انشغلت الساحة الفكرية والسياسية داخليا ببيان
أنصار الشريعة الأخير وتصريحات مسؤول الحركة،
الزهاوي.
وما كان لبيان الانصار وتصريحات مسؤولهم أن يأخذ هذا الحيز من العناية والرد لولا أنه صدر في ظل أزمة المواجهة مع اللواء المتقاعد خليفة
حفتر، والذي نجح في أن يربط بين حراكه وتطلعاته وبين ملف الإرهاب والتشدد الذي بات يقض مضجع الليبيين خصوصا وأن هناك اتجاها لتحميل أنصار الشريعة مسؤولية المئات من ضحايا الاغتيالات والتفجيرات في مدينة بنغازي ودرنة خلال العام المنصرم، حيث يترسخ هذا الاعتقاد في أذهان قطاع كبير من الرأي العام.
ومن الواضح أن بيان أنصار الشريعة وكلام الزهاوي كانا في غير سياق الوضع المأزوم وما يصحبه من موقف رافض لأنصار الشريعة.
ومع محاججة البعض بأن البيان والتصريح لما يبعدا كثيرا عن المعلوم لدى نشطاء مدنيين، إلا إن رفض الإعلان الدستوري الذي كان موقف بعض المكونات والرموز المدنية لم يكن على أساس عقدي، بل إن تحفظها متعلق بمسائل فنية، ولم يحاجج أحد ممن انتقدوا الإعلان الدستوري أو العملية السياسية ببطلان المسار الديمقراطي من منطلق ديني أو بمعيار عقدي.
وهذا فرق جوهري، حيث أن إخضاع الخيار الديمقراطي - الذي يمثل الأخذ به إجماعا بين أنصار ثورة 17 فبراير - إلى الأحكام الشرعية المطلقة يضع أنصار الشريعة في مواجهة مباشرة مع المجتمع حول قضية مصيرية تتعلق بمراحل انتقاله، مع التنبيه إلى أن الخلاف العقدي في ظل انتشار السلاح له تداعياته الخطيرة.
من ناحية ثانية ورد في تصريحات الزهاوي ما يعزز شكوك ويقوي مخاوف الرأي العام من مواقف وعلاقات أنصار الشريعة، إذ يعكس التصريح أن أنصار الشريعة يقللون من أهمية مبدأ سيادة الدولة، ويرفض عملية مأسستها، ويعرض البلاد للفوضى بالإشارة إلى الترحيب بدخول عناصر من دول أخرى لليبيا لدعم الحركة في الصراع الداخلي.
الأهم مما سبق وقوع البيان والتصريح في خطأ السكوت عن الاغتيالات، والتي تمثل محور الأزمة الأمنية في بنغازي، ويلصقها حفتر والكثير ممن ناصروه بأنصار الشريعة وعموم الكتائب المحسوبة على التيار الإسلامي.
فإهمال هذه النقطة سيعزز من ظنون الأغلبية التي تتقبل التهم الموجهة لأنصار الشريعة، وتقتضي الحكمة التركيز عليها والدفع بالحجج والدلائل لأجل درء الشبهات التي تحوم حول الحركة في هذا الخصوص وذلك في حال عدم تورطها، أو تورط عناصر محسوبة عليها مطلقا في الاغتيالات.
لقد جاءت ردود فعل العديد من ممثلي التيار الإسلامي الرسمي والشعبي على بيان وتصريحات الزهاوي واضحة في إدانة مضامينهما خصوصا فيما يتعلق برفض الإعلان الدستوري والتصريح بكفر المسار الديمقراطي، ولعل من بين دوافع الإدانة الرغبة في إزالة لبس يقع لدى قطاع من الرأي العام بأن التيار الإسلامي بمجموعه متشدد، وأن الخلاف بين فصائله شكلي، وأنها جميعا تلتقي في توجهاتها الفكرية وخياراتها السياسية وتفترق فقط في التكتيكات.
من ناحية أخرى، فإن الاستثمار الذكي من قبل حفتر لملف الإرهاب والتشدد دفع بجموع تضم حتى من يتحفظون على شخصه لتأييده. ويستوجب تعاطي من يعارضون حراك حفتر تبني خطابا واضحا فيما يتعلق بالإرهاب والتشدد، والقول الفصل الذي لا غموض فيه فيما يتعلق بالعنف، وبالعلاقة مع أنصار الشريعة، في حال إصرارها على مواقفها الخارجة عن الإجماع والحاكمة بكفر خيار المجموع العام.
لا شك أن ردود فعل أبرز مكونات التيار الإسلامي ستقود إلى عزل أنصار الشريعة عن المحيط العام والخاص، ويتطلب خيار الاحتواء السلمي لأنصار الشريعة اتخاذ خطوات تتبع الموقف الفكري والسياسي منها لأجل منع اتجاههم لمزيد من العزلة ومن ثم ردود الفعل أكثر تطرفا، حيث أن الحركة وقادتها لا يعيرون للبعد السياسي والاجتماعي اهتماما، بل يخضون ردود أفعال العلماء والنشطاء من التيار الإسلامي لتفسيراتهم وفهمهم لنصوص الكتاب والسنة والتي تتعلق بالفرقة الناجية، وتكالب الجميع عليها...الخ.
النقطة الأكثر أهمية في هذا المضمار هي التي تتعلق بردة فعل الحركة على ردود العديد من ممثلي التيار الإسلامي عليى مواقفها. فليس من المتوقع أن يكون لهذه الردود أثرا قويا على الحركة يقود إلى تغيير مواقفها.
فما صرح به الزهاوي هو في عرف الحركة أساس الدين وعموده، وبالتالي لا مهادنة فيه، بل العكس هو المتوقع، بمعني أن الحركة قد تتخذ موقفا أكثر تشددا فيما يتعلق بعلاقتها مع الجبهة المقاومة لحراك حفتر في بنغازي، وربما مفاصلتها من منطلق عقدي لا يسمح بهامش للمناورة، وربما سيحرص بعض القادة الذين يصطفون في مواجهة قوات حفتر رأب الصدع المحتمل، وسيعتمد نجاحها في قدرتها على إقناع أنصار الشريعة بحصر ردة فعلهم على المستوى الفكري وعدم انعكاسها على عملية التنسيق عسكريا.