يوم الأربعاء (27
تشرين الثاني/ نوفمبر) أُعلن عن اتفاق وقف إطلاق النار بين
لبنان والكيان، وقد
اختلفت الآراء حول من المستفيد الأكبر من هذا الاتفاق، وهناك حوار بين السياسيين
والإعلاميين، في حرب قائمة على تسجيل النقاط؛ فمن حقق النقاط الأكبر في مرمى خصمه؟
نحاول هنا أن نجيب عن هذا السؤال.
يفكر كثيرون في
نتائج الحرب كنصر وهزيمة، وأن غرض الحرب هو تحقيق النصر العسكري، وهذا التصور ليس
دقيقا بل هو بعيد عن الحقيقة. الحرب في حقيقتها هي استخدام القوة العسكرية لتحقيق
هدف سياسي، هذا الهدف قد يتمثل في احتلال دولة أخرى، أو تدمير القوة والقدرة التي
تملكها دولة أخرى، أو إجبار دولة أخرى على اتخاذ قرارات سياسية ليست في صالحها.
ولو نظرنا لأحد
أكبر الحروب الحالية وأكثرها أهمية، وهي حرب روسيا وأوكرانيا، وحاولنا الإجابة على
سؤال من المنتصر حتى الآن، لما وصلنا لإجابة واضحة. أوكرانيا حمت عاصمتها وأغلب
أرضها من الاحتلال، هذا صحيح، ومنعت الروس من التوغل في كثير من الأراضي
الأوكرانية التي ظن بوتين أنه سيستولي عليها في أسابيع قليلة، وهذا يعتبر نصرا لا
شك فيه للأوكران.
لم يحقق أي طرف كافة أهدافه من الحرب، وكل طرف حقق جزءا يسيرا مما كان يأمل فيه ويرجوه
في المقابل، روسيا حققت غرضها الأساسي بمنع امتداد حلف الناتو
لأوكرانيا، بل إنها أرهقت الداعمين الغربيين لاستقلال أوكرانيا، وجعلت عددا غير
قليل من المواطنين الأوروبيين والأمريكيين يرغبون في إنهاء الحرب أيا كانت
النتيجة.
لو انتهت الحرب
الآن وفق الوضع الحالي على الأرض، فمن سيكون الفائز؟ الجواب لا أحد، فلم يحقق أي
طرف كافة أهدافه من الحرب، وكل طرف حقق جزءا يسيرا مما كان يأمل فيه ويرجوه.
لو أسقطنا هذا
التحليل على حرب لبنان، فيمكن القول بوضوح إن لبنان حقق عددا كبيرا من أهدافه في
الحرب؛ الأول كان مساندة
غزة وقد تحقق هذا بجلاء، والثاني كان تدمير قدر من
الأهداف العسكرية للكيان، وما حدث في المقرات المختلفة للوحدة 8200 والدمار الذي
لحق بكثير من المنشآت العسكرية وغيرها يشير بوضوح لتحقق هذه الأهداف.
من الناحية
العسكرية أيضا، فقد أصيب الكيان بالصدمة حين وجد قواته عاجزة عن التوغل في جنوب
لبنان، وأصيب عدد كبير من الدبابات والأفراد في جيش الكيان. ومع معرفة أن الكيان
كثيرا ما يخفي خسائره ولا يعلنها إلا بعد سنوات طويلة، يمكن استنتاج أن الأرقام
التي أعلنها الكيان في إصاباته سواء بين الجنود أو المعدات أكبر كثيرا مما هو
معلن، ومع جيش صغير كالكيان تصبح هذه الأرقام كارثية.
لكن لو نظرنا من
الجهة المقابلة، فقد توقف لبنان ولو بصورة مؤقتة عن إسناد غزة، وهو ما يعني أن
الكيان أمامه شهران كي يقوم بكل جرائمه الممكنة التي لم تكن متاحة سابقا بسبب وجود
عدد كبير من قواته في الشمال. تعتبر هذه النقطة تحديدا أهم نقطة تستند لها الحكومة
الإسرائيلية في بيان أنها حققت نصرا كبيرا. النقطة الأخرى هي تدمير قدر من القدرات
العسكرية لحزب الله، وهذا صحيح بصورة ما، لكن لا يمكن قبوله بإطلاق، فقد استمر
الحزب في إطلاق صواريخه على الكيان حتى الساعات الأخيرة قبل وقف إطلاق النار.
عودة للسؤال
الأول: من المنتصر؟ الإجابة أن كل طرف حقق قدرا معقولا من أهدافه، لكن لا يوجد نصر
واضح لأي من الطرفين المتقاتلين. الكيان سيأخذ راحة لالتقاط الأنفاس وإعادة تأهيل
جنوده للمرحلة الثانية من الحرب في لبنان، وسيتلقى مزيدا من السلاح والذخائر من
مختلف الدول الغربية خاصة الولايات المتحدة.
توقيع الهدنة بحد ذاته يعني أن الطرفين أنهكا تماما ولم يعد لدى أي منهما ما يقدمه من الناحية العسكرية، وحان وقت البحث عن طرق أخرى
حزب الله كذلك
سيتلقى مزيدا من السلاح والذخائر من إيران وربما أيضا من الصين وروسيا، فكل هذه
الأطراف لا تريد انتصارا حاسما للكيان. وقد أثبتت هذه الحرب ما قيل سابقا ورأيناه
جميعا بأعيننا، أن الكيان هو في حقيقته لا يزيد عن كونه "دولة وظيفية"،
بلفظ الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله، فقد وضعها الغرب بين بلادنا للقيام
بوظيفة محددة هي تخريب المنطقة وإفسادها، ومنع قيام كيانات عربية قوية فيها.
توقيع
الهدنة بحد
ذاته يعني أن الطرفين أنهكا تماما ولم يعد لدى أي منهما ما يقدمه من الناحية
العسكرية، وحان وقت البحث عن طرق أخرى.
يبقى السؤال
الأخير: هل سيفي الكيان بما تعهد به؟ هل سيستمر وقف إطلاق النار فعلا لشهرين
مقبلين؟ التجارب السابقة تقول "لا" واضحة، فالكيان يضرب إذا كان قادرا،
بغض النظر عن أي روادع أخلاقية أو سياسية. أغلب الظن أن هذا ما سيحدث بالفعل، خاصة
أن رئيس وزراء الكيان هو ملك الهروب للأمام، ولو ضاق الخناق عليه داخليا ربما يقوم
بعمل إجرامي آخر كمهاجمة لبنان بسبب أو بدون سبب، فقط لتخفيف الضغط عن نفسه.