في
رسالة بعث بها من
سجن طرة، يتحدث مراسل
الجزيرة بيتر غرست عن مصير زميليه المعتقلين على يد السلطات
المصرية منذ أسبوعين دون أن توجه لهما أي تهمة.
وعبّر الصحفي الحائز على جوائز صحفية عن مخاوفه من كتابة الرسالة ولكنه قال إنه اتخذ قرار كتابة الرسالة لأن سكوته ومقاومته للسجن من الداخل يعني "إعطاء شرعية للاعتداء على شخصي وعلى زميلي الصحفيين، وعلى حرية التعبير في عموم مصر".
وكان غرست والمخرجين باهر محمد ومحمد فهمي اعتقلوا في 29 كانون أول/ ديسمبر 2013 بتهمة نشر أكاذيب تضر بأمن الدولة وبالانضمام إلى "مجموعة إرهابية".
ولم توجه تهم رسمية لأي من المعتقلين الثلاثة، وتقول قناة الجزيرة أنه لا أساس لأي ادعاء ضدهم.
ولا يزال الصحفيان عبد الله الشامي ومحمد بدر اللذان يعملان لـ"الجزيرة مباشر مصر" في سجن
العقرب منذ خمسة أشهر.
وفي رسالته التي كتبها على ورقة أعطيت له من السجناء في الزنازين المجاورة، كتب غرست عن ظروف اعتقال زميليه المصريين.
وقال معلقا إن"فهمي وباهر اتهما بأنهما أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين، لذلك تم حبسهما في سجن العقرب المخصص للمحكومين بقضايا إرهاب".
وأضاف أن "فهمي منع من تلقي العلاج الضروري لإصابة في كتفه قبيل الاعتقال وكلا الرجلين يقضي يومه في زنزانته المليئة بالبعوض وينامان على أرضية الزنزانة، ويحرمان من الكتب والأوراق للكتابة لكسر الملل الذي يحطم النفس".
ومدد المدعي العام مدة اعتقال الصحفيين لمدة 15 يوما بعد انقضاء الخمسة عشر يوما الأولى مع إمكانية تكرار عملية التجديد بشكل دوري لإبقاء الصحفيين في السجن ودون توجيه تهم لهم.
وفي تعليق له، الجمعة، شجب السيناتور جون ماكين سجن الصحفيين، وقال إنه "انتهاك صريح لحرية الصحافة".
وفيما يلي نص الرسالة:
يجب أن لا يصبح الصحفي هو موضوع الخبر، فعدا إسم المراسل وتعريف مختصر به بجانب المقالة في الإعلام المطبوع أو ذكره لإسمه في نهاية التقرير في الإعلام المرئي والمسموع يجب أن يبقى الصحفي وراء الصورة كشاهد أو وكيل لنقل الخبر ولكن ليس موضوع الخبر.
ولذلك أجد كل التغطية التي حظي بها اعتقالنا مزعجا. وهذا لا يعني أنني غير شاكر، بل كل من أعتقل في حملة الداخلية ضد موظفي الجزيرة في 29 كانون أول/ ديسمبر ارتفعت معنوياته ويشعر بالامتنان تجاه حملة التعاطف من كل أنحاء العالم. فمن حملة تواقيع 46 من أكثر مراسلي الشؤون الخارجية احتراما وتأثيرا يدعون فيها لإطلاق سراحنا إلى عريضة زملائنا الأستراليين وحملات الرسائل والانترنت ومؤتمرات العائلة الصحفية كل ذلك كان له في النفس أثر التواضع ورفع الهمة.
نعرف أننا لسنا وحدنا.
ولكن ما يثير الحنق هو أننا دخلنا أسبوعنا الرابع من الاعتقال بسبب تقارير صحافية عادية.
وقد قمت في الماضي بتحقيقات مفصلة فيها قدر لا بأس به من المجازفة بالإضافة للتعب لدرجة انني رغبت بأن تنزعج السلطات من تلك التقارير ولكنها كانت تمر في معظم الوقت دون رد فعل يذكر.
وارسالي إلى القاهرة كان أمرا عاديا شعرت أنه سيقودني لفهم السياسة المصرية أكثر. ولكن بعد ثلاثة أسابيع فقط لم تكن كافية لأكثر من تعلم العوم، وجدت مجموعة من الشرطة المدنية تقتحم غرفتي، كنت في البداية حائرا وبعدها منزعجا أنه لم يتم ذلك بسبب زلة أكبر.
وهذه ليست نقطة تافهة فحقيقة أن ما اعتقلنا بسببه هو مجموعة من الأخبار العادية يدل على الكثير عما يعتبر عادي وما هو خطير في مصر ما بعد الثورة.
تغطية صحفية عادية
التهم التي نواجهها لا تعكس أبدا عملا صحافيا عاديا حيث اتهمتنا الدولة – أنا ومحمد فهمي وباهر محمد – بالتعاون مع الإخوان المسلمين لاستخدام أجهزة غير مرخصة لبث معلومات نعلم أنها كاذبة لتشويه مصر وزعزعة الاستقرار فيها. كما أن فهمي وباهر متهمان بالانتماء للإخوان المسلمين، تهم تدعو للتفكه لولا كونها جادة.
وأتمنى أن أرى الأدلة التي لفقها المحققون لإثبات التهم الموجهة لنا. ولكن لحد الآن لم توجه إلينا تهمة رسمية، ونحن في السجن كي يستطيعوا تلفيق قضية تعرض على المدعي العام الذي سيقرر إن كانت قوية بما فيه الكفاية لتصل المحاكم. فبحسب النظام القضائي في مصر لا نستطيع الإطلاع على الملف حتى يتم توجيه التهم لنا بشكل رسمي.
لذلك ليس لدينا إلا ما فعلناه وهو عبارة عن تغطية صحفية عادية للدراما السياسية التي تحدث حولنا وما يمكن أن تعنيه لمصر. وكون هذه التغطية أدت بنا إلى السجن أمر يثير القلق وخاصة اذا أخذنا بعين الاعتبار المرحلة التاريخية التي تمر فيها مصر.
فالحكومة المؤقتة الحالية خرجت إلى الوجود بعد مظاهرات واسعة في الشارع وبضغط من الجيش عزل محمد مرسي أول رئيس منتخب لمصر من منصبه. وفي نظر جماعته الإخوان المسلمين فإن ما حصل هو انقلاب عسكري ولكن في نظر مؤيدي الحكومة كان تلبية لمطلب شعبي ساعد فيه الجيش قليلا ضد إدارة لم تف بوعودها بالاعتدال وخلقت استياء عاما وقمعت المعارضة وكانت تقود البلاد نحو حكومة دينية مغلقة.
ولحماية الثورة فقد صوت المصريون قريبا على دستور متحرر إلى حد بعيد يدافع عن حرية التعبير من بين حريات أخرى، وفيه المادة 11 تحمي الصحفيين من السجن بسبب ما ينشروه أو يذيعوه.
لا نرغب أن نرى مصر تعاني
ولكن ما الذي يشكل خرقا للقانون مسألة نسبية حيث أن أي شئ أبعد من الحدود المتعارف عليها يعتبر تهديدا، ولم يكن الحال أننا تجاوزنا الحد فبعد 20 عاما من العمل كمراسل للشؤون الخارجية أعرف ما يعتبر منطقة آمنة ولم نقترب أبدا من حدود تلك المنطقة.
ولكن الدولة هنا تعتبر نفسها في صراع وجود؛ قوى الخير والمجتمع الحر المنفتح ضد الإسلاميين الإرهابيين الذين يحاولون السيطرة. وفي هذه الظروف فالعادي انتقل بعيدا عن "الوسط" المتعارف عليه مما جعل عملنا يبدو مصدر تهديد.
لم نكن وحدنا في نقل الأخبار ولكن اعتقالنا خدم كتحذير للآخرين في أين يقع ذلك "الوسط".
وفي هذا "العادي الجديد" تم سجن العلمانيين – بعضهم جيران لي في المعتقل – ثلاث مرات على الأقل مرة لمعارضة الدكتاتور المخلوع حسني مبارك ومرة للتظاهر ضد تجاوزات ادارة الإخوان المسلمين قصيرة الأمد والآن بسب ما يسمونه الآلة القمعية للحكومة الحالية. ومن بين السجناء ناشطون علقوا اعلانات تدعو بالتصويت بلا للدستور بالإضافة إلى أي شخص يشارك في المظاهرات التي تدعو لها جماعة الإخوان المسلمين ( حيث تصنف الجماعة الآن "جماعة ارهابية").
وفي هذا "العادي الجديد" تقدر مؤسسة مستقلة عدد من اعتقل خلال الخمسة أشهر منذ عزل مرسي في 30 حزيران/ يونيو بـ 21 ألفا وعدد من قتل بـ 2665 شخصا وعدد من جرح بـ 16000 شخص. وطبعا من بين المعتقلين صحفيون مثلنا متهمون بدعم الإرهاب وتهديد الدولة.
دعوني أكون واضحا: ليس عندي رغبة في إضعاف مصر أو أن أراها تعاني، كما أنه ليس لدي غاية في دعم أي جماعة، لا الإخوان المسلمين ولا غيرهم. ويبدو أن اعتقالنا لا علاقة له بعملنا، وهو متعلق بمحاولة الحكومة تقديمه على انه طبيعي ومقبول. فأي شخص يصفق للدولة، يمنح الأمان ويستحق الحرية، أما ما عدا ذلك فيمثل تهديدا يجب سحقه.
سجن طرة
21/1/2014