قضايا وآراء

ما المتوقع من الإدارة الأمريكية الجديدة؟

"حالة من الترقب لما سيفعله ترامب وقت توليه المسؤولية"- جيتي
للمرة الثانية فعلها ترامب، وفاز على مرشحة للحزب الديمقراطي.

مما لا شك فيه أن الدور شديد السوء الذي لعبه الحزب الديمقراطي في دعمه لإسرائيل، بالإضافة لغيرها من القرارات والسياسات المرفوضة شعبيا، تسببت في عزوف كثير من الناخبين خاصة العرب والمسلمين عن انتخاب كمالا هاريس لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.

وحيث أن ترامب قد عاد مرة أخرى للرئاسة، فهناك حالة من الترقب لما سيفعله وقت توليه المسؤولية. وهناك توقعان رئيسيان، فإما أن ترامب تعلم من أخطاء فترة حكمه الأولى، ولن يسعى للصدام مع الدولة العميقة، وسيكون أقل انحيازا للصهيونية وأكثر انحيازا للمستضعفين، أو أنه سيستمر على نفس سياساته القديمة ويزيد منها، خاصة انحيازه المطلق للكيان الصهيوني.

كيف يمكن توقع هذا؟ بالنظر إلى بدايات تعييناته للمسؤولين الذين سيكونون في إدارته الجديدة، يمكن الوصول لبعض الاستنتاجات، ولنلق نظرة سريعة على بعضهم.

1- ماركو روبيو لوزارة الخارجية. هذا الرجل عضو في الكونغرس، وكان له تعليق شديد السفور وقت مهاجمة الكيان لمستشفى الشفاء في غزة، حيث قال: "حماس يجب أن تتوقف عن بناء منشآتها العسكرية تحت المستشفيات". وكما نعلم جميعا، اتضح لاحقا أن حماس ليس لها وجود حول المستشفى لكنه لم يتراجع عن تصريحه.

2- بيت هيجسيث لوزارة الدفاع. له تاريخ في العسكرية الأمريكية حيث قاتل في دول مسلمة مثل أفغانستان والعراق، ثم عمل لاحقا في قناة فوكس الأمريكية المحافظة والمنحازة للكيان وضد المسلمين. خلال فترة عمله عُرف بانحيازه الشديد للكيان، حيث كتب في صفحته في موقع إكس: "إسرائيل تحتاج دعمنا"، معلقا أن حواره في ذلك اليوم مع نتنياهو كان لدعم الكيان.

3- إليز ستيفانيك لتمثيل الولايات المتحدة لدى منظمة الأمم المتحدة. هذه السيدة عضو في الكونغرس، وكانت هي من استجوب عددا من رؤساء الجامعات الذين لم يمنعوا التظاهر ضد جرائم الكيان في جامعاتهم، ولها عدد من التسجيلات التي انتشرت وقتها مع رئيسة جامعة بنسلفانيا ليز ماجيل ورئيسة جامعة هارفارد كلودين غاي، وفي الحوارين هاجمت بضراوة رئيستي الجامعتين العريقتين. بعض المصريين يعرفها بصورة أفضل، فقد حققت أيضا مع رئيسة جامعة كولومبيا نعمات شفيق، الأمريكية من أصل مصري. في كل هذه التحقيقات انحازت إليز ستيفانيك تماما لرواية الكيان، واعتبرت أي تظاهر ضد الكيان معاداة للسامية، رغم وجود عدد كبير من المتظاهرين اليهود الأمريكيين ضد الكيان.

4- كريستي نُعيم (نويم) لوزارة الأمن الداخلي. حاليا هي حاكمة ولاية داكوتا الجنوبية، وقبل تعيينها بفترة قصيرة قامت كريستي نويم بتوقيع قانون يعتبر مقاطعة الكيان معاداة للسامية.

5- مايك هوكابي لتمثيل الولايات المتحدة وسفيرا لها عند الكيان. هو حاكم سابق لولاية أركنساس، وهو معروف بانحيازه المطلق للكيان، له تصريح انتشر كثيرا قال فيه إنه لا يوجد مكان باسم الضفة الغربية بل هي يهودا والسامرة، ولا يوجد احتلال ولا توجد مستوطنات بل هي مدن ومجتمعات (شرعية).

٦ - مايك والتز لرئاسة مجلس الأمن القومي. من بين كل المذكورين سابقا يعتبر مايك والتز "صقرا"، فهو شديد الانحياز لإسرائيل، وكان له تعليق بعد الضربة الصهيونية الأخيرة لإيران أن الكيان كان عليه استهداف مفاعل نطنز النووي في إيران. ليس هذا فحسب، بل للرجل تصريحات سابقة ذكر فيها أن الخطر الأكبر على الولايات المتحدة هي الصين، ويجب على الولايات المتحدة حشد قوات أكبر لمواجهتها. فالرجل له توجه شديد العدوانية ضد كل من يتحدى الهيمنة الأمريكية، ربما باستثناء روسيا.

هذه عيّنة صغيرة من مسؤولين ستعمل مناصبهم بصورة مباشرة في أرض الصراع ومعاركه، وكلهم ينحاز انحيازا أعمى للكيان ولا يضع أي مسؤولية على عاتق الكيان بشأن كل ما ارتكب من جرائم.

من هذا التحليل السريع لكبار المسؤولين الذين سيتولون مناصبهم منذ العشرين من كانون الثاني/ يناير المقبل، فمن الواضح أن التوقعات القائلة أن حكومة ترامب الثانية ستكون أكثر احترافية وعقلانية من حكومته الأولى، لا يبدو أنها صحيحة، فالتيار الذي سيتولى إدارة المناصب الحكومية المهمة والتي لها تعامل مع الخارج، كالخارجية والدفاع، أو حتى مع الأقلية المسلمة والأقليات عموما بالداخل، كالأمن الداخلي، كل هذه المناصب ستخضع لتيار شديد العدوانية ولا يبدو، وفق تصريحاتهم على الأقل، سوى أنهم سينتهزون أي فرصة لدعم الكيان والوقوف بصورة قوية ضد فلسطين ومن يؤيدها، سواء بصورة مباشرة كإيران أو غير مباشرة كالصين، كل هؤلاء سيصبحون في مواجهة أكثر سخونة مع النسر الأمريكي ذي الأعصاب المهتزة والمزاج المتقلب في عهد الرئيس المقبل.

يبدو والله أعلم أن الفترة المقبلة ستكون حالكة وشديدة الصعوبة على كثير من الشعوب العربية والمسلمة.