تأثر
لبنان على مدى عقود بالأحداث المحيطة به في الشرق الأوسط، مع خضوع أقوى أحزابه لمشيئة القوى الإقليمية وتلقي تمويل منها.
لكن فوضى استثنائية تجتاح الدول المحيطة بالبلد الصغير، ويحاول المسؤولون اللبنانيون عزل أنفسهم عنها قدر جهدهم، ما أدى لوقوف الحياة السياسية في لبنان بصورة شبه كاملة.
وتخنق الأزمة السياسية نظام لبنان الذي سمح لها بقيام مجتمع مدني مزدهر، دون مثيل في الدول العربية الأخرى، مع أنه ليس ديمقراطيا بشكل كامل.
فقد قرر أعضاء البرلمان اللبناني الأسبوع الماضي تمديد فترة ولاية المجلس للمرة الثانية ليضاعفوا من الناحية الفعلية السنوات الأربع المحددة في الدستور لفترة البرلمان، مبررين موقفهم بأن الوضع الأمني في لبنان هش إلى حد لا يمكن معه إجراء الانتخابات، في وقت لا يزال فيه منصب رئيس الجمهورية - الذي ينتخبه النواب- شاغرا منذ خمسة أشهر، ولم تكن هناك حكومة أيضا معظم العام الماضي.
بهذا الشأن، قال مدير المركز اللبناني للدراسات السياسية سامي عطالله، في مقال نشرته صحيفة دايلي ستار اللبنانية هذا الأسبوع، إن "تمديد فترة المجلس النيابي يدفع بلبنان خطوة إضافية بعيدا عن الإصلاح، في الوقت الذي تكشف فيه أيضا عن إفلاس وشلل نظامنا السياسي."
وتعكس المنافسات السياسية اللبنانية مدى التنافس بين الدول الإقليمية، وخصوصا إيران الشيعية والسعودية السنية، وهما تتمتعان بنفوذ حاسم في السياسة اللبنانية، فبينما يقود حزب الله الشيعي القوي أحد المعسكرين السياسيين الرئيسيين في البلاد، يقود تيار المستقبل السني بزعامة سعد الحريري المعسكر الثاني، وينقسم المسيحيون الذين يمنحهم الدستور منصب الرئاسة.
ومع دعم كل من إيران والسعودية لطرف مغاير في الحرب الأهلية السورية، شهدت السنوات الثلاث المنصرمة تزايد الخصومة الإقليمية، ثم أزمة سياسية في لبنان بعد 25 عاما على التوصل لاتفاق الطائف الذي نهى حربا أهلية لبنانية استمرت 15 عاما.
سياسة مجمدة
لكن يبدو أن الأحزاب الرئيسية اللبنانية ستظل عاجزة عن إبرام اتفاقيات تتخطى إدارة البلاد، دون تقارب إقليمي.
فقد قال رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام، في مقابلة مع رويترز، الأربعاء إن "كل شيء متعلق ببعضه. إذا كنا نتطلع نحو حل لمسألة الرئاسة في لبنان، فنحن سنكون أيضا نبحث عن حل لمشكلات المنطقة كلها من أجل أن يكون لها طابع إيجابي على كل شيء." مضيفا أنه "في الوقت الراهن للأسف لا يوجد شيء ظاهر حتى الآن."
ومنع التوازن الطائفي للسلطة في لبنان سيطرة أي حزب بمفرده، وسمح للمجتمع المدني عالي الصوت بالازدهار، لكن السياسيين الطامحين والنشطاء يقولون إنهم عاجزون الآن عن الدفع بأي تغيير.
وكان المرشح المستقل مارك ضو (35 عاما)، يطوف بدائرته لحشد التأييد أوائل 2013 لخوض انتخابات البرلمان، لكن اليوم بات عليه أن ينتظر حتى 2017 ، ما دفعه للقول إن "التمديد كارثة .. الشرعية تنزع عن كيان الدولة بأكمله ببساطة بعدم السماح للمواطنين اللبنانيين بالتعبير عن رأيهم في الانتخابات."
لم يقتصر الأمر على مارك، فقد بدا أن هذا الإحباط موجود أيضا لدى المحتجين على التمديد للبرلمان، والذين رشقوا مواكب النواب بالطماطم بينما كانوا يصلون إلى المجلس للتصويت على التمديد، في حين شهدت جدران في أنحاء بيروت كلمات: "لا للتمديد".
وقال المحلل السياسي في الجامعة اللبنانية الأمريكية، سامي بارودي إن "تأثير القوى الإقليمية على السياسيين اللبنانيين يهمش الدولة"، مضيفا أن "لدينا خليط متفجر جدا جدا. منطقة تحترق وحرب أهلية دائرة على الحدود وفي الوقت ذاته يتشبث اللاعبون المحليون بمواقفهم إلى حد عجزهم عن التوصل إلى اتفاق."
وأدى هذا التمديد إلى تراجع السياحة والاستثمار، في وقت عرقل الجمود جهود معالجة الدَّين العام واستغلال احتياطيات غاز بحرية محتملة وتحسين البنية التحتية المتداعية.
فراغ رئاسي
وشكلت حكومة في شباط/ فبراير الماضي بمباركة سعودية إيرانية لتنقذ لبنان من فراغ كامل في السلطة، لكنها لا زالت تكافح لتتخذ حتى القرارات الأساسية، في وقت يقول فيه سياسيون إن "القوتين غير مستعدين للتوصل لاتفاق مشابه بشأن الرئاسة"، خصوصا مع فشل 15 جلسة نيابية منذ أيار/ مايو في انتخاب رئيس للجمهورية.
ويبدو أن حل المأزق السياسي سيتطلب على الأرجح توسط الدول الإقليمية في اتفاق شبيه بذلك الذي أبرم في قطر عام 2008، وأدى إلى انتخاب البرلمان لقائد الجيش السابق ميشال سليمان رئيسا للجمهورية.
يذكر أن لبنان يشهد عددا من أسوأ أعمال العنف
الطائفية فيه منذ سنوات، مع جولات قتال متقطعة في مدينة طرابلس الساحلية، وسيطرة مسلحين سنة على بلدة عرسال الحدودية في شمال شرق البلاد لوقت قصير خلال الصيف.
وقال رائد أبو حمدان، وهو أحد الناشطين الشباب في الحزب التقدمي الاشتراكي الذي ينتمي غالبية أعضائه إلى الأقلية الدرزية، إن "النواب الذين يمثلون حزبه في البرلمان صوتوا للتمديد لأنه أهون الشرَّين"، مضيفا أن "إجراء انتخابات برلمانية قبل الرئاسية سيكون بمثابة تخريب لميزان القوى الطائفي الدقيق ما قد يسبب مزيدا من العنف".