يبدو أنه أصبح أمرا لازما في الحديث، كلما
تم ذكر الشيعة، والمقاومة الفلسطينية الإسلامية، أن تثار نفس الكلمات، ونفس
الاتهامات، ونفس الرؤى والتوجهات، دون مراعاة لسياق، أو أحداث، أو ما يستدعيه
الموقف، ومهما أتت التوضيحات والردود، تظل التوجهات لا تراوح موضعها، وكأن الحياة
لا تتحرك، وكأن الأحداث والمواقف لا يحدث من جرائها أي حراك أو تطور في المواقف أو
الأفهام.
ومن آخر هذه المواقف: وقت استشهاد إسماعيل
هنية، فكانت فرصة اغتنمها أصحاب توجه ورأي معين ـ نحترمه ونقدره في إطاره بلا شك ـ
لطرح الموضوع، وبدل أن يحصر الحديث في وفاة الرجل بهذه الطريقة المجرمة، يتحول
النقاش لمساحات أخرى تبتعد كثيرا عن جوهر الموضوع، ومهما كانت الذريعة التي يرفعها
من أثاروا النقاش، فهي ذريعة زائدة عن الحد المعقول، وغير مناسبة تماما للحديث، أو
السياق.
فراح البعض يناقش قضية الصلاة عليه في
إيران، وكيف يصلي عليه مخالفون للرجل في المذهب، رغم أنه نقاش كان يمكن أن يؤجل
لوقت آخر، وهو نفس ما يحدث في مواقف مماثلة، نترك جريمة الاحتلال ونمسك بقضايا
فرعية، وتحتمل التأجيل، كما حدث من قبل مع وفاة الإعلامية شيرين أبو عاقلة، تركت
جريمة قتل صحفية، وسيدة، وراح النقاش حول ديانتها، وهي معارك تفتعل مع كل قضية
مهمة، تحت ذريعة الحفاظ على العقيدة.
فبعض من أثاروا الموضوع، في علاقة الشيعة
بالمقاومة، ومن مارس دور التركيز والتنبيه على ضرورة النقاء العقدي، فظلوا يرددون
أنهم كثيرا ما نصحوا
المقاومة بقطع علاقتهم مع إيران وحلفائها، لأنه لا يمكن أن
يأتي الخير من قوم تختلف عقيدتهم عن عقيدتك، وتصورهم عن تصورك، كما يلح المعترضون،
وكان منهم أشخاص صمتوا تماما عندما تقاربت حكوماتهم من الشيعة، ولم ينبسوا ببنت
شفة.
في مصر هاجم برهامي هذا التوجه، تعليقا منه
على استشهاد هنية، بينما لم ينبس ببنت شفة لا هو ولا المداخلة في السعودية أو مصر،
عندما تقاربت السعودية مع إيران الشيعية، بوساطة من الصين الشيوعية، وعندما تقارب
السيسي مع طائفة (البهرة) الشيعية، وقبل منهم تبرعا، ومساهمات في تطوير مساجد آل
البيت في مصر، لم نجد أي اعتراض، أو نصح من هذه الجهات التي ما تركت أي فرصة
للهجوم على حماس، في علاقتها بالشيعة.
بعض من أثاروا الموضوع، في علاقة الشيعة بالمقاومة، ومن مارس دور التركيز والتنبيه على ضرورة النقاء العقدي، فظلوا يرددون أنهم كثيرا ما نصحوا المقاومة بقطع علاقتهم مع إيران وحلفائها، لأنه لا يمكن أن يأتي الخير من قوم تختلف عقيدتهم عن عقيدتك، وتصورهم عن تصورك، كما يلح المعترضون، وكان منهم أشخاص صمتوا تماما عندما تقاربت حكوماتهم من الشيعة، ولم ينبسوا ببنت شفة.
وعلى مستوى الإخوة السوريين رأينا بعضا من
هذه الممارسات أيضا، مع كل من مارس لونا من العمل السياسي، أو الدبلوماسية
السياسية مع إيران، منذ بضع أسابيع عندما توفي الرئيس الإيراني، وكتب الإخوان
المسلمون المصريون رسالة تعزية نشروها على الإنترنت، وقد هوجموا عليها من بعض
الإخوة السوريين، وكان أحدهم حادا وشديدا في الهجوم، وكلمني أحد قيادات الإخوان
يشكو من مثل هذه النبرات الحادة، قلت له: انتظر، وتمهل على هذا الأخ الكاتب،
فقريبا سوف تفتح السعودية سفارة لها في سوريا بشار، وسترى صمته المطبق، وكيانات
أخرى إسلامية، ولن تجد حرفا واحدا يكتب إنكارا لذلك، وهو ما حدث بالفعل بعد حادثة
كتابة عزاء في الرئيس الإيراني بأسبوع، ولم نجد كيانا إسلاميا سوريا واحدا يستنكر،
ولا الأخ الكاتب الذي سلق إخوانه المصريين بقلمه لكتابة تعزية على موقعهم!!
وأكثر ما نتعجب منه، هو ما يريده بعض
المعلقين على هذه الحالة، وكأنها حالة جديدة في التاريخ الإسلامي، أو ليست لها
سوابق تاريخية، يمكن أن نتعامل معها من خلالها، أو في تراثنا الإسلامي والفقهي،
فهي حالة موجودة، وليست مستحدثة، وهي مسألة مركبة بالفعل، حين تجد شخصا يقترف جرما
في مكان، ويؤدي واجبا في مكان آخر. وهو ما أطلق عليه القرآن قوله: (خلطوا عملا
صالحا وآخر سيئا) التوبة: 102.
فوجدنا في تاريخنا حكاما وجماعات وفصائل،
قدموا الخير والشر، وفعلوا الحلال والحرام، والكبائر والفرائض، بداية من الخوارج
وانتهاء بزماننا، فرأينا الحجاج حافظ القرآن ومن قسمه لأرباع وأجزاء، وغيره، ومن
قتل معارضي الحاكم، ومعارضيه، ومنهم صحابة، وعلى مر التاريخ وجد هذا النموذج،
فكانت كلمة التاريخ من المؤرخين المنصفين يذكرون خيره وشره.
مثل هذه التقييمات لا تؤخذ بالجملة، وبخاصة
في الشخصيات والهيئات المركبة فيما تقوم به من أعمال، تخلط بين الصلاح والفساد، بل
تقيم بالدور والحالة، فالميزان الذي ستوزن به أعمال الناس يوم القيامة، له كفتان،
وهو نموذج للمسلم في حكمه على الناس، بأن يزنهم بالكفتين معا، لا بكفة واحدة، فلا
نغفل السيئات لوجود الحسنات، ولا نغفل الحسنات لوجود السيئات، وهذا معيار عادل
ومنصف.
نعم المدح المفرط الذي يقوم به البعض لإيران
أو للشيعة المعاونين للمقاومة مرفوض، وينبغي أن يكون على قدر المطلوب، وعلى قدر
الدور، وهو في إطار الإشادة التي لا تسقط الحقوق، ولا تسقط الحساب عما يقترفه
الإنسان من اعتداء على حقوق الآخرين، فإسقاط الحقوق لا يملكه إلا صاحبها، سواء كان
الصاحب هنا المولى جل وعلا، إذا كانت الحقوق متعلقة به، أو الإنسان المظلوم، وهو
مرهون بعفوه، أو بأخذه حقه.
للأسف أصبحنا مضطرين في كل مناسبة أن ننوه
بهذا الكلام، وإن بصيغ مختلفة، ودلائل مختلفة، لكن الحالة أصبحت متكررة، والتشغيب
على الأحداث الكبار، بقضايا فرعية زاد عن حده بشكل ملحوظ، ولكن يظل واجبا علينا أن
نقوم به، كلما فتح مجال للتشغيب، أو لصرف البوصلة عن جهتها الصحيحة.
Essamt74@hotmail.com