عندما خرجت التظاهرات المطالبة بالإطاحة بمحمد
مرسي العام الماضي، لعب المنظمون على عنصر الخوف من أن مرسي وجماعة الإخوان سيحولون مصر لدولة دينية، لكن
الدين ما يزال عنصرا مهما في خطاب الدولة وحكومة عبدالفتاح
السيسي، حيث يتداخل الدين والسياسة، كما يقول مراسل صحيفة "الغارديان" باتريك كينغزلي، بل تقود الحكومة الطريق في هذا.
ويظهر عمل "نعمت ساتي" موظفة في وزارة الشباب، هذا الوضع فهي تدير وحدة مهام خاصة في الوزارة لمواجهة موجات الإلحاد بين الشباب.
وبحسب الخطة، فسيتم تنفيذ مئات المحاضرات، وستذهب قافلة من رجال دين ومحللين نفسيين إلى الأقاليم الـ 27 في العام المقبل لتثبيط الشباب عن التعلق بوجهي التطرف: الإلحاد والجهادية.
وتنقل الصحيفة عن ساتي: "يقول الملحدون أن لا بعث ولا جنة ولا نار، ولهذا فهم أحرار فيما يفعلون"، وتضيف "عندما لا تؤمن بالحياة بعد الموت فلا حدود لحياتك، وهذا يسبب مشاكل في المجتمع".
ويعلق كينغزلي على ما تقوله ساتي بأنها غير عادية، فمع حظر القانون في مرحلة ما بعد مرسي الأحزاب القائمة على الدين، وحذف مادة من عهد مرسي حول التشريعات الدينية، إلا أن الدين يعتبر حجر الأساس للأجنحة المتعددة في إدارة عبد الفتاح السيسي.
وتقول الصحيفة إنه قبل الإعلان عن خطة ساتي وعد رئيس الشرطة في ثاني كبرى المدن المصرية، الاسكندرية، باعتقال جماعة من الملحدين قاموا بنشر أفكارهم، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. وفي الشهر الماضي أصدرت دار الإفتاء المصرية فتوى شجبت فيها "تنظيم الدولة" المعروف بــ "داعش"، كما شجبت في نفس الوقت "الرقص الشرقي"، والتواصل بين الرجل والمرأة عبر الإنترنت. وفي نفس الوقت تمت ملاحقة ومحاكمة الملحدين والمثليين.
وأكثر من هذا يستخدم الدين في مصر السيسي للدعوة لطاعة الدولة، حيث يقوم الوعاظ بإصدار الفتاوى لدعم سياسات الدولة، ومنع آلاف الوعاظ ممن اعتبروا متعاطفين مع الإخوان المسلمين والجماعات الدينية الأخرى من العمل في المساجد، وفق ما أوردته الصحيفة.
ويقول الكاتب إن شيخ الأزهر ساعد في دعم رواية الدولة، وتجاهل انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها الدولة وكذا الأنبا تواضروس الثاني بابا الأقباط في مصر.
ويضيف أنه تم اتخاذ قرار بتوحيد خطبة الجمعة في المساجد المصرية، في الوقت الذي استخدم فيه السيسي الدين والخطاب الديني لحشد الجنود والرأي العام المصري، إذ قال في لقاء تلفزيوني بعد الإطاحة بمرسي: "إحنا ناس بنخاف ربنا"، وأضاف: "واللي يخاف ربنا ربنا عمره ما يسيبه".
ولعبت كل هذه السياسات دورا في تقوية سلطة الدولة في عين المواطنين المؤمنين، وتهميش رواية الإخوان المسلمين.
وتنقل الغارديان عن ناثان براون من جامعة جورج واشنطن قوله "تلخص هذه التحركات السبب الذي يجعل من مصطلح (
علمانية) غير مناسب للسياق المصري، فلا أحد يتحدث عن الفصل بين الدين والدولة أو إبعاده عن الحياة العامة، ليس هذا هو الموضوع، ولكن الموضوع هو من يتحدث باسم الدين".
ويقارن براون بين موقف الحكومة الحالية وحكومة مرسي، إذ يرى أن الفرق الرئيسي بينهما هو طريقة التعامل مع المؤسسات الدينية، فالنظام الحالي يحاول دعم الرموز الدينية للأزهر والسيطرة عليها وكذلك وزارة الأوقاف والشؤون الدينية. لكن مرسي حاول استبدالها بمؤيدين للإخوان، حسب براون، والذي أضاف "جاء الإخوان من خارج الدولة، وعندما كانت تريد فهم ما هو الإسلام لم تكن تذهب لأجهزة الدولة، وكانت تذهب لعلماء مرتبطين بها من الخارج، هذا هو الفرق الذي نراه الآن، حيث تقوم الدولة بقيادة الطريق الديني في مصر بمساعدة علماء دين حاليين".
ويلاحظ التقرير أن درجات التحريض ضد الأقليات، وإن تراجعت، لكن الدولة لم تبتعد عن التحريض ضد الإخوان المسلمين، أو عن استخدام الدين لخدمة أغراضها. ومع ذلك يرى أحمد سمير من مؤسسة مجموعة "علمانيين"، وهي مجموعة صغيرة تطالب وتدافع عن الحقوق المدنية، أن الوضع خف قليلا عن فترة مرسي. ويزعم أنه كان معرضا للاعتداء حينذاك أكثر من الوضع الحالي لكن الخطاب الآن أهدأ، وفق ما نشرته الصحيفة.
ويخلص كينغزلي إلى إن الحملة التي تعمل عليها ساتي تظهر طريقة تعامل الدولة مع الجهاديين والعلمانيين، وهي إسكات المتطرفين من خلال استخدام الدين لتعزيز سيطرة الحكومة على مرافق الدولة. ومع ذلك ترفض ساتي اعتبار ما تقوم به "تدخلا في حياة الناس"، و"لكن تصحيحا للمفاهيم الخاطئة، ونحاول وضع الشباب على الطريق الصحيح".