يرى جاكوب أوليدورت، الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، أن
السلفية المصرية، الممثلة بحزب النور، تستخدم دعمها للنظام المصري ونبذها للعنف، كي تحمي نفسها، وحتى لا تقع فريسة لقمع السلطة.
ويبين الباحث المتخصص في السلفية في مقالته أن الحزب لا يزال يصنف نفسه شريكا لنظام عبد الفتاح
السيسي في الحرب المحلية والإقليمية ضد التهديدات التي تمثلها الجماعات الإرهابية، رغم تأجيل الانتخابات المصرية عن موعدها 21-22 آذار/ مارس الحالي، حتى يتم إعداد قانون جديد للانتخابات.
ويجد التقرير أن مواقف
حزب النور مرتبطة على ما يبدو باستراتيجية الحزب الأوسع للحفاظ على قاعدة الدعم الشعبي له، والحماية الأمنية التي يوفرها له النظام، حتى يستطيع نشر تعاليمه السلفية. وقد تنجح هذه الاستراتيجية في ضوء سجل جماعة الإخوان المسلمين في الحكم، واهتمام النظام المصري ببناء تحالفات ومصداقية له على صعيد القاعدة الشعبية.
ويقدم أوليدورت هنا عرضا تاريخيا لنشوء حزب النور، فقد أنشئ في حزيران/ يونيو 2011، وكان جناحا سياسيا لـ"الدعوة السلفية"، التي ظهرت في الإسكندرية في عام 1982، وهي الدعوة التي ابتعدت عن العنف والمشاركة في السياسة.
ويقول الباحث إن الموقف البعيد عن السياسة هو متساوق مع الموقف العام للحركات السلفية في المنطقة، وهو موقف عملي مثلما هو أيديولوجي. فقد نشأت الحركة من التعاليم السلفية الداعية إلى تطهير الإسلام، وتوجيه المسلمين نحو مصادر الدين الأساسية، بدلا من المشاركة السياسية، التي تبنتها جماعة الإخوان المسلمين، وقد انتقد قادة الدعوة السلفيون جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير، وقالوا إن هاتين الحركتين سارعتا إلى العمل السياسي دون أن تكون لديهما أرضية عقدية قوية، ولم تركزا بدلا عن ذلك على تصحيح مفاهيم الدين وممارسته. وفي مرحلة لاحقة وسع السلفيون نقدهم هذا ليشمل الحركات الجهادية.
ويعتقد الكاتب أن تركيز السلفية على الدعوة يظل من الناحية العملية ردا على مراقبة الحكومة وشكها بنشاط أعضائها، ونظرا لصعود الجماعات الجهادية ونشاط الإخوان المسلمين.
وينقل التقرير ما كتبه الباحث مختار عواد، الذي لاحظ أنه قبل ثورة يناير 2011، كانت الجماعة "تعيش خوفا دائما من شن الحكومة حملة قمع مفاجئة"، وأن السلطات المصرية تراقب عن قرب حركة الدعوة وقدرتها على نشر رسالتها داخل شبكة من المساجد في مدينة الإسكندرية.
ويشير أوليدورت إلى أنه من هنا فقد جاءت محاولات أفراد الجماعة السلفية في حزيران/ يونيو 2011، لتشكيل حزب سياسي مفاجئة للجميع، إن أخذنا موقفها من السياسة، ووضع الإسلاميين القلق في مصر. وكان مفاجئا بالدرجة ذاتها قدرة الحزب على الفوز بعدد من المقاعد في البرلمان المصري، في الفترة التي تبعت الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، وهو ما يؤكد شكوك الحكومة المصرية حول شعبية السلفيين.
ويستدرك الباحث بأنه رغم قلة خبرة السلفيين، والنقاش الذي دار بين القادة الكبار في الحركة حول شرعية دعم حزب سياسي يمثل الحركة، إلا أن قادة الحزب أثبتوا قدرة على تأكيد شرعيتهم منذ البداية، وحصلوا على الدعم.
ويلفت التقرير إلى أنه من خلال تشكيل حزب يعبر عن هوية الحركة السلفية، فقد حقق السلفيون المصريون ما لم تحققه الأحزاب السلفية في مكان آخر خلال القرن الماضي، حيث قدموا موازنة بين الالتزام بنظريات الحركة، التي قرنت بالحفاظ على الوضع القائم والابتعاد عن عدم الاستقرار السياسي، خاصة الحركات الجهادية. وكان الابتعاد عن أيديولوجية العنف واضحا، خاصة أن السلفيين تورطوا في عمليات عنف في مصر بداية الربيع العربي.
ويذكر الباحث أنه في المؤتمر التأسيسي للحزب في حزيران/ يونيو 2011، أكد قادة الدعوة السلفية أن واجبات الحزب الرئيسية هي الدعوة والتعليم. وقالوا إن شرعية الحزب تثبت إن كانت الغاية هي تحقيق هذين الهدفين. كما برر مؤسسو الحزب شرعيته من خلال تفسير حرفي لكلمة "سياسة"، التي تعني كما يقولون "الحكم" وليس "السياسة" بالمعنى المتداول. وقالوا إن الحكم وتوفير الخدمات للناس هو واجب إسلامي.
ويقول الكاتب إن حزب النور لم يسع منذ البداية لأسلمة المجتمع، كما فعل الإخوان المسلمون، بل حاول تأطير حملته السياسية، من خلال تحقيق الرفاه للمصريين، واعتبار أن الإسلام جزء من الهوية المصرية التاريخية، وتبنى قادة الحزب موقفا عاما من التحالفات المحلية والخارجية.
ويضيف أوليدورت أن مؤسس الحزب عماد عبد الغفور بين أن "أي دين يرغب بمساعدتنا فإننا نقبل مساعدته بناء على شرطين: الأول هو المساعدة في تحقيق الرفاه للمجتمع المصري، أما الثاني هو أن يتم تحقيق هذه الأهداف عبر أساليب قانونية، وليس كما تفعل أحزاب السلطة، أو تلك التي تقوم بخداع الشعب المصري، فيجب أن يعيش الشعب المصري بعدل وسلام". ومع أن الحزب رفع غصن الزيتون للأحزاب الدينية كلها، إلا أنه استخدم كلمة "أمة" ذات الدلالات الإسلامية لوصف المجتمع المصري، ما يعني أن الأساس الإسلامي هو الذي سيقود إلى التقدم.
ويفيد التقرير بأنه وبعيدا عن هذه الأسس النظرية، إلا أن الحزب لم يكن لينجح لولا الدعم السعودي، الذي أدى دورا في استمرارية الحزب، وهذا لا ينفي الحنكة السياسية التي أظهرها قادة الحزب في خط مسار للحزب ممثلا للمصريين كلهم وشريكا شرعيا للحكومة. فقد كان حزب النور أول حزب سلفي يدعم حكومة السيسي العسكرية، وكان أول من نشط في دعم السيسي للإطاحة بحكم الرئيس المنتخب محمد مرسي.
ويوضح الباحث أن حزب النور ظل يقدم نفسه على وسائل التواصل الاجتماعي على أنه شريك للحكومة في الحرب على الإرهاب، وذلك في الأسابيع والأشهر التي كانت ستفضي إلى الانتخابات البرلمانية، وفي الوقت الذي تقوم به حكومة السيسي بملاحقة نشاطات الجهاديين، خاصة في سيناء وفي منطقة لا تزال تعيش في ظل هجمات تنظيم الدولة وفروعه في سيناء وليبيا.
ويورد التقرير أنه في 2 شباط/ فبراير الماضي، أصدر زعيم الحزب يونس مخيون بيانا قال فيه إن "ما يجري في سوريا والعراق واليمن يوحدنا جميعا ضد الإرهاب".
وظل الحزب يصدر بيانات يشجب فيها نشاطات تنظيم الدولة، معتبرا إياه تنظيما "إرهابيا"، وأن ما يقوم به لا علاقة له بالإسلام، مشيرا بالتحديد إلى حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، وذبح المصريين في ليبيا.
ويشير التقرير إلى أنه في 2 شباط/ فبراير أكد المتحدث باسم الحزب نادر بكار أن مصر بحاجة إلى فتج جبهة جديدة في سيناء، "لتحريرها من قبضة الإرهاب". وفي مقابلة أجرتها محطة "إل تي سي" يوم 15 شباط/ فبراير مع مخيون، قال فيها إنه اقترح على السيسي بناء أجندة وطنية موحدة لمواجهة الإرهاب. وبحسب التقارير التي نشرها الحزب عن اللقاء فإن مخيون ينوي عقد لقاءات أخرى مع جنرالات الجيش.
ويظهر الكاتب أنه بعيدا عن هذه اللقاءات، التي استخدمها قادة الحزب لبناء أرضية مشتركة مع السيسي، انتهزوا الفرص التي منحت لهم لتوسيع قاعدة دعمهم الشعبية، حيث دعوا سكان سيناء إلى العمل معا بعد هجمات 28 كانون الثاني/ يناير. وأكثر من هذا استمرت الجماعة بتوسيع قاعدتها، حيث زعمت أنها سترشح أقباطا ونساء على قائمتها الانتخابية، وقدم الحزب مبررات شرعية لتأييد هذه الخطوة.
ويبين التقرير أن نادر الصيرفي، الذي يقود الحزب القبطي المعروف باسم أقباط 38، رد بالقول إن حزبه يتعاون مع حزب النور، رغم التزام الأخير بمبادئه الدينية، مضيفا أن التعاون يحظى بمباركة من الكنيسة القبطية.
ويختم الباحث تقريره بالإشارة إلى أنه في ضوء تحول الجماعة السلفية من البعد عن السياسة إلى النشاط السياسي، وتحولها الدرامي من دعم محمد مرسي إلى دعم حكومة السيسي، فيمكن النظر إلى موقف حزب النور، وتقديمه لنفسه شريكا في قتال الإرهاب والحفاظ على الأمن المحلي، من خلال موقفين عمليين وهما: الحفاظ على الدعم الشعبي، وأن ينأى الحزب بنفسه عن أي محاولة للحكومة لقمع المعارضة الدينية.