اقبل نحوهم يسعى، وقال: قوموا من أماكنكم حتى لا يدهمكم الجنود ويهدموا الخيمة على رؤوسكم.
انتفضوا شعثا غبرا، قام هو بتناول طفلته الصغيرة (
بيسان) في الخامسة من العمر، حملها على ظهره، منتشلا معها خمسين وجعا وألما.
صغيرته (بيسان) أصيبت بإعاقة منذ طفولتها أقعدتها عن الجري خلف أشقائها واللعب معهم، وعن الهرب لتقي نفسها من جنود
الاحتلال الذين يكدرون حياة سكان عين الحلوة في المالح بمنطقة الأغوار الفلسطينية، ملوحة الأرض والهواء والحياة، ولم يبق الاحتلال من العين إلا اسمها.
للمالح معاناة يرسم الاحتلال معالمها، فبشكل مستمر يطلب
الجيش الإسرائيلي من السكان إخلاء المكان لإجراء تدريباته –بصفتها منطقة عسكرية- فيخرج السكان بكبارهم وأطفالهم وماشيتهم، كأنهم يعيدون مشهد التهجير من جديد، (بيسان) تتأرجح على ظهر والدها، تنظر حولها حيث النباتات الشوكية والأسلاك الشائكة، والتراب الأسود، والخيم المتناثرة هنا وهناك.
ويصف رئيس مجلس المالح والمضارب البدوية عارف دراغمة، ما تعانيه المالح كنموذج لمعاناة الأغوار، بأنها قضية إنسانية كما هي سياسية، فالأطفال هنا هم الفئة الأكثر تأثرا بالظروف الصعبة التي يعيشونها، فبدل مشاهدة التلفاز، ومتابعة (الفيسبوك)، والتفكير بمستقبل باسم، والتمتع بليالي الصيف وسهرها كأقرانهم، يشاهدون جرافات الاحتلال تهدم خيمهم أمام أعينهم، وتدفن كتبهم وحقائبهم وألعابهم، بل تدفن مستقبلهم، فكيف بذوي الإعاقة الذين يبلغ عددهم عشرا، لا يجدون مقومات الرعاية الواجب توفرها لأمثالهم، لا بيوت ولا أدوات ولا كراسي متحركة ولا أدوية، ولا أطباء، إلا عابري سبيل.
وتتضح قتامة ما يعانيه السكان وخاصة الأطفال منهم، أن عشرات الأطفال ممن لا يتجاوز أعمارهم (12عاما) يعملون في المستوطنات، وجزء منهم، بحسب دراغمة، يدرسون في المدارس ويقضون ليلتهم بالعمل في تلك المصانع.
وأضاف أن الاحتلال يسعى إلى اقتلاع السكان من أرضهم للاستيلاء على الأرض مانعا البناء أو إصلاح أي منشأة في المنطقة، بل يعمل بشكل مستمر على تدمير ما تطاله يده، وإعاقة وصول المساعدات إلى المنطقة، حتى أنه لم يراعي الوفود الأجنبية الزائرة، وكان آخر ذلك تغريم المواطن حمد صوافطة مبلغا كبيرا من المال على شاحنته التي صادرها الجيش الإسرائيلي قبل ما يقارب الشهرين وهي تنقل خيم ومساعدات لسكان خلة مكحول، التي دمرها الاحتلال خلال الأشهر الفائتة, وكان برفقتها وقتها دبلوماسية فرنسية، والتي تم الاعتداء عليها أيضا من قبل الجنود.
وأشار إلى أن الاحتلال يستولي على أراضي المواطنين في الأغوار بطرق الخداع والمؤامرة, فيعمل على إغلاقها عسكريا لسنوات لتصبح تحت سيطرت المستوطنين, وكل المؤسسات الإسرائيلية تتحالف من اجل هدف واحد اقتلاع الفلسطيني من أرضه.
وكان مجلس قروي المالح والمضارب البدوية أطلق حملة الوفاء للأرض والعودة إليها ضمن فعاليات تحت شعار "خلي قمحك بلدي وخلي خبزك طابون".
بهدف تشجيع وحث المزارعين للعودة إلى أراضهم وزراعتها والعمل على استصلاحها والاستفادة منها كجزء من التمسك بها وحمايتها من خطر التهويد والاستيطان؛خاصة أن آلافاً من الدنمات في المالح والأغوار تترك سنويا بدون زراعة، ما يعنيه من توفير دخل كبير لمالكيها، إضافة إلى حمايتها من الاحتلال وسياسة المصادرة لأراضي المنطقة.
(بيسان) التي سرق المستوطنون كرسيها المتحرك قبل أيام، وفر لها فاعلو الخير كرسيا جديدا، وتعود كل ظهيرة من مدرستها إلى خيمتها المصنوعة من الخيش، التي لا تقيها حر الصيف ولا برد الشتاء؛ يضاف إلى ذلك عدم توفر المياه والكهرباء، ولا حتى الأدوات المنزلية؛ خيمة تحتضن (بيسان) من الشمس، ومن رؤية قسوة واقع فرضه الاحتلال.
الأغوار الفلسطينية، التي تأن بأنين أهلها بأصحاء الجسد ومعاقيه، بأنين أحلام تستصرخ العالم، يقبل سكانها على الحياة والصمود دون خوف من الاحتلال وتهديداته.