأفرع الأمنية وتوالت الجثث بعد ذلك من الأفرع الأمنية المختلفة، وكانت تحضر إلى المستشفى بسيارة مغلقة".
وبحسب شهادة المجند، التي أثبتتها الصور، فإن السجانين كانوا يكتبون على الجثث بالقلم الأسود إلى أي الأفرع الأمنية تنتمي، وتترك في العراء مدة يومين أو ثلاثة ممددة على الأرض، لتأتي الكلاب والجرادين لتنهشها، ريثما يصل عددها إلى مائتين أو ثلاثمائة جثة.
وبعد ذلك يأتي الطبيب الشرعي ويقوم بتفريز الجثث ويأمر بتعبئة بعضها في أكياس وتحميلها في السيارات، وتترك التي لم يأمر الطبيب بتحميلها في مكانها.
وأوضح الشاهد أنهم كانوا يرصون الجثث فوق بعضها في السيارات مثل أعواد الكبريت، وكان تظهر عليها آثار
التعذيب والضرب بالكهرباء والإصابة بالجرب والجوع، موضحا أن أعمار الضحايا كانت تتراوح بين عشرة أعوام وسبعين عاما.
وأضاف الشاهد لبرنامج حديث الثورة الذي بثته قناة الجزيرة أنه سمع أن هذه الجثث ترسل إلى محرقة للجثث تم إنشاؤها بمستشفى المزة، وكان يشرف عليها شخص قادم من إيران، وأنها كانت تتعرض إلى أنواع من التشبيح مثل الضرب والدعس بالأقدام، وأكد أن أحد زملائهم حاول الانشقاق ولكن تم القبض عليه وأحضر إلى المستشفى جثة هامدة.
مأساة القرن
وحول أساليب التعذيب المتبعة، قال السجان المنشق عن فرع "الخطيب الأمني" في دمشق فهد الحميد إن طرق التعذيب تباينت عند بداية الثورة بين الصعق بالكهرباء والتجويع وصب الماء البارد، موضحا أن المشافي بها جناح للجهات الأمنية توضع فيه الجثث والمعتقلون.
وأضاف أن الأطباء الشرعيين كانوا يعطون تقارير طيبة -بناء على تعليمات النظام- تفيد بأن الموقوف تعرض لجلطة قلبية حادة وأجريت له صدمه كهربائية لإنقاذه تسببت في وفاته.
وبحسب الحميد، فإن عمليات التعذيب والتحقيق والقتل كانت توكل لأشخاص مختصين للقيام بها، لأن الثقة كانت معدومة في أبناء السنة، وأوضح أنه تعرض شخصيا للسجن لمدة شهرين بتهمة التعاطف مع الموقوفين.
ووصف عمليات التعذيب بأنها كانت قاسية جدا، وكانت التعليمات للسجان بأخذ المعلومات من الموقوف بأي طريقة مثل طريقة "بساط الريح" والصعق بالكهرباء، والضرب والتجويع، وأكد أن التهم التي توجه إلى الأطفال كانت دوما تدور في فلك الانضمام إلى الثوار، وكان الهدف من تعذيبهم هو انتزاع اعترافات منهم.
منهجية التعذيب
من ناحيته، أكد المحامي المكلف بملف المعتقلين ضحايا التعذيب في
سوريا توبي كادمان على أهمية شهادة المنشق فهد الحميد، وأوضح أن هذه الأعمال تعتبر جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأن ما كشفت عنه الصور يوضح أن هذه السياسات مارستها الدولة، الأمر الذي يتماشى مع التوصيف القانوني باعتبارها جرائم حرب.
وأكد المحامي أن الأدلة والصور الفوتوغرافية تعتبر أدلة دامغة، ولكنه أشار إلى أن من الضروري أن يتقدم بعض شهود العيان بشهادتهم حتى يمكن ذلك من محاكمة المسؤولين في النظام السوري ولو على المدى البعيد.
وأشار كادمان إلى أن عدم عضوية سوريا في محكمة الجنايات الدولية ومعارضة روسيا والصين وقفت حائلا دون إحالة الملف السوري إلى المحكمة، ولكنه أكد على أهمية استغلال شهادة المواطنين الأجانب ذوي الأصول السورية، كما دعا إلى العمل على دفع المجتمع الدولي لإنشاء محكمة خاصة بسوريا.
أما الطبيب الشرعي عدنان الحسن فقد أوضح أن الصور تجعله يدرك كطبيب شرعي محترف بنسبة 90% الأسباب التي أدت إلى وفاة الجثث التي تم الكشف عنها، وأضاف أن بعض الجثث كشفت عن فقدان بعض الأجزاء منها، وبعضها الآخر يتضح عليها الهزال الناتج عن الجوع والطعن في الصدر والعينين وكسر الجمجمة والجروح المفتوحة التي نتجت عنها الغرغرينا إضافة إلى الصعق الكهربائي والتعذيب.
وأشار إلى أن الطبيب الشرعي يعمل موظفا لدى الحكومة، وأن معظمهم يخضعون تحت ظل الأنظمة الدكتاتورية إلى الانصياع للتعليمات التي تملى عليهم، ويكتبون التقرير الذي ترضى عنه السلطات.
شهود عيان
من جهته، قدر عضو الجمعية السورية للمفقودين ومعتقلي الرأي عماد الدين الرشيد ضحايا التعذيب في سوريا بحوالي 11 ألف ضحية حتى نهاية عام 2011، وأشار إلى صعوبة الحصول على إحصاء دقيق يغطي جميع السنوات اللاحقة.
وأكد الرشيد أن جل المعتقلين المنتمين إلى الثورة يتعرضون لمثل هذا التعذيب، وأن أكثر من 50% من الضحايا سقطوا ضحايا للتعذيب بالتجويع، وأوضح أن الفرع 215 يسمى "جهنم" ويعتبر المقر الأساسي الذي تتم فيه التصفية، ويرسل إليه الذين يريد النظام التخلص منهم.
واتفق عضو الجمعية مع المحامي كادمان في أهمية أن يتقدم شهود عيان من الضحايا حتى يساعد ذلك في تقديم ملف قضايا التعذيب إلى محكمة الجنايات الدولية.