لم يستبعد خبراء قانون أمريكيون أن يتم الحكم على كريغ هيكس المتهم بقتل ثلاثة من الطلاب الأمريكيين المسلمين بالإعدام أو السجن مدى الحياة دون إفراج مشروط، إذا تم إثبات شروط "سبق الإصرار والترصد" في تنفيذه للجريمة التي أثارت جدلاً في الأوساط الدولية، عقب اتهامات مستمرة للمسلمين بالتواطؤ في تنفيذ عمليات إرهابية.
وقال محامي الحقوق المدنية المتخصص في قضايا التمييز العنصري والحقوق والحريات في مدينة دور هام بولاية نورث كارولينا، ستيوارت فيشر: "أعتقد أن التحقيق (في الحادث) على أساس أنه جريمة كراهية مناسب جدّا".
إلا أن فيشر أشار إلى صعوبة إثبات الحادث كجريمة كراهية وفقًا للقانون قائلاً "إنه أمر صعب الإثبات لأنك يجب أن تعرض دوافع شخص ما، ومن الصعب دائمًا أن تعرف ما يدور في رأس أحدهم، لكن في جريمة قتل من الدرجة الأولى (سبق الإصرار والترصد) تتطلب إثبات التعمد (النية المسبقة)، وإذا ما كان الادعاء العام سيطالب بحكم الإعدام فإن هذا سيتطلب إثبات عوامل مشدِدة تتفوق على عوامل التخفيف".
وبحسب القانون الأمريكي، فإن العوامل المشددة هي الوقائع والظروف التي تزيد من شدة أو ذنب أي عمل إجرامي، وتشمل معاودة ارتكاب جريمة معينة بعد تلقي العقاب عن ارتكابها في المرة الأولى، وعدم الندم، وكمية الضرر الذي أوقعته الجريمة بالضحية، أو ارتكاب الجريمة أمام طفل، وغيرها من الحالات. وتختلف نظرة المحكمة إلى العوامل المشدِدة بحسب نوع الجريمة، وفقا لموقع معهد المعلومات القانونية الإلكتروني لكلية القانون في جامعة "كورنيل".
فيشر قال إن "واقعة أن استهداف الضحايا تم بسبب دينهم أو أصولهم القومية أو عرقهم يمكن أن يكون أحد تلك العوامل المشدِدة"، مشيرًا إلى أن التهديد المسبق للضحايا من قبل القاتل موجود.
وأضاف: "أعتقد أنه سيكون هنالك ما يكفي من الأدلة على وجود سبق الإصرار اللازم لمحاكمة المتهم بجريمة قتل من الدرجة الأولى"، إلا أن المحامي الحاصل على شهادته للدكتوراه من ذات الجامعة التي كان يرتادها الضحايا الثلاثة، لم يستبعد أن يحاول محامي الدفاع استخدام حجة "الخلل العقلي" في سبيل تخفيف العقوبة عن موكله.
وقال فيشر، وهو محام ناشط في قضايا الحريات المدنية، إن "الأخذ بحجة الاختلال العقلي ليس قضية شائعة في محاكم الولاية التي وقعت فيها الجريمة في نورث كارولينا، حيث نتبع ما يعرف بقاعدة (مكنوتون)، القاعدة القديمة من القانون الإنجليزي العام التي تنص على أنه لكي تثبت أن المتهم غير مذنب بسبب حالته العقلية، فأنت بحاجة لأن تُثبت أن مرتكب الجريمة كان غير قادر على التفريق بين ما هو صحيح وخطأ وقت ارتكاب الجريمة، وهذا أمر يصعب إثباته".
وتابع قائلا: "قليلة جدّا هي القضايا التي استطاعت الإفلات باستخدام الدفاع لحجة الاختلال العقلي وأقرت من قبل هيئة المحلفين في نورث كارولينا".
لكن فيشر، الذي يقطن في ولاية نورث كارولينا، قال إن "مطالبة المدعي العام في مقاطعة أورانج التي تتبع لها مدينة
تشابل هيل (حيث قتل الشبان الثلاثة) بالإعدام بحق المتهم هو موضوع مستبعد، حيث إنها لم تنته محاكمة بحكم الإعدام في مقاطعة أورانج لسنوات عديدة. لا أستطيع تحديد كم سنة بالضبط ولكن بشكل عام فإن المدعي العام في مقاطعة أورانج لم يسع (من قبل) إلى عقوبة الإعدام"، لكنه عاد ليقول بأن المدعي العام يمكن "أن يأخذ رغبة عائلتي الضحايا في الحسبان".
على الصعيد نفسه، قالت رئيسة رابطة المحامين الوطنية (مستقلة)، أميلا مينز، إن "إثبات أن جريمة القتل الواقعة جريمة كراهية صعب جدّا".
وأضافت مينز أنه "إذا ما اطلعت على قوانين ولاية نورث كارولينا فستجد أن قانونها يعتبر جريمة الكراهية جنحة، لذا فإنه يجب (على المدعي العام) تقديم أدلة تبين أن أفعاله (المتهم) مدفوعة بهذه (الكراهية)"، مشددة على أن ما يجب على الادعاء العام القيام به هو "إيجاد ما يثبت أن المتهم ارتكب هذه الجريمة بالتحديد على أساس أنهما كانا مستهدفين بسبب دينهما أو عرقهما".
مينز أوضحت أن محاكمة هيكس ستكون على أساس اتهامه بثلاث جرائم قتل مع سبق الإصرار والترصد هو أشد عقاباً من محاكمته على أساس جريمة الكراهية في ولاية نورث كارولينا، مفسرة رأيها بالقول إنه "إذا ما نظرت إلى قوانين نورث كارولينا فستجد أنها في الحقيقة تجعل جرائم الكراهية أقل بكثير من الجريمة التي تم اتهامه بها وهي القتل مع سبق الإصرار والترصد".
إلا أن المحامية، التي ترأس واحدة من أكبر نقابات المحامين في الولايات المتحدة، قالت إنه "ليس هنالك ما يمنعهم (الادعاء العام) من المطالبة بمحاكمته (هيكس) بجريمة قتل من الدرجة الأولى والإشارة في الوقت نفسه إلى أنها استندت على أساس العرق كما أنه يمكن تضمينها تهما أخرى (لم تبينها) كنتيجة لذلك".
المحامية، ذات الأصول الأفريقية الأمريكية، أشارت إلى وجود فرق بين أن يقوم شخص حاقد بارتكاب جريمة قتل أو أن يقوم حاقد بارتكاب جريمة قتل بسبب حقده، وهو ما قالت إنه "أساس الاختلاف في هذه القضية، فالأدلة التي نراها في وسائل الإعلام لا تعطيك أسسًا كافية لمعرفة ما إذا كانت هذه جريمة كراهية أم لا. من المبكر جدّا لأحد غير مشترك في القضية أن يصدر حكمًا".
مينز دعت الحكومة الفيدرالية والشرطة المحلية إلى "النظر في هذه القضية من خلال إجراء تحقيق شامل لتفادي تحول هذه القضية إلى وضع أكثر تعقيدًا".
وترى المحامية الأمريكية أن "هيكس يواجه عقوبة تتراوح بين الحكم بالإعدام والسجن مدى الحياة دون إفراج مشروط إذا ما تم إثبات تورطه بجريمة قتل من الدرجة الأولى".
من جهته، قال مدير الاتصالات الوطنية في مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية "كير" (غير حكومي)، إبراهيم هوبر، إن "هناك صعودا هائلا في الخطاب المعادي للمسلمين في مجتمعنا، وعددًا متزايدًا من الحوادث المعادية للمسلمين، لذا فإن هنالك احتمالا واردًا أن تكون هذه إحداها".
هوبر أضاف أن هناك محاولات في الولايات المتحدة لجعل هذه القضية "تبدو وكأنها خلاف حول أماكن وقوف السيارات، حسنًا، لقد كانت له خلافات مع آخرين لكنه أطلق النار على رؤوس ثلاثة مسلمين بطريقة الإعدام، لذا فنحن نعتقد أن هنالك ما هو أكثر من مجرد الخلاف حول أماكن وقوف السيارات".
وكان ثلاثة أمريكيين مسلمين قتلوا مساء الثلاثاء الماضي عندما فتح الأمريكي كريغ ستيفن هيكس عليهم النار، الذي اعترف لاحقا بجريمته، في مجمع سكني بالقرب من جامعة نورث كارولينا في مدينة تشابل هيل.
والضحايا الثلاثة، هم زوجان مرتبطان حديثًا ويدعوان ضياء شادي (26 عاما) وهو طبيب سوري وزوجته يسر محمد أبو صالحة (21 عاما)، وأختها رزان (19 عاما)، والأخيرتان فلسطينيتان تحملان الجنسية الأردنية.
وأمس الثلاثاء، وجهت هيئة محلفي مقاطعة "دور هام" في ولاية نورث كارولينا، ثلاث تهم بالقتل من الدرجة الأولى، وتهمة استخدام السلاح في منطقة سكنية، للمتهم كريغ ستيفن هيكس"، ومن المتوقع أن يمثل هيكس أمام المحكمة، في الأسبوع الأول من آذار/ مارس المقبل.