أجرى الرئيس
الجزائري، عبد العزيز
بوتفليقة، الاثنين، تعديلا وزاريا، معمقا، انضم بموجبه 12 وزيرا جديدا، إلى طاقم حكومة عبد المالك سلال الثالثة، بينهم سبع نساء، بينما استغنى عن 12 وزيرا آخرين، بينهم وزراء يوصفون بـ"
العمداء" رافقوه منذ وصوله إلى سدة الحكم عام 1999.
وأبقى الرئيس بوتفليقة بموجب التغيير الحكومي، على وزراء "الحقائب
السيادية" مثل وزير الخارجية رمضان لعمامرة ووزير الداخلية الطيب بلعيز ووزير العدل الطيب لوح ونائب وزير الدفاع الوطني قائد أركان الجيش الوطني قايد صالح. ويتولى الرئيس بوتفليقة حقيبة "وزير الدفاع الوطني" بموجب الدستور.
والملاحظ أن الرئيس بوتفليقة قد أسند عدة حقائب لمسؤولين عرفوا بمساندتهم له خلال ترشحه لانتخابات الرئاسة في 17 نيسان/ إبريل المنقضي، وهو ما جعل مراقبين يعلقون على ذلك بأنه " قام برد الجميل".
واستغنى الرئيس الجزائري الذي أعيد انتخابه يوم 17 نيسان/ إبريل المنقضي، لولاية رابعة، عن "الوزراء العمداء" الذين عمروا طويلا بمناصبهم، مثل: وزيرة الثقافة خليدة تومي ووزير الشؤون الدينية والأوقاف بوعبد الله غلام ووزير العلاقات مع البرلمان محمود خذري ووزير المجاهدين محمد الشريف عباس.
والملاحظ أن الرئيس بوتفليقة استعان بوجوه جديدة أغلبها غير منتمية لأحزاب سياسية، وبهذا يكون أعطى طابعا شبه تقنوقراطي على الحكومة. وتعد التوليفة الجديدة، انتكاسة بالنسبة لعمار سعداني الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم) بالمقام الأول، حيث درج على المطالبة بحقائب وزارية لحزبه.
وانتقدت المعارضة بالجزائر التوليفة الحكومية الجديدة وغلب وصف "حكومة اللاحدث" عند قياداتها.
وقال فاروق أبو سراج الذهب، القيادي في "حركة مجتمع السلم" المعارضة في تصريح لـ"عربي21"، إنه "سيكون هناك لقاء للقيادة الحزبية، وسوف ندرس الأمر ونتخذ موقفا محددا". ويعتبر المتحدث أن الأمر أكبر من أن يختزل بموقف إزاء حكومة معينة.
وأفاد أبو سراج الذهب بـ"أننا نحضر جماعيا لندوة الانتقال الديمقراطي، ومراجعة الدستور جزء من الانتقال، أي عند مقاربة شاملة للمساهمة فيما نراه أزمة أو تباعد الهوة بين سلطة فارضة للأمر الواقع وشعب مقاطع للعملية السياسية. ولذلك فإن الحديث اليوم ليس فقط على أن نحل أزمة لشخص، بل نريد أن نساهم في إنقاذ وطن من أخطار داخلية وخارجية".
وأكد رئيس "جبهة التغيير" عبد المجيد مناصرة، أن "التغيير الحكومي ركز على أشخاص ساندوا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في الحملة الانتخابية، وهي في عمومها لا تعني شيئا في ظل هذه المرحلة، ولن تقدر هذه الحكومة على تحقيق مطالب المواطنين، وبالتالي فإنها ليست تغييرات حقيقية تستحق تحديد مواقف بشأنها".
وأفاد محمد حديبي، القيادي بحركة "النهضة" لعربي 21" عقب الإعلان عن الحكومة الجديدة بـ"أنها حكومة اللاحدث.. نحن أمام حكومة نتاج آليات غير نزيهة وفاقدة للمصداقية، وهذا بمثابة استمرار لمسلسل الفشل الذي تعيشه الجزائر" .
ويتابع حديبي: "نعتقد أن الشعب الجزائري أعظم من أن يختزل في وجوه لا تسمن ولا تغني من جوع. هذه الحكومة فاقدة للإرادة السياسية وهي بمثابة حكومة تصريف أعمال، وترقية اجتماعية لأشخاص ليس إلا. وهذا التغيير ينم عن غياب ثقافة الدولة في التسيير، خصوصا ما تعلق بتحديد المسؤوليات السياسية".
وأضاف: "هناك وزراء جثموا دهرا من الزمن بفضائح وهم يغادرون دون تقييم أو محاسبة، وهذه قمة الاستخفاف بالشعب الجزائري.. هناك الكثير من الفساد والسلطة تتهرب من الواقع".
والتحق بحكومة عبد المالك سلال سبع نساء، لأول مرة منذ استقلال البلاد عام 1962، ويقول حديبي: "المشكلة ليست في النساء الوزيرات وإنما في الفشل التنموي ومشكلة الشرعية التي تطارد من ينصب هؤلاء، وأن السلطة ترسل رسائل إلى الخارج تفيد بفتحها المجال أمام المرأة، وبالتالي فالنظام يحاول أن يستبدل الشرعية الشعبية بالشرعية الدولية من الغرب.. واختصارا، هذه حكومة مصالح وضمان ولاءات ليس إلا".
يذكر أن بوتفليقة غير وزير الاتصال، وهي الحقيبة التي ظلت محل تجاذبات منذ تولي الرئيس سدة
الحكم، وقد عرفت العلاقة بين الإعلاميين ومؤسسات الدولة توترات طيلة السنوات الأخيرة، واستهلك الرئيس منذ 1999 عشرة وزراء للاتصال.
وعرفت الحكومة الجديدة "ولادة قيصرية"، وطرحت تساؤلات عدة حول مدى "طول يد" الرئيس بوتفليقة في وضعها، على خلفية مرضه.
وأفاد المحلل السياسي الجزائري نجيب بلحيمر لـ"عربي21" الاثنين، بأن "الملاحظة الأولى التي يجب تسجيلها هي أن النواة الصلبة للحكومة لم تتغير، فقد بقيت أهم الوزارات بدون تغيير، نقصد هنا الداخلية والخارجية والعدل، والوزراء الذين لعبوا دورا أساسيا في التبشير بولاية جديدة للرئيس بوتفليقة احتفظوا بمناصبهم، وهو ما يؤكد خيار الاستمرارية أولا، واعتماد مبدأ المكافأة السياسية ثانيا فضلا عن تعزيز التحالف الذي يدعم الرئيس بوتفليقة".
وسجل بلحيمر أن "بعض الوجوه التي دخلت الحكومة توحي بأن المحيطين بالرئيس استطاعوا أن يفرضوا بعض المقربين منهم، وتولي عبد السلام بوشوارب لوزارة الصناعة لا يمكن فصله عن عودة أحمد أويحيى الذي تولى منصب مدير الديوان برئاسة الجمهورية.. هذا يدفع إلى القول بأن رفض أحزاب المعارضة، جبهة القوى الاشتراكية وحزب العمال، المشاركة في الحكومة أدى إلى الانكفاء حول محيط الرئيس والداعمين له، وهو مؤشر على أزمة سياسية مستعصية قد تعرف فصولا جديدة في الأيام القادمة".
ويرى بلحيمر أن "دخول بعض الوجوه الجديدة إلى الحكومة لن يقدم لمسة التجديد التي كانت منتظرة، فالحكومة بتشكيلتها الجديدة لا تستجيب لتطلعات الجزائريين، فإذا اعتبرنا أن أولويات الجزائريين في هذه المرحلة هي محاربة الفساد، والتشبيب، فإن الوزراء الذين تحوم حول قطاعاتهم شبهات فساد بقوا في مناصبهم".
وأفاد بأن "تعيين وزير سابق تقلب في مناصب رسمية عديدة في منصب وزير الشباب، يلخص هذا العجز عن تحقيق الانتقال الذي ينتظره جيل كامل، يبقى خارج ممارسة المسؤولية على المستويات العليا".