يحتفل الصهاينة في مايو من كل عام بذكرى اغتصابهم لفلسطين، في عيد يطلقون عليه عيد الاستقلال!
والاستقلال يعني أنه كان هناك محتل يستعمر هذه الأرض، و أن اليهود الصهاينة قد نجحوا في تحريرها منه.
من هو هذا المحتل؟
إنه الاحتلال العربي الذي استوطن أرض اليهود منذ الفتح الإسلامي.
أي أن خلاصة الموقف الصهيوني في هذا الشأن هو الآتي:
1) هذه أرض اليهود
2) العرب غزاة
3) الوجود العربي الإسلامي في
فلسطين هو وجود غير مشروع منذ 1400 عام.
4) الحركة الصهيونية هي حركة تحرر وطني نجحت في تحرير أرضها من
الاستعمار الاستيطاني العربي.
5) دولة إسرائيل الحالية هي الدولة المشروعة الوحيدة التي قامت على هذه الأرض منذ آلاف السنين.
على ضوء ما سبق، فإن الاعتراف بإسرائيل يعنى الاعتراف بالنقاط الخمس السابقة وما يترتب عليها من استخلاصات ونتائج:
فإنْ كان الوجود العربي في فلسطين 1948 غير مشروع، فإنّ الوجود العربي الحالي في الضفة الغربية وغزة هو أيضا غير مشروع، فكلها أرض اليهود، يتوجب تحريرها إن عاجلا أم آجلا، عندما تسمح موازين القوى والظروف الدولية والإقليمية بذلك.
وهو ما يعني أيضا أن الوجود العربي في مصر والشام والعراق وباقي المنطقة، هو كله وجود غير مشروع، منذ الغزو العربي الإسلامي لأراضى الغير من الشعوب الآمنة، وإن على هذه الشعوب أن تسترد أوطانها إن عاجلا أم آجلا، حينما تسمح موازين القوى و الظروف الدولية والإقليمية بذلك.
إن الاعتراف بإسرائيل بهذا المعنى هو الانتحار بعينه.
أمة تخرج إلى أمم وشعوب العالم، تعتذر لهم بأنها غازية وباغية وتقر بأن وجودها غير مشروع، وتعدهم بالانسحاب في صمت.
ومن الغريب أن الأنظمة والحكام العرب، يتعايشون في صمت مع هذه النظرية الصهيونية، ومع الكيان الذى يتبناها، ولا يمانعون أو يعترضون على الاحتفاء الدولي السنوي بهذه المناسبة، ولا يجدون في ذلك خطرا عليهم أو على بلادهم، بل إن بعضهم يهنئ قادة إسرائيل بها ويشاركونهم أعيادهم.
بينما في الجانب الآخر، لا يعترف الصهاينة أو الأمريكان أو حلفاؤهم بأي جهة فلسطينية أو عربية تنكر حق إسرائيل في الوجود، أو ترفض تبنى النظرية الصهيونية في الصراع، بل ويتهمونها بالإرهاب، ويحاربونها ويعتدون عليها ويعملون على عزلها وحصارها بكل السبل.
وآخرها كان موقف الولايات المتحدة من المصالحة الفلسطينية والتهديد بإيقاف الدعم المالي للسلطة الفلسطينية، والتخيير بين المفاوضات مع إسرائيل وبين المصالحة مع حماس.
وقبل ذلك فعلوا الشيء ذاته مع منظمة التحرير الفلسطينية، فاتهموها بالإرهاب وحاصروها واجتاحوا بيروت لإخراجها من لبنان ونفيها إلى تونس، وحللوا ذبح الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا، قبل أن تقوم المنظمة بالاعتراف بإسرائيل في اتفاقيات أوسلو.
ومن الغريب أيضا أننا نشكو ليل نهار من شتى أنواع السياسات والاعتداءات الإسرائيلية ونصرخ كل يوم، بأنهم لا يريدون الانسحاب من حدود 1967، ويهودون القدس، ويقتحمون المسجد الاقصى، ويستوطنون الضفة، ويتمسكون بيهودية الدولة، ويرفضون حق العودة، ويعتقلون الأسرى، ويعتدون على غزة، ويغتالون القادة، و يقيمون الجدر العازلة، ويغلقون المعابر، ويقيمون الحواجز...الخ
وتناسينا تماما أن كل هذه السياسات ستكون مشروعة إن نحن سلمنا بشرعية دولة إسرائيل، لأنه سيكون من حقها في هذه الحالة أن تدافع عن وجودها وأمنها، وأن تقاوم بكل الوسائل أي خطر يهددها، كما سيكون من المنطقي أن ترفض إعطاء الفلسطينيين أي دولة مستقلة ذات سيادة، قد تستخدم في المستقبل كقاعدة للانطلاق لإعادة احتلال الأرض اليهودية المحررة في إسرائيل
وكلنا يتذكر جيدا ما قاله بيريز للمجتمع الدولي في مؤتمر دافوس الشهير عام 2009، حين استصرخ الحاضرين قائلا "من منكم يمكن أن يسمح بأن تكون هناك قوة مسلحة على حدودكم تمطر بلادكم وشعوبكم بالصواريخ ولا تعترف بوجودكم و تعمل من أجل إفنائكم؟"
إن النظام الرسمي العربي يعيش حالة شيزوفرينيا صنعها بيديه وباستسلامه وبخوف حكامه، لأنه لو كانت إسرائيل مشروعة فكل شيء مباح بما في ذلك طرد الفلسطينيين وإبادتهم.
أما إن كنا جادين في تحرير فلسطين و نصرتها، أو في إنقاذ الشعب والأرض والمقدسات، فالبداية الحتمية هي التطهر من جريمة الاعتراف بشرعية عدونا ومغتصبنا المسمى بإسرائيل.
وما عدا ذلك لا يعدو أن يكون لعبا على أرضه، لن يؤدي إلى شيء ولو بعد ألف عام.