بالأمس القريب كان منزل الحاج عثمان
بلاسمة، المصنوع من الحجارة والطين، في عزبة "أبو البصل" بمحافظة سلفيت شمال الضفة الغربية، "شوكة" في حلق
الاستيطان الإسرائيلي، إلى أن أجبره المرض، الشهر الجاري، على ترك القرية للعلاج في المدينة.
فمنزله المجاور لمستوطنة أرئيل والمقامة على أراضي
الفلسطينيين في سلفيت، ظل لسنوات طويلة وحده-بحسب أهالي القرية- رمزاً "للصمود" يحمي آلاف الدونمات الزراعية من المصادرة، بعد أن هجرت إسرائيل جميع سكان القرية قبل 20 عاماً".
بلاسمة البالغ من العمر 84 عاماً، (الذي كان يسكن في المنزل هو وزوجته فقط) أقعده المرض الأسبوع الماضي، فاضطر أبناؤه لنقله من العزبة إلى مدينة سلفيت حيث مقر إقامتهم، لـ"تخلو العزبة من صخرة بشرية ظلت لسنوات تواجه بصدر عار محاولات استيطانية متكررة".
العجوز الفلسطيني الذي بات غير قادر على الحديث طويلا ولا الحركة قال بكلمات قليلة لوكالة للأناضول: "خذوني إلى العزبة".
أم حسن، زوجة بلاسمة، وهي ترافق الأناضول في رحلتها إلى العزبة، التي باتت تفتقد للكهرباء والماء، ووسائل المواصلات، عبر طريق وعر يتعذر على المركبات الوصول إليها، تقول "يومياً يطلب أبو حسن العودة للعزبة".
الزوجة عادت بالذاكرة قبل 65 عاما قائلة: "عشنا حياة بدائية تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة، في بيت مصنوع من الحجارة والطين".
وأضافت أن 10 عائلات فلسطينية كانت تسكن في العزبة هجرتها إسرائيل قسراً بعد تدمير
الاحتلال لبيوتها قبل نحو 20 عاما، وبقت هي مع زوجها صامدة في الأرض.
أمضت الزوجة بلاسمة حياتها بمرها وحلوها في العزبة-كما تقول- أنجبت 10 بنات وولدين يعيشون في سلفيت، أحدهم اغتالته قوة عسكرية إسرائيلية بالقرب من منزل عائلته، بعد سنوات من الملاحقة لنشاطه العسكري في كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وتتابع بلاسمة حديثها "عشنا في هذه البيوت سنوات طويلة، رغم المضايقات اليومية من قبل المستوطنين، وعندما مرض أبو حسن هدم كل شيء، أرغمنا على ترك العزبة، فباتت خاوية على عروشها، تنتظر لحظة الزحف الاستيطاني عليها".
العجوز الفلسطينية تذرف دموعها قائلة: "والله روحي معلقه هون ، لكن ما باليد حيله .. هنا ذكرياتي.. هنا تزوجت وعشت أيام عمري".
وعلى بعد عشرات الأمتار من عزبة "أبو البصل" توجد مصانع إسرائيلية مشيدة، وأخرى قيد الإنشاء، وأعمال تجريف لأراضي فلسطينية، تمهيداً لإنشاء مصانع أخرى تجرى على قدم وساق.
وتقول العجوز "ذات مرة حضر مستوطن هنا وقال لزوجي: بس أنت تموت راح نجرف الأرض ونبني عليها مصانع".
ورغم الأيام القليلة التي أمضتها بلاسمة بعيدة عن عزبتها، راحت تتفقد بيتها القديم، تقلب كل قطعة، وتتأمل في حجارة المنزل، لها حكاية وذكريات لن تنسى مع كل ركن فيه.
وحسب الناشط الفلسطيني في قضايا الاستيطان خالد معالي، فإن 12 ألف دونماً زراعياً صادرتها "إسرائيل" في محافظة سلفيت، مشيراً إلى أن المحافظة بها 18 تجمعاً فلسطينياً، مقابل 23 تجمعاً استيطانياً، وتم الاستيلاء من جانب الإسرائيليين على نحو 65% من أراضي المحافظة.
وأضاف معالي، لوكالة الأناضول: "عزبة أبو البصل نموذجاً للصمود في وجه الاستيطان.. ومرض وغياب عائلة بلاسمة عن العزبة يهدد آلاف الدونمات".
ودعا الناشط الفلسطيني إلى حملة فلسطينية لدعم المنطقة، وإعادة السكان إليها من خلال شق طريق وتوفير خدمات البنية التحتية.
ويعد الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية من أبرز المعوقات أمام المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، والتي استؤنفت أواخر يوليو/ تموز الماضي، برعاية أمريكية في واشنطن، بعد انقطاع دام ثلاثة أعوام.
وصرح الناطق باسم الحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية إيهاب بسيسو بأن الحكومة الفلسطينية تدين البناء الاستيطاني في سائر الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية.
واعتبر بسيسو، في تصريحات سابقة لوكالة الأناضول، أن "الاستيطان يقوض الجهود الدولية التي تسعى إلى إقامة دولة فلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية".
وبحسب مصادر إسرائيلية، يبلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية نحو نصف مليون مستوطن يسكنون في 144 مستوطنة وبؤرة استيطانية.