قالت أوكسانا شيفيل، أستاذة العلوم السياسية بجامعة توفتس الأمريكية، عضو المجلس الأوكراني البحثي بجامعة هارفارد، في "
واشنطن بوست"، إن كل الأنظار تتجه إلى شبه جزيرة القرم في أوكرانيا، حيث احتل مسلحون مجهولون مباني الحكومة في العاصمة الإقليمية سيمفيروبول، ورفعوا الأعلام الروسية على الأسطح، فيما اتخذ الجيش الروسي مواقع هامة من بينها مطاران بالبلاد وقاعدة خفر السواحل الأوكرانية، فضلا عن حجب بعض الاتصالات.
ولفتت الكاتبة إلى أن القائم بأعمال الرئيس الأوكراني أوليكسندر تورشينوف، أعلن أن
روسيا تحاول ضم الأراضي الأوكرانية وتكرار سيناريو أبخازيا في شبه جزيرة القرم، حيث قال إن بوتين يريد أن يشعل حربا أهلية في أوكرانيا.
وأضافت أن البرلمان الروسي طُرح قانونا يسهل عملية ضم الأراضي الأجنبية إلى روسيا للنقاش، فيما بدأت وزارة الخارجية الروسية في إصدار جوازات سفر لأعضاء شرطة مكافحة الشغب الأوكرانية الهاربين.
وأشارت إلى أن موسكو قد تكون أعدت خططًا للاستيلاء على شبه جزيرة القرم، غير أن هناك العديد من العوامل التي تشكك في قدرات روسيا على بسط سيطرتها وضم القرم على نحو فاعل، كما حدث مع أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وترانسنيستريا.
وأفادت بأن أهم هذه العوامل هو أن الجانب الأوكراني لم يصدر أي رد فعل أو تحركات يمكن لروسيا اعتبارها استفزازا أو تهديدا، يستوجب الرد العسكري من قبل الجانب الروسي "لحماية" قواته العسكرية ومدنييه في أوكرانيا، على عكس الحال في جورجيا عام 2008.
وأوضحت شيفيل أن الحكومة الأوكرانية الجديدة حاولت تهدئة الأوضاع، وأن اليمين المتطرف قال إنه لن يرسل جنودا إلى القرم. وفي لفتة تصالحية إلى المتحدثين بالروسية من أهل أوكرانيا، ألغى تورشينوف مشروع قانون كان من شأنه "خفض مكانة" اللغة الروسية في البلاد.
ورأت الكاتبة أنه بينما تتصاعد الأحداث بشكل سريع، إذ ينعقد مجلس الأمن لمناقشة الوضع، ويحذر قادة غربيون روسيا من تبعات انتهاك السيادة الأوكرانية وسلامة أراضيها، فإنه يبقى الأمل بإيجاد حل دبلوماسي للأزمة.
وتقول، إنه حتى وإن فشلت الدبلوماسية واستولى الجيش الروسي على أراضي القرم بقصد السيطرة عليها بشكل دائم، فإنه سيكون صعبًا على موسكو أن تبسط سيطرتها على القرم كما فعلت في أوسيتيا الجنوبية أو أبخازيا.
وتزيد الكاتبة، أن السبب الرئيس في ذلك هم تتار القرم.
وتُعرّف شيفيل، التتار،، بأنهم مجموعة مسلمة كانت قد هُجّرت بشكل جماعي من القرم بواسطة ستالين عام 1944، لكنهم قاموا لعقود بحرب من النضال السلمي للمطالبة بحقهم في العودة، وبدأوا بالفعل في العودة بأعداد كبيرة منذ 1989، مع انهيار الاتحاد السوفييتي. ووفقا لآخر تعدادات السكان الأوكرانية، فإن تتار القرم يشكلون 12.1% من السكان هناك، البالغ عددهم أكثر من مليونين بقليل.
وتتابع بأن هؤلاء التتار المسلمين يمثلون كتلة انتخابية مشحونة ضد روسيا، وكانت طوال الوقت مؤيدة لأوكرانيا ومعارضة للانفصاليين الموالين لروسيا في شبه الجزيرة.
وفي عودة إلى الاستفتاء على الاستقلال عام 1991، ترى الكاتبة أن الفضل في أن الأصوات التي حصل عليها خيار استقلال شبه الجزيرة عن أوكرانيا، يعود إلى تتار القرم المسلمين. ومنذ ذلك الحين وتتار القرم والممثلون لهم -فيما يعرف بـ"المجلس-" يتعاونون مع السياسيين المؤيدين لأوكرانيا.
وتفيد بأن قادة المجلس، مثل مصطفى دزيمليف ورفعت تشاباروف، كانوا أعضاء في البرلمان الأوكراني.
وتنبه إلى أنه في 26 شباط/ فبراير الماضي، سيطر عدد كبير من المسلحين على البرلمان، لكن التتار المسلمين عقدوا تظاهرة ضخمة بالقرب من البرلمان، حيث كانت هناك مظاهرة موالية لروسيا أيضا.
وتلفت إلى أنه لم تعارض أي مجموعات أخرى في أي من المناطق تلك السيطرة الروسية على البلاد، سوى التتار المسلمين فقط.
وتنبه إلى أنه رغم أن التتار كانوا حليفا قويا للحكومة الأوكرانية ضد الانفصاليين الموالين لروسيا، إلا أن الحكومة المركزية في كييف كانت دوما متشككة في تتار القرم الذين يعتبرون شبه الجزيرة موطنهم التاريخي، وطالبوا بتدابير معينة مثل تغيير وضع الحكم الذاتي في القرم لجعله حكما ذاتيا لتتار القرم معارضين بذلك الحكم الذاتي للإقليم الذي يشكل الروس قرابة 50%من سكانه.
وترى أنه مهما كانت المظالم التي يعاني منها التتار المسلمون في ظل الدولة الأوكرانية، إلا أنهم عندما يواجهون بخيارين أحدهما أن يكونوا تحت السيطرة الروسية فهذا -وبشكل لا لبس فيه- سيكون خيارا مستحيل القبول بالنسبة لهم.
وتضيف أنه منذ الحقبة السوفييتية، فإن محاولات روسية جادة لم تتوقف لتقسيم المجتمع التتري وإقناع بعض تتار القرم بدعم الاتحاد السوفيتي أو روسيا لاحقا.. قال مصطفى دزيميليف إنه في عام 1991 قدمت حكومة بوريس يلتسن عرضا لتتار القرم لدعم السيطرة الروسية في شبه الجزيرة مقابل السماح بقدر من الاستقلالية لتتار القرم في حكمهم الذاتي.. وقال مؤخرا إن هذا العرض تكرر مرة أخرى كان آخرها قبل أيام قليلة.
وتؤكد الكاتبة أن مسلمي القرم يقولون، إنهم لا يثقون بروسيا ويريدون البقاء داخل أوكرانيا.
وكشفت أن رئيس "المجلس" (دزيميليف)، أصدر بيانا بالفعل السبت، يرفض الاعتراف بالحكومة المحلية الجديدة التي وافق عليها البرلمان أثناء سيطرة المسلحين على مبناه وبدون اكتمال النصاب القانوني حتى.
وقالت إن وسائل إعلام ذكرت الأحد أن تتار القرم سينظمون صفوفهم للدفاع عن أنفسهم في حال فشلت الجهود الدبلوماسية، وسينتظمون تحت القيادة الأوكرانية ويقاتلون المعتدين إذا اقتضى الأمر!
وتلفت الكاتبة إلى أن تتار القرم معروفون بتاريخهم الطويل من المقاومة اللا عنيفة. وأنه حتى الآن، ما زال التتار بعيدين عن الشوارع، وقادتهم -تماما مثل قادة أوكرانيا في كييف- مارسوا درجة من ضبط النفس جديرة بالثناء.. لكن إذا كانت روسيا مستمرة في مسعاها بمحاولة ضم شبه جزيرة القرم، فإنه من المؤكد أنها ستواجه حشدا مستداما ومتزايدا من التتار المسلمين، لن يجعل الأمور سهلة بالنسبة لموسكو.