"
الولادة بدون ألم" أو "الولادة
تحت الماء" مصطلحان صارا يستخدمان لتلخيص نظريات طبية حديثة تساعد المرأة على وضع مولودها بشكل طبيعي بأقل ألم ممكن، إلا أن جدران معبد
الأقصر (جنوب مصر) تكشف أن المصري القديم كان أول من اكتشف هذه التقنية في الولادة الطبيعية.
وخلال زيارة مراسلة الأناضول لمعبد الأقصر (على بعد 670 كلم جنوب القاهرة)، توقف المرشد السياحي الشاب محمد فهمي، أمام غرفة لقبّها المصري القديم بـ"غرفة الولادة"، حيث كان يوضع كرسي مصمم بأنسب وضع تجلس فيه السيدة الحامل في ماء دافئ وهي تلد، وهي عملية توثقها جدران الغرفة برسومات وكتابات باللغة الهيروغليفية.
وأثبتت دراسات طبية، بينها دراسة بريطانية منشورة عام 2004، أن الولادة تحت الماء الدافئ بدرجة حرارة تتراوح بين 35 و37.5 مئوية تعطي السيدة إحساسا بالراحة النفسية والاسترخاء أثناء الولادة، كما أن استخدام الماء يُحدث تقدما سريعا في عملية الولادة، ويقل الاحساس بالألم بنسبة من 60% إلى 70%، وهو ما ترجعه الدراسات إلى تحفيز هرموني "الأوكيوسين" و"الإندورفين" المسؤولين عن انقباضات عضلات الرحم.
وتجمع معظم تلك الدراسات على أن هذه التقنية في الولادة الطبيعية تستغرق وقتا أقل من الولادة العادية، ولا تتطلب استخدام البنج الموضعي (التخدير)، ويمكن الاستغناء عن معظم أنواع الأدوية خلال الولادة، وتنخفض فيها نسبة تمزق الجهاز التناسلي، وأخيرا يكون المولود أقل عرضة للإصابة بالالتهابات، ولا سيما التهابات الجهاز التنفسي.
لكن في المقابل ثمة موانع لاتباع هذه التقنية، منها: تجاوز حرارة السيدة الـ38 درجة مئوية أو كونها مصابة بارتفاع ضغط الدم، وحدوث نزيف مهبلي، والتهاب سائل "الأمنيوتك" المحيط بالجنين، ووجود مشاكل في ضربات قلب الجنين، والحمل في توأمين، ووجود مشاكل في وضعية الجنين (مثل الجنين المستعرض).. وأخيرا الولادة المبكرة، أي أقل من 37 أسبوعا.
غير أن جدران معبد الأقصر، الذي شٌيد قبل الميلاد بـ1400 عام، تحمل رسومات وكتابات تفيد بأن المصري القديم سبق تلك الدراسات الحديثة إلى هذه الطريقة في الولادة بأقل ألم ممكن.
حسن جعفر، وهو أستاذ أمراض النساء والتوليد في كلية الطب بجامعة القاهرة، قال إن "الولادة تحت الماء نهج علمي متبع في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا منذ ما لا يقل عن ثلاثة عقود".
وأضاف جعفر: "شاركت في إجراء هذه العملية في لندن، لكننا لم نتوسع بعد في إجرائها بمصر، إذ إن المصريات بدأن في التعرف على هذا النهج العلمي الجديد منذ أشهر.. وعدد حالات الولادة تحت الماء في مصر يكاد يعد على أصابع اليد الواحدة".
ومضى الطبيب المصري قائلا إن "الولادة تحت تيار ماء متحرك دافئ بدرجة حرارة تتراوح بين 35 و37.5 مئوية تعطي السيدة إحساسا بالراحة النفسية والاسترخاء أثناء عملية الولادة؛ ما يؤدي إلى ارتخاء عضلات الحوض، ومن ثم تقليل الآلم".
كما أن "استخدام الماء يسهل عملية الولادة ويشعر السيدة براحة نفسة، ويقل الألم بنسبة 50% إلى 70% بفضل تحفيز الهرمونات المسؤولة عن التحكم في انقباضات عضلات الرحم".
ولخص جعفر أسباب عزوف المصريات عن طريقة أجدادهن من
المصريين القدماء إلى "خوفهن الشديد من فكرة أن يولد طفل في الماء.. وهو خوف في غير موضعه، فالطفل يعيش داخل رحم أمه في كيس من الماء ولا يتنفس في أول دقيقة بعد ميلاده، وبالتالي فإنها لا تشكل الولادة في الماء أي خطورة على حياته".
سبب آخر رصده الطبيب المصري بقوله إن "المستشفيات المصرية غير مجهزة بحوض الاستحمام المخصص لهذا النوع من الولادة الذي يتطلب مساحات شاسعة، وذلك لاعتماد الأطباء والسيدات في آن واحد على طرق الولادة التقليدية وسط مخاوف من تجربة أي نهج علمي جديد".
ومعبد الأقصر، الذي يؤرخ لطريقة "الولادة تحت الماء"، "يمثل نموذجا حضاريا فريدا، إذ إنه يجمع بين الحضارات الفرعونية والإغريقية والرومانية والمسيحية والإسلامية"، بحسب المرشد السياحي محمد فهمي.
وأوضح أن "المعبد جرى تشييده في قلب مدينة الأقصر، التي كانت عاصمة لمصر الفرعونية، فتعاقبت عليها كل الحضارات التي حطت الرحال في مصر".