"تقوية الدور الأمريكي في الشرق الأوسط" هو ما طرحه للنقاش بيني أفني في العدد الأخير من مجلة "نيوزويك".. إذ بعد ثلاث سنوات من تفكك، وضعف دول عربية، وانهيار حدود قديمة أو اختفائها، وصعود متشددين، واشتعال حروب طائفية، رجح أن تكون "الفيدرالية" أنسب وسيلة للحُكم في الدول العربية.
وتساءل مستنكرا: هل يمكن أن تبقى أمريكا بعيدة عن المنطقة في ظل هذه الأوضاع؟
وأجاب: إن نقاد الرئيس باراك أوباما يتهمونه بنسيان المنطقة التي تظل -بعيدا عن مواقف الرأي العام- مهمة للمصالح الأمريكية، فانسحابه من
العراق بدون توقيع معاهدة مع بغداد تقضي بالاحتفاظ بقوات أمريكية بعد عام 2011، وابتعاده عن التدخل في الحرب الأهلية في سورية أقنع الكثيرين في الشرق الأوسط بأن أمريكا لم تعد مهتمة بها، وليس لديها النفوذ للتأثير على الأحداث فيها.
وصفة الشفاء
في المقابل يقول دعاة عودة الولايات المتحدة للانخراط في المنطقة إنها تستطيع فعل هذا بأقل ثمن. ويضيفون أن وصفة الشفاء للمنطقة التي غادرها الحكام الطغاة لا يكون إلا من خلال الحل الفيدرالي، كما يتحدث هؤلاء عن عملية "لامركزة" للدول التي كانت تحكم سابقا من المركز.
وينقل الكاتب هنا عن جمال بن عمر ـمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص لليمن- قوله: إن "الدولة المركزية فشلت، وهناك حاجة لمعيار جديد يتم فيه نقل السلطة من المركز للمجتمعات المحلية كي تقوم بحكم نفسها".
ويتساءل: إن كانت واشنطن مهتمة بدفع دول المنطقة نحو خيار اللامركزية أو حتى لأي اتجاه آخر؟
ويرى مايكل دوران -من معهد "بروكينغز" وقد خدم في مجلس الأمن القومي أثناء فترة بوش- أن أوباما "ظهر كرجل لا يريد الالتزام بأي مبادرة تشكل نظام المنطقة". واتهم إدارة أوباما -التي وصفها بالمنعزلة- بأنها أدت لصنع فراغ في السلطة، وهذا واضح في سورية، التي تتزايد فيها قوة إيران، والقاعدة حتى مع تنافسهما على التأثير".
ويتابع: إن رحيل الولايات المتحدة والفراغ الذي خلفته وراءها يهدد الدول القائمة في الحدود القديمة التي رسمتها القوى الاستعمارية الأوروبية في نهاية الحرب العالمية الأولى، والتي قامت على الخطوط الطولية للمنطقة، التي رسمها اتفاق سايكس- بيكو عام 1916، وهي الخطوط التي تقترب من التلاشي الآن.
ويرى أماتزيا بارام، مدير الدراسات العراقية بجامعة حيفا إن" الدول الحديثة في المنطقة لم تكن اختراعا إمبرياليا 100%" ولكن الحدود الحالية تقوم على كيانات تعود إلى الأيام الأولى لظهور الإسلام. وبعد العيش لقرون في دول متماسكة بـ "بيروقراطية ومؤسسات مميزة ولغات وحتى لهجات خاصة" فالسنة والشيعة العراقيون هم "عراقيون أولا". ولكنه يرى أن سورية قد تفككت.. فيما يتعرض لبنان لتهديدات، وتتعرض دول متماسكة كاليمن والبحرين والعراق للتهديد في المستقبل، مما يعني عملا كبيرا خاصة أمام الولايات المتحدة لجمعها من جديد.
العراق .. وسورية
وفي هذا السياق يتحدث عن تطورين في العراق، الأول: سيطرة جماعات مرتبطة بالقاعدة على مدن في الرمادي والفلوجة بمحافظة الأنبار. وقال إن هدف الدولة الإسلامية في العراق والشام هو توحيد الدول العربية القائمة تحت لواء الجهاد.
أما التطور الثاني فهو تصدير النفط من مناطق كردستان إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط، الذي سينقل مليوني برميل من النفط الخام للدول الأوروبية. ولاحظ الكاتب أن الحكومة المركزية في بغداد لم تكن جزءا من المفاوضات بين حكومة إقليم كردستان وأنقرة مما أدى لغضب نوري المالكي رئيس الحكومة العراقية.
ومع ذلك ترى الإدارة أن مشكلات العراق الحالية لا علاقة لها بفشل الحكومة الأمريكية في تأمين اتفاق أمني مع حكومة بغداد.
وينقل الكاتب عن ماري هارف المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية قولها، وهي تدافع عن الإدارة: "عندما كان لدينا 160ألف جندي في البلد فإن هذا لم يلغ التوتر الطائفي"، و"عندما كان لدينا 160 ألف جندي ظلت الحدود مع سورية غير محروسة بالشكل الكافي". ومع هذا "تخيل قوة أمريكية صغيرة ظلت بعد الانسحاب، قد تحقق نجاحا محدودا، ولمدة 10سنوات إلى 20 سنة؟ أين ينتهي هذا، هذا ليس حلا طويل المدى".
وفي الوقت نفسه عارضت إدارة أوباما إيجاد "حل أمريكي" للمذبحة في سورية خاصة، كما عارضت تدخلا يقتضي جنودا على الأرض. "و"أصبحت سورية مقسمة الآن إلى ثلاثة أقسام: المنطقة الساحلية التي يسيطر عليها الأسد وطائفته العلوية، والشمال والشرق وتسيطر عليهما جماعات سنية عدة، فضلا عن بعض الجيوب التي يسيطر عليها الأكراد".
وبالإضافة لنشر الحرب ونقلها للعراق فر السوريون إلى دول الجوار مثل لبنان، الذي ظل رمزا لتعايش غير مريح بين السنة والشيعة والموارنة والدروز. ويشهد البلد تراجعا نحو الحرب الأهلية، حيث يشهد تفجيرات واغتيالات وفوضى في المناطق السكنية.
ويضيف: إن أحدا لا يتوقع نهاية الحرب في سورية بشكل سريع على الرغم من المؤتمر الذي تعد له الأمم المتحدة نهاية الشهر الحالي.
القوة الثالثة والحل اليمني
ويقول دوران إن هدف السياسة الأمريكية يجب أن يكون بناء قوة ثالثة بديلة عن القاعدة وإيران، وستمنح هذه القوة فرصة للولايات المتحدة كي يكون لديها حليف ثمين على الأرض، كما تعني "صوتا أمريكيا سائدا في النقاشات السورية". ولو أصبحت سورية حليفا للولايات المتحدة فقد تؤدي لحل على الطريقة اليمنية الذي توصلت إليه الأطراف في نهاية كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي.
ويشير في هذا الاتجاه إلى سياسة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح تجاه الجنوبيين، إذ أهملهم وجعل القبائل يقاتل بعضها بعضا، فيما تدفق الجهاديون من كل أنحاء المنطقة، وجاء "حزب الله" اللبناني للقتال إلى جانب الشيعة في اليمن.
ويقول بن عمر إن القوى المتعددة هذه هددت بتمزيق الدولة المركزية خاصة مع ظهور الحراك الجنوبي. لكن بن عمر أقنع اليمنيين بالتفاوض حول حل فيدرالي. وبعد محاولات من النقاش والإقناع دفع قيادات الأحزاب السياسية للتوقيع على اتفاق لهذا الغرض، يقترح دولة فيدرالية بمحافظات شبه مستقلة، على أن تبقى صنعاء عاصمة للدولة بمسؤوليات أقل.
ويكشف الكاتب أن تفاصيل الخطة لا تزال تُناقش، والمحافظات التي ستحصل على استقلال محل تفاوض، وقد تقوم قوى خارجية بقتل الخطة، لكن ما تم التوصل إليه هو أول تقسيم فيدرالي لدولة عربية خرجت من أتون الديكتاتورية.
ويرى بارام أن اتفاقا مشابها يمكنه حل مشكلات العراق، فالسنة راغبون بدرجة من الاستقلال مثل التي يتمتع بها الأكراد في الشمال، مطالبًا بدور أمريكي في إنشاء فيدرالية منصفة من رحم النظام القديم.
وقد يتم تقسيم سورية بناء على هذه الخطوط، إذ يسيطر السنة على المناطق النفطية ومصادر المياه والمصادر الأخرى. ويسيطر العلويون على الموانيء، والمعابر البحرية. أما أفضل سيناريو فهو إنشاء مناطق حكم محلي إلى جانب حكومة فيدرالية في دمشق.
وحتى يتحقق هذا يرى دوران أنه على واشنطن تأكيد نفسها من جديد كقوة في المنطقة.. لكنه يتهم إدارة أوباما بالتخلي عن الدور الأمريكي القيادي التقليدي في المنطقة، مؤكدا أن "بناء تحالف لا يعني إرسال قوات، ولكن قيادة"، وأنه بدون دور أمريكي ستتولى القوى المعادية للولايات المتحدة القيادة.