إذا كنت تعتقد أن
الانتخابات في
الولايات المتحدة التي يعرفها البعض بأنها واحة الديمقراطية في العالم، هي
انتخابات مباشرة يختار فيها المواطنون رئيسهم، فأنت مخطئ.
فالأمريكيون الذين تجاوزا 333 مليون
نسمة بينهم 187 مليون ناخب مسجل تقريبا، يدلون بأصواتهم لإقناع 538 عضوا يشكلون ما
يسمى بـ"
المجمع الانتخابي" لاحترام اختيارهم للمرشح الذي يرغبون بأن
يرأسهم.
ولا يحتاج المرشح الرئاسي أصوات كل
الأعضاء بل يكفي 270 شخصا منهم (النصف زائد واحد) ليصبح رئيس الولايات المتحدة
الأمريكية الـ 50 لأربع سنوات.
ما هو المجمع الانتخابي؟
المجمع عبارة عن 538 شخصا من
المسؤولين المنتخبين في كل ولاية، وغير معروفين في غالبيتهم من الرأي العام وعامة
الناس، ولا يمكن لأي مسؤول فيدرالي معين أو منتخب من الترشح ليكون عضو مجمع.
ولكل ولاية نصيب من أعضاء المجمع يعادل عدد
ممثليها في مجلس النواب ومجلس الشيوخ، ففي كاليفورنيا مثلا 55 عضو مجمع، وفي تكساس 40، بينما في فيرمونت وألاسكا على سبيل المثال لا الحصر، فثلاثة فقط.
ويتم اختيار أعضاء المجمع الانتخابي
في تشرين الثاني/ نوفمبر بالتصويت المباشر، ولكل ولاية الحق في ترتيب نظامها
الانتخابي الخاص لإفراز أعضاء المجمع.
وأصوات ملايين الأمريكيين؟
لا يعني عدد الأصوات الأكثر للمرشح (من
الناخبين) أنه الفائز في الانتخابات، لأن من يحدد ذلك هو عدد الأصوات التي سيحصل
عليها (من المجمع الانتخابي) الذي يفترض أن يعبر عن رأي الولاية وناخبيها، ويحترم
قرارهم.
مثال: حصول المرشح الجمهوري في تكساس
على أصوات 51% من سكان الولاية مقابل 49% للمرشح الديمقراطي، يعني حصوله على 40 صوتا في المجمع الانتخابي مقابل صفر أصوات في المجمع للمنافس رغم الأصوات الشعبية
التي حصل عليها.
مفارقة: إذا خرج ناخب واحد فقط للتصويت
في تكساس (30 مليون نسمة، 18 مليون ناخبا مسجلا)، وصوت للمرشح الديمقراطي مثلا، فسيحصل
على 40 صوتا في المجمع، بينما إذا صوت 4.5 مليون ناخب ولاية ميزوري (6 ملايين
نسمة)، للمرشح الجمهوري مثلا، فسيحصل على 10 أصوات فقط في المجمع الانتخابي.
النتيجة: مواطن واحد قد يساوي 40 صوتا
في المجمع الانتخابي، و4.5 مليون مواطن يمكنهم منح 10 أصوات في نفس المجمع.
ورغم أن هذا مطبق في كل الولايات، إلا
أن ولايتي "مين" و"نبراسكا" تعتمدان العدد النسبي أي أن كل
مرشح يحصل على عدد أصوات في المجمع مساويا لنسبة الأصوات التي حصل عليها في
التصويت الشعبي.
وخسر خمسة رؤساء أمريكيين التصويت
الشعبي لكنهم فازوا بالانتخابات بأصوات المجمع، كان أولهم جون كوينسي في 1824 في
مواجهة أندرو جاكسون.
وفاز دونالد
ترامب على هيلاري كلينتون
في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2016 رغم تقدمها عليه بحوالي ثلاثة ملايين
صوت، وانتخب جورج دبليو بوش في العام 2000 متغلبا على آل غور مع أن الأخير
حصد نصف مليون صوت أكثر منه.
هل يلتزم أعضاء المجمع الانتخابي برأي
الولاية؟
لا يلزم الدستور الأمريكي الناخبين
الكبار كما يسميهم البعض، بالتصويت بطريقة أو أخرى، لكن بعض الولايات ترغم أعضاء
المجمع بالالتزام بقرار الناخبين في الولاية، تحت طائلة الغرامة ليس أكثر، والخيار
لعضو المجمع بين أن يكون عضوا "مخلصا" يعطي صوته لمن اختاره سكان
الولاية، أو "خائنا" يعارض رأي الولاية ويعطي صوته لمرشح منافس.
وبين العامين 1796 و2016، صوت 180 من
الناخبين الكبار خلافا للتوقعات في الانتخابات الرئاسية.
في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، فاز
دونالد ترامب بأصوات 306 ناخبين كبار. إلا أن ناخبين كبيرين اثنين فقط في تكساس
بدلا رأيهما فحصل على 304 أصوات.
هل هناك مشاهير بينهم؟
رغم أن أغلب أعضاء المجمع الانتخابي
ليسوا من المعروفين للرأي العام، إلا أنهم من المقربين من الأحزاب في ولاياتهم،
ومن الداعمين، وبعضهم سياسيون، ومسؤولون سابقون، على أن لا يكونوا على رأس عملهم.
كان الرئيس السابق بيل كلينتون عضو مجمع انتخابي عن
ولاية نيويورك، وأعطى صوته لزوجته هيلاري التي فازت بأصوات الولاية عام 2016، وكان حاكم نيويورك السابق أندرو
كومو عضو مجمع انتخابي أيضا في 2016.
وفي الانتخابات التي فاز فيها ترامب،
كان دونالد ترامب جونيور عضو مجمع انتخابي في ولاية فلوريدا وأعطى صوته لوالده الذي فاز بأصوات الناخبين في الولاية.
لماذا هذا التعقيد؟
يعود هذا النظام إلى دستور العام 1787
الذي يحدد قواعد الانتخابات الرئاسية بالاقتراع العام غير المباشر بدورة واحدة.
ورأى الآباء المؤسسون في ذلك حلا وسطا
بين انتخاب رئيس بالاقتراع العام المباشر وبين انتخابه من قبل الكونغرس وهو أمر
اعتبر أنه لا يستوفي كل الشروط الديموقراطية.
ورفعت إلى الكونغرس مئات الاقتراحات
لتعديل الهيئة الناخبة أو إلغائها على مر العقود ومع تسجيل نتائج صادمة، لكن لم
يفض أي منها إلى نتيجة.
متى يجتمع المجمع؟
عمليا، لا يجتمع المجمع بشكل كامل، لكن
يجتمع كبار الناخبين في ولاياتهم في منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2024 لاختيار
الرئيس، ويعلن رسميا في كانون الثاني/ يناير 2025.