كتاب عربي 21

تهيئة المناخ لأحكام الإعدام المقبلة

1300x600
لا يعني التبرير لحكم إعدام، لم يصدر عبر مساراته القانونية الطبيعية، وشابه الشك والريبة، والتربص، في كل تفاصيله، وجرى الإسراع به و"كلفتته" لتمريره في غفلة من الزمن، أقول لا يعني التبرير لحكم بهذه الحيثيات سوى تمهيد الأرض للمزيد من الأحكام التعسفية، ذات الطابع الانتقامي، التي تجد طريقها إلى التهليل والتطبيل، لا من إعلام الثورة المضادة وقنواته فحسب، وإنما من خصوم الإسلاميين الذين يعتبرون قتلهم، وإبادتهم بأي وسيلة كانت منجزا ثوريا وإنسانيا، يستحق التبرير، والتطبيل.

يموت محمود رمضان، تماما مثلما مات مئات الشهداء منذ 25 يناير حتى الآن، من لم يمت بالقضاء مات بغيره، رصاص، غازات، سحل، جمال وخيول، الموت يعني الموت، إلا أنهم هذه المرة يقننون قتل الشباب، ويجعلونه بسند قضائي، لذر الرماد في العيون، ولا ينقصهم سوى المبرر الأخلاقي الذي يجعل من هذا الحكم جسما له رأس، وأيد، وأرجل، فإن لم يستطع مهندسو "تكييف" المسائل على مزاج صاحب المحل أن يجدوا من تفاصيل الحدث ثغرة تصلح للمرور، قام الإعلام بهذا الدور، يدفعه ويحيط به، إحاطة السوار بالمعصم، لجان إلكترونية على مواقع التواصل وجوقة من المتبرعين، وعارضي أزياء "التعريض" على زبائنها من السادة أصحاب الفخامة والمعالي.

السؤال: ليس هو كيف تم إعدام محمود رمضان دون دليل حقيقي، ودون الاستماع لشهود النفي، ودون فيديو واضح، ومع تجاهل كل التحليلات والتفنيدات البصرية التي جرى تقديمها لهذا الفيديو، ليس هذا هو السؤال بالنسبة للمحتفلين على موائد الحدث، سلبا وإرهابا، إنما السؤال الفذ العبقري يقول: لماذا يحزن الإخوان على "رمضان" وقد سبق واتهموه؟!!!

تضيع الحقيقة، يفلت الفاعل بجريمته "المقننة"، يرتعد في سجون العسكر ومعتقلاتهم أكثر من 1000 معتقل صدرت ضدهم أحكام جزافية بالإعدام، فيما يبتسم العسكر في هدوء وهم يشاهدوننا كالديكة نطرح سؤال المرحلة الفارق: هل من حق الإخوان أن يشاركوا في مجرد الاعتراض على إعدام رمضان أم لا؟، خبرة "نساوين" الحواري في الردح والشرشحة، هي التراكم الثقافي الوحيد الذي حققناه في الربع قرن الأخير.

أصدقاء الشهيد يفتحون الباب أمام المزيد من التحليلات التي لا تتسع سوى لبراءة واضحة، الصورة تتكلم، الأدلة تتكلم، الناس التي عرفت رمضان تتكلم، رمضان بريء، ونحن نتساءل: من من حقه أن يطلب له حقه، ومن ليس من حقه؟!!

يتجاوز العبث حدود مهاجمة حق فصيل دون آخر في المشاركة بالعزاء، وتصحيح أخطاء الماضي، إلى رغبة فصيل آخر من المرضى، أو "المزقوقين"، المتمارضين، في تفكيك خطاب التعاطف الإنساني، والحقوقي، والتماهي حد التطابق مع خطاب الدولة، أي نعم، محمود أعدم، وهو يستحق، إلا أن موجة بهذه الخسة والوضاعة لا تجد لها مكانا للمرور، وسط سخونة الحدث، كما أن أصحابها أجبن من أن يواجهوا، تنتشر الكوميكس الساخرة من محمود رمضان، رحمه الله، تحاول تشبيهه بـ ريا وسكينة، وحسب الله، وعبد العال، بل وبـ أبي جهل، وتسخر من العقاب الدنيوي والأخروي الذي حاق بهؤلاء رغم كونهم ثوارا وأحرارا، في محاولة بائسة للإشارة إلى أن "رمضان" رغم كل ما تداولته مواقع التواصل من أدلة لبراءته، مدان!!!

هذا الإلحاح و"الزن" في مساواة المطلق اليقيني، بالنسبي حد السيولة، الذي لم تظهر أي أدلة إدانة حقيقية مطمئنة بحقه، اللهم إلا اعتراف المتهم الذي لم يخبرنا أحد أين تم، وكيف، وهو سؤال إجابته أصعب من تحويل الجنرال من سيسي إلى رجل، هو منتهى آمال ثوار الدرجة الثالثة في تسويق رأي مواز يشرعن بدوره لاستمرار آلة القمع والقتل والإرهاب الحقيقي.

إن قتل محمود رمضان، بهذه الطريقة جريمة شنعاء، لا تقل بحال عن اغتيال شيماء الصباغ، إذا أردنا تسمية الأمور بمسمياتها، ولا تعني محاولات التبرير أو صرف النظر عن الأسئلة الحقيقية، سوى المشاركة، بقصد أو بدون، في التجهيز لبيئة لا مبالية، ومضللة، تستوعب إعدامات أخرى، تعود بها هيبة الجنرالات من بعد التسريبات إلى الظهور، وتشكل انتقاما، وتهديدا في الآن ذاته لكل من تسول له نفسه أن يتنفس خارج الهوى العسكري.