نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرًا لأليسون كوركري وهبة خليل، حول الأوضاع
الاقتصادية في
مصر، بمناسبة استضافة مصر لمؤتمر
الاستثمار، الذي وصفه وزير الاستثمار أشرف سلمان بأنه العمود
الفقري للنمو الاقتصادي المصري المستقبلي. وبحسب التقارير فإن الحكومة ستستغل المؤتمر لتطلق برنامج تطوير اقتصادي جديدا.
ويشير التقرير إلى أن الحكومة المصرية قامت أثناء التحضير للمؤتمر بتصوير البلد على أنه يشجع الاستثمار، وكتب وزير الاستثمار في "وول ستريت جورنال"، واصفا ما قامت به الحكومة من إصلاحات اقتصادية وتشريعية وتنظيمية بأنه يصل إلى مستوى "ثورة صامتة"، ولكن ليس هناك ما يميز هذه الإصلاحات عما كان عليه الوضع سابقا، فبالرغم من النمو الاقتصادي، إلا أن الفقر تزايد كما تزايدت البطالة واللامساواة، وتدهورت العدالة الاجتماعية.
وتنوه الكاتبتان إلى أن مصر في الواقع لا تزال تتجاهل معاهدات
حقوق الإنسان الدولية، التي وقعت عليها، والتي تلزمها برصد "أكبر موارد متوفرة" للنهوض بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية. وهذه الحقوق التي يضمن كثير منها الدستور المصري تؤكد حق العلاج والتعليم والعمل والسكن والضمان الاجتماعي. ويحلم الشعب المصري بوطن يوفر للجميع فرصة حياة كريمة.
ويلفت التقرير إلى أن الحرمان الواسع لهذه الحقوق كان وراء إطلاق شعارات مثل "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية"، وهو الشعار الذي تميز به الحراك الكبير الذي أسقط الرئيس حسني مبارك، وهي شعارات ترفع في كل مناسبة يعبر فيها الشعب عن عدم رضاه. وفشلت الإدارة الحالية مثل سابقاتها في القيام بإصلاحات لتحقيق هذه الحقوق الأساسية.
وتقول الكاتبتان: "إن إصلاحات الحكومة فشلت في معالجة الفساد المستشري، وعلى العكس يتوقع إضعاف الجهود التي تعمل لتعزيز مساءلة وشفافية الشركات. وفي قلب مشكلة الفساد في مصر، الدور الاقتصادي الكبير الذي تؤديه القوات المسلحة التي تأخذ مشاريع بناء بمليارات الدولارات، دون رقابة عامة للمناقصات أو عملية التقييم. وهناك مشكلة أخرى أساسية، وهي التركيز على مشاريع بنية تحتية كبيرة دون فحص دقيق. فمثلا في حالة مشروع توسيع قناة السويس، بالرغم من التشكيك في جدوى المشروع، فإنه بدأ العمل فيه".
وتضيف الكاتبتان أنه "للأسف فإن القوانين التي سنتها الحكومة ستجعل من الأسهل للمسؤولين الانخراط في أعمال فاسدة، بهدف الإثراء الشخصي دون التعرض للمساءلة، فمثلا مرر قانون في شهر نيسان/ أبريل 2014، يمنع الأشخاص أو المؤسسات من معارضة العقود الحكومية، وهذا القانون يعمل بأثر رجعي، ويتم الترويج له على أن فكرته هي التخفيف من الروتين، ولكن أثره هو عكس أحكام قضائية بإلغاء عقود فاسدة في الماضي، وفي الوقت ذاته فإنه يضعف إمكانية معارضة الشعب لأي عقود مستقبلية".
وتبين المجلة أنه في 4 آذار/ مارس، وافقت الحكومة على قانون الاستثمار الجديد، ولا يزال القانون ينتظر مصادقة
السيسي عليه، وهو يعطي المستثمرين حماية إضافية، ويعرف آلية مختلفة لحل النزاعات بعيدا عن القضاء المصري، وهذا يعطي حصانة للمستثمرين والمسؤولين في التعامل بالأموال العامة. كما أنه يلغي إجراءات التملك، ويمكن المسؤولين من بيع وتأجير الأملاك العامة دون طرح عطاءات. كما أن القانون الجديد يمكن المسؤولين الحكوميين من إعطاء الأملاك العامة للمستثمرين مجانا لمدة خمسة أعوام من أجل التطوير.
ويوضح التقرير أن قانون الإفلاس الجديد يترك مهربا آمنا للمستثمرين للتخلي عن المشاريع الفاشلة. وفي بلد يعاني بشدة من الفساد الممنهج، فإن هذه القوانين تعد ضوءا أخضر للمزيد من هدر المال العام.
وترى الكاتبتان أن الأمر الآخر والأهم هو أن مقاربة الحكومة للتطوير تحيي نموذجا عفا عليه الزمن من الاقتصاد الذي يقوم على تخفيف الضرائب على الشركات، لتحقيق نمو اقتصادي يستفيد منه الجميع، ولكن لا يتوقع أن يستفيد العدد المتزايد من المصريين، الذين يعيشون في الفقر، من مثل هذا النموذج، حيث فشلت الإصلاحات المصرية في ربط الاستثمارات الخارجية بحاجة الشعب. فبحسب البنك المركزي في مصر، فإن 74.3% من الاستثمار الأجنبي المباشر ذهب إلى قطاع النفط، بينما لم يحظ التصنيع والزراعة سوى بـ2%.
وتذكر المجلة أنه ليس القصد من هذا القول هو عدم الحاجة للاستثمار الأجنبي المباشر، ولكن يجب على الحكومة محاولة جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لقطاع الصناعة والزراعة والخدمات، لتوفير عمل للشباب الذين تبقى نسبة البطالة بينهم في حدود 30%. ولذلك، فإنه يجب إعطاء التسهيلات وتخفيض الضرائب للاستثمارات في القطاعات التي تقوم بتشغيل العمال، بدلا من إعطاء التسهيلات لأشكال الاستثمار كلها.
ويرجح التقرير عدم وصول الدخل الناتج من تلك الاستثمارات في الغالب إلى الخزانة العامة، بل إلى جيوب الأثرياء، ولا تشكل الضرائب على الشركات في مصر سوى 12.8% من مجمل الضرائب، بينما الضرائب المفروضة على المواد الاستهلاكية تشكل خمسي مجمل الضرائب، والأخيرة تؤثر على الأفقر حالا، كما أن الحكومة تعرض المزيد من تخفيضات الضرائب للمستثمرين.
وتجد الكاتبتان أن هذه السياسات تساعد المستثمرين بتجنب دفع ضرائب الشركات، وهذا يقوض إمكانيات الحكومة لتأمين الإمكانات اللازمة للاستثمار في الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، ما يزيد من عدم المساواة.
وتكشف المجلة عن أن الإصلاحات الاقتصادية للحكومة المصرية، التي وافق عليها صندوق النقد الدولي، تحتوي على سياسة تقشف صارمة، تؤثر سلبا على أفقر الناس، وحديثا بدأت مصر بإصلاحات في مجال دعم الغذاء والوقود.
ويذهب التقرير إلى أنه رغم أن بعض المساعدات لا يستفيد منها الفقراء فقط، إلا أن الحكومة فشلت في تقدير الآثار السلبية على الفقراء، وتزمع إعلان المزيد من رفع الدعم عن المواد الاستهلاكية عام 2016. كما أن المسؤولين الحكوميين لم يقدموا خططا للتخفيف من الآثار السلبية لرفع الدعم عن الفقراء، وكان بنك التطوير الأفريقي قد اقترح أن تستخدم الحكومة المصرية 30% إلى 40% من الأموال التي توفرها من خلال الدعم، لتعويض الأشد فقرا، الذين يتأثرون بشكل أكبر من رفع الدعم.
وتستدرك المجلة بأنه بدلا من زيادة الصرف الاجتماعي لمعادلة آثار رفع الدعم، فقد جاءت ميزانية 2014- 2015 لتظهر تقصيرا كبيرا في تمويل القطاع الاجتماعي.
وتعتقد الكاتبتان بأن انتقال الحكومة من نموذج اقتصاد فاشل إلى نموذج يجعل الأولوية للفرد المصري العادي، ليس بالأمر الضروري فقط للتأكد من تنمية مستدامة، ولكنه واجب تحت قانون حقوق الإنسان الدولي.
ويفيد التقرير بأنه ليس هناك شك بأن هناك حاجة إلى ثورة اقتصادية في مصر، ويمكن أن تساهم فيها الاستثمارات الأجنبية. والتزامات حقوق الإنسان التي وقعت عليها مصر توفر الدليل لما يجب أن تبدو عليه الإصلاحات الاقتصادية الثورية. وهذا يتطلب التأكد من أن المستثمرين الأجانب لا ينتهكون حقوق الإنسان، ولا القوانين المتعلقة بالبيئة، بالإضافة إلى محاربة الفساد والحاجة إلى مزيد من الشفافية.
وتختم الكاتبتان تقريرهما بالإشارة إلى أن الأهم هو أن أي نظام اقتصادي قائم على أساس الحقوق، يجب أن تتوفر فيه شروط المساءلة للجميع، بما فيهم المستثمرون والدائنون والمانحون ومؤسسات التمويل الدولية. وإن كان المؤتمرون في شرم الشيخ نهاية هذا الأسبوع يريدون تقديم استثمار له معنى في مصر، فإن عليهم استحضار هذه الشروط.