قالت صحيفة "
فايننشال تايمز" البريطانية إن الأسواق العالمية شهدت اضطرابات حادة نتيجة تراجع
الاقتصادات وقرارات البنوك المركزية وتدهور
أسهم التكنولوجيا.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن موجة من الاضطرابات الشديدة ضربت الأسواق العالمية يوم الاثنين مع تزايد المخاوف بشأن مسار الاقتصاد الأمريكي وسرعة تخلي المتداولين عن الرهانات التي هيمنت هذه السنة.
وكانت
اليابان في قلب العاصفة في أواخر الصيف؛ حيث انخفض مؤشر "توبكس" بأكثر من 12 بالمئة في أكبر موجة بيع منذ انهيارات "الاثنين الأسود" في سنة 1987. وامتدت عمليات البيع إلى الأسواق الأمريكية والأوروبية، حيث انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 في "وول ستريت" بأكثر من 2 بالمئة.
ما الذي يقف وراء عمليات البيع؟
وأوضحت الصحيفة أن البيانات الاقتصادية الأخيرة أدت إلى زعزعة الرأي السائد بأن صناع السياسات العالميين، بقيادة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، سيكونون قادرين على تهدئة التضخم دون أضرار جانبية كبيرة.
وقد عزز تقرير الوظائف في الولايات المتحدة، الجمعة، المخاوف المتزايدة من أن أكبر اقتصاد في العالم يتعرض لضغوط متزايدة بسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض. وأشار المسؤولون التنفيذيون للشركات خلال موسم الأرباح الأخير إلى أن المستهلكين، الذين يلعبون دورًا مركزيًا في الاقتصاد الأمريكي، بدأوا في خفض الإنفاق.
ووفق الصحيفة؛ فقد قال بنك غولدمان ساكس في نهاية الأسبوع إنه يعتقد حاليًا أن هناك فرصة بنسبة واحد من أربعة لسقوط الولايات المتحدة في
الركود في السنة المقبلة، مقارنة بتوقعاته السابقة بنسبة 15 بالمئة.
ولا تقتصر علامات الركود الاقتصادي الوشيك على الولايات المتحدة، حيث تظهر استطلاعات الأعمال في منطقة اليورو أن الكتلة تضررت من التوترات الجيوسياسية وضعف النمو العالمي وهشاشة ثقة المستهلك، وقد تباطأ النشاط في قطاع المصانع المهيمن في الصين في الأشهر الثلاثة حتى تموز/ يوليو.
وقال بروس كاسمان؛ كبير الخبراء الاقتصاديين العالميين في "جي بي مورغان تشيس"، إن الاستطلاعات التي أجريت الشهر الماضي للمسؤولين التنفيذيين في قطاع التصنيع كانت "متسقة مع توقف مكاسب الناتج الصناعي العالمي".
لقد زادت اليابان من تعقيد الموقف مع استمرار التحول بعيدًا عن سياسات أسعار الفائدة السلبية، والتي بدأت في آذار/ مارس وتسارعت الأسبوع الماضي، وقد تسبب هذا في اضطراب في سوق العملات التي انتشرت في أماكن أخرى.
لماذا الاضطرابات شديدة للغاية؟
وكانت أسواق الأسهم العالمية حتى وقت قريب في ارتفاع، مدفوعة بالآمال في سيناريو اقتصادي ذهبي واندفاع نحو أسهم التكنولوجيا الأمريكية مدفوعًا بالحماس لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وارتفع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" في "وول ستريت"، وهو مقياس الأسهم الأكثر أهمية في العالم، بنحو 20 بالمئة منذ بداية السنة إلى أعلى مستوى إغلاق قياسي في 16 تموز/ يوليو.
وبحسب الصحيفة، فإنها تميل عمليات الانسحاب إلى أن تكون أسرع من عمليات الانهيار: فقد انخفض مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بنحو 8 بالمئة منذ بلوغه ذروته في تموز/ يوليو.
وأدى ارتفاع الأسهم هذه السنة إلى جعل الأسهم تبدو أكثر تكلفة، وهو عامل كان مصدر قلق مستمر للمستثمرين. وكان مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" يُتداول اعتبارًا من يوم الجمعة عند حوالي 20.5 ضعف الأرباح المتوقعة على مدى الأشهر الـ 12 المقبلة، مقارنة بمتوسط 16.5 منذ سنة 2000، وفقًا لبيانات "فاكت ست".
وارتفع مؤشر فيكس، الذي يُشار إليه غالبًا باسم "مقياس الخوف" في وول ستريت، الاثنين، إلى 65 نقطة مقارنة بـ16 نقطة قبل أسبوع، وهو أعلى مستوى له منذ جائحة كوفيد-19 سنة 2020، ما يشير إلى أن الأسواق ستشهد المزيد من الاضطرابات. ثم انخفض بعد ذلك إلى 33.
وتأتي التقلبات في بداية آب/ أغسطس، وهو الوقت الذي يحزم فيه كبار المستثمرين والتجار أمتعتهم لقضاء عطلاتهم الصيفية. بشكل عام، يؤدي هذا الوضع "المنخفض السيولة" إلى تفاقم التحركات.
ما هو دور قطاع التكنولوجيا؟
وكان العديد من المستثمرين قلقين بشأن التأثير الهائل على الأسواق لعدد قليل من أسهم التكنولوجيا، ما يسمى السبعة الرائعين في أمريكا.
وبحسب هوارد سيلفربلات، المحلل الأول في مؤشرات "ستاندرد آند بورز" و"داو جونز"، فقد شكلت أسهم أبل ومايكروسوفت وألفابت وأمازون وتيسلا وميتا وإنفيديا، 52 يالمائة من العائدات السنوية على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" حتى نهاية تموز/ يوليو.
وتتعرض هذه الأسهم حاليًا لضغوط، حيث تحول تأثيرها الإيجابي على الأسواق إلى عامل محوري في عمليات البيع.
وانخفض مؤشر نازداك المركب الذي يعتمد على التكنولوجيا بنحو 13 بالمائة عن ذروته في تموز/ يوليو. وقد تعززت حالة الكآبة بسبب الأخبار التي وردت هذا الأسبوع عن قيام شركة بيركشاير هاثاواي التابعة لوارن بافيت بخفض حصتها في أبل بمقدار النصف كجزء من تحول أوسع نطاقًا بعيدًا عن الأسهم مما دفع المستثمر الملياردير إلى التخلص من 76 مليار دولار من الأسهم. وظهرت مخاوف أخرى تركز على التكنولوجيا. فقد انخفضت أسهم شركة إنتل، إحدى أشهر شركات صناعة الرقائق في الولايات المتحدة، بنحو 30 بالمئة الأسبوع الماضي بعد أن كشفت عن خطط لخفض 15 ألف وظيفة كجزء من خطة تحول شاملة. وهبطت أسهم شركات الرقائق الأخرى نتيجة لذلك.
وانخفضت أسهم شركة صناعة الرقائق إنفيديا، التي أصبحت لفترة وجيزة الشركة الأكثر قيمة في العالم هذا العام، بأكثر من 25 بالمئة من أعلى مستوياتها في حزيران/ يونيو.
لماذا تضررت الأسهم اليابانية بشدة؟
ولفتت الصحيفة إلى أن الأسهم اليابانية محت كل مكاسبها لهذه السنة بعد هبوط الاثنين، وذلك بسبب الارتفاع السريع للين بعد أن رفع بنك اليابان الأسبوع الماضي سعر الفائدة الرئيسي إلى 0.25 بالمئة، وهو أعلى مستوى منذ الأزمة المالية العالمية في أواخر سنة 2008.
وقد تسبب هذا في تفكيك ما يسمى بصفقات الحمل حيث يقترض المستثمرون في بلد ذي أسعار فائدة منخفضة للاستثمار في بلد ذي أسعار فائدة مرتفعة.
وأدى هذا التفاعل إلى ارتفاع قيمة الين بأكثر من 11 بالمئة مقابل الدولار الأمريكي منذ نهاية حزيران/ يونيو إلى 143.95 ين. وتشكل العملة الأقوى رياحا معاكسة كبيرة لمؤشرات الأسهم التي تعتمد على التصدير في البلاد.
وتعد سوق الأسهم اليابانية التي يتم تداولها بنشاط، والتي تتعرض بشكل كبير للاقتصاد العالمي، أيضاً مكانًا مهمًّا لتجنب المخاطر عندما تتحول الصناديق العالمية الكبرى إلى وضع الذعر.
ولكن على الرغم من الخطاب الصعودي الأخير حول عودة اليابان، وارتفاعات الأسهم في طوكيو إلى مستويات غير مسبوقة في تموز/ يوليو، لم تحظ القصة إلا بدعم هش. فلم تكن المؤسسات والأفراد المحليون يشترون السوق بقناعة قوية قط، وهذا يعني أن الثقل الكبير في الارتفاع الأخير كان مدفوعًا إلى حد كبير بالأجانب. وهذا يعني أن هؤلاء "السياح" الاستثماريين يمكنهم الانسحاب من السوق بسرعة غير عادية، وقد فعلوا ذلك بالفعل.
هل يتحمل بنك الاحتياطي الفيدرالي اللوم؟
وذكرت الصحيفة أنه عندما أبقى بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة الأسبوع الماضي عند أعلى مستوى في 23 سنة فوق 5 بالمئة، كان البنك المركزي الأمريكي يفعل ما توقعه المستثمرون.
ولكن تقرير الوظائف الضعيف في تموز/ يوليو، الذي أظهر تباطؤ التوظيف وارتفاع معدل البطالة، تسبب فجأة في انتشار الذعر من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي ربما تأخر جدًّا لبدء خفض تكاليف الاقتراض، ما أدى إلى تفاقم مخاطر الركود في الولايات المتحدة.
واختتمت الصحيفة التقرير بالقول إن رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول قد يخضع للاختبار إذا بدأت الأسواق في الانهيار على مدى فترة طويلة؛ حيث يراهن المتداولون أيضًا على إمكانية اضطرار البنك المركزي الأمريكي إلى الرد قبل اجتماعه المقبل في أيلول/ سبتمبر بخفض طارئ غير مقرر.
في المقابل تنقل صحيفة "
واشنطن بوست" عن خبراء اقتصاديين ومحللين ماليين أن هبوط الأسهم ليس علامة أكيدة على أن الركود قادم، ويرون أنه من السابق لأوانه الشعور بالذعر.
ويعتقد الخبراء أن عمليات البيع الحالية هي نتيجة لاضطرار المستثمرين إلى فك تشابك الصفقات المعقدة ذات الرافعة المالية العالية والتي عززت قيم الأسهم بشكل مصطنع.
فبحسب الصحيفة، فإن الاقتصاد الأمريكي لا يزال وفقا لمعظم المقاييس في حالة قوية، إذ "يواصل الأمريكيون الإنفاق، وينمو قطاع الخدمات، وتظل سوق الأسهم مرتفعة طوال العام، وهي ليست بعيدة جدا عن أعلى مستوياتها على الإطلاق التي سجلتها مؤخرا".