تأخذ الوحشية الصهيونية على الشعب الفلسطيني مواصفاتها
اللامعقولة تماما، والمتحولة لصورة أخرى من مجازر ومذابح جماعية تلاحق وجوده فوق
أرضه وخارجها، حيث يختلط العبث والنفاق بالبكاء، وبالضحك الأسود وبقهقهة الأقدار
القاسية التي جعلت من الجلاد القديم متمكنا من الضحية القديمة في أرضها، ومتمكنا
من جعل أنظمة عربية صناديق بريد لرسائل عدوانها؛ ضغط بالإرهاب وتهديد للضحايا إن
صرخوا للدفاع عن أنفسهم.
بعد أكثر من 300 يوم من الوحشية الإسرائيلية في غزة،
وسقوط أكثر من 150 ألفا بين شهيد وجريح، أصبح المعيار الفاصل لأي تحرك سياسي في
المنطقة العربية يعود إلى مدى التزييف في الرسائل الإسرائيلية والأمريكية،
والمواقف التي تتمحور حول نقاش ضحايا الهمجية الصهيونية بعدم التصعيد والرد على
العدوان.
والتصعيد واقع بلغ ذروته في مشهد حرب الإبادة على غزة، وهو
مستمر منذ 75 عاما.. التصعيد بالإرهاب الصهيوني من ناحية منهجية وصرفة في غزة
وبقية الأرض الفلسطينية؛ من خلال المس المباشر بوجود الشعب الفلسطيني فوق أرضه، في
ظل اتساع جرائم الإبادة الجماعية مع عمليات السطو على الأرض وتهويدها، وإضفاء
شرعية زائفة على
الاحتلال ومشاريعه العدوانية التي ضربت بالعمق كل ادعاءات الحرص
على "السلام" والدعوة لمنع التصعيد في المنطقة؛ بعد ضخامة الجرائم
الصهيونية، هي واحدة من أكاذيب كثيرة بربط مواجهة الفلسطينيين لجرائم المستعمر
الصهيوني بتدخل هذا الطرف أو ذاك والتركيز على مسألة "مكافحة الإرهاب".
لا غرابة والحال هذه، أن تأتي المواقف العربية والدولية بعد واقعة اغتيال إسرائيل لرئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران، واغتيال القيادي في حزب الله، فؤاد شكر، في بيروت، على مقاس الشروط الأمريكية والإسرائيلية
فلا غرابة والحال هذه، أن تأتي المواقف العربية والدولية
بعد واقعة
اغتيال إسرائيل لرئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل
هنية في طهران، واغتيال القيادي في حزب الله، فؤاد شكر، في بيروت، على مقاس الشروط
الأمريكية والإسرائيلية، بملاحظة حالة من الاستنفار العربي المشابه لنيسان/ أبريل
2024 بعد القصف الإسرائيلي للقنصلية الايرانية بدمشق، وما قيل بعدها من إشادة
وتفاخر أمريكي وإسرائيلي بتصد عربي للرد
الإيراني على العدوان، ولا غرابة أيضا أن
يكون توقيت زيارة قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل كوريلا لعدد من
دول الخليج العربي وإسرائيل؛ هو في السياق الأكثر أهمية لما لعبته هذه الدول من
دور مهم في صدّ هجمات إيران يوم 13 نيسان/ أبريل الماضي.
حشد الأساطيل وإرسال حاملات الطائرات للمنطقة، وإغلاق
المجال الجوي العربي كقبة حماية لإسرائيل، ورفع أجراس التحذير لمنع التصعيد في
المنطقة ظاهريا، ولتأمين حماية الوحشية الصهيونية في الجوهر.. كل ذلك لحرف البوصلة
باتجاه النغمة الصهيونية الأمريكية من أن العدو اليوم في المنطقة هو إيران كعرفٍ
جديد وتقليد قديم ينزع عن الصهيونية فاشيتها الاستعمارية، بالإضافة لمقياس عربي
وغربي وصهيوني يرى اليوم أن مقاومة الشعب الفلسطيني تشكل عقبة كأداء بوجه هذا
المشروع الاستعماري، من خلال تحميل الفلسطينيين ضحايا هذه الوحشية مسؤولية مقاومة
الاحتلال، فأصبح النقاش والجدل بهذا المعنى لتبهيت الجرائم وتسخيف مقاومتها، وبما ينسجم
مع المواصفات الأمريكية والغربية لحماية المشروع الصهيوني لتبديد ونسف الحقوق
الفلسطينية.
ومع حبس الأنفاس بانتظار رد إيران على اغتيال إسرائيل
لضيفها هنية، تمعن المؤسسة الصهيونية بارتكاب المجازر بحق المدنيين في أماكن
نزوحهم المتكرر في المدارس والمشافي والخيام وفي العراء، حيث فشل العجز العربي حتى
عن تأمين الحماية لهم وردع المحتل عن تكرار المذابح مئات المرات في عشرة أشهر.
وبهذه المواصفات اللامعقولة من العبث، والتي تمثل ضربا بكل
المواثيق والأعراف والشرائع عرض الحائط، لم تترك المؤسسة الصهيونية أي أثر يدل على
حياة الفلسطينيين في غزة، والتي تتطابق تماما مع مخطط التهجير الجماعي بعد جرائم
الإبادة الجماعية. فاستهداف كل ما يرمز لإنسانية الشعب الفلسطيني تحت ذرائع تزوير
الحقائق لتحطيمه، وقتله في المستشفيات والمدارس والجامعات ودور العبادة، ونسف
المربعات السكنية واستهداف الطواقم الصحية والصحفية والإنسانية.. كل ذلك لم يدفع
النظام العربي لتفنيد هذه المغالطة والتشويه والدفاع عن الشعب الفلسطيني، والتركيز
على حقه بالدفاع عن نفسه أمام إرهاب الدولة المنظم الذي تمارسه المؤسسة الصهيونية،
فتختفي من كل البيانات العربية وتصريحات القادة مفردة حق الشعب الفلسطيني بمقاومة
الاحتلال والدفاع عن نفسه، لأن هذه المفردة نُزعت من القاموس العربي واستبدلت
أمريكيا وغربيا بـ"حق إسرائيل الدفاع عن نفسها".
ومن هنا يتبدى عمق المأزق الذي انحدر إليه البعض ليس في
الغرب والولايات المتحدة، بل عند من يطلق في وجوهنا رصاص المواقف الحاسمة في دوائر
النظام العربي المندفع نحو المتاهة الصهيونية المخادعة حتى في لعبة مفاوضات وقف إطلاق
النار وتبادل الأسرى.
هل حقا نحن كعرب وفلسطينيين أمام تحديات كبرى نستعد لمواجهتها؟ أم أن بعضنا منخرط بحلف النجدة الأمريكي لإسرائيل؟ وهل هناك فعلا امتعاض عربي رسمي وجديّ من جرائم الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة والتي بات مشهدها يومي وعلى مرأى ومسمع الجميع؟
بعد كل هذا المشهد الفلسطيني والعربي القاتم، ومشهد
العربدة والغطرسة الصهيونية والأمريكية المنتفضة للدفاع عن المستعمر الصهيوني؛
لنعد لسياقنا ولأسئلتنا البديهية: هل حقا نحن كعرب وفلسطينيين أمام تحديات كبرى
نستعد لمواجهتها؟ أم أن بعضنا منخرط بحلف النجدة الأمريكي لإسرائيل؟ وهل هناك فعلا
امتعاض عربي رسمي وجديّ من جرائم الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني في غزة والتي
بات مشهدها يومي وعلى مرأى ومسمع الجميع؟
من الحماقة السياسية حصر الإجابة التي أصبحت من بديهيات
معرفة العقل العربي عن معادلة ارتماء البعض في حضن إسرائيل والخروج من خارطة
الصراع، أو التخندق ضمن مقولة فارغة بائسة عن "السلام" والتطبيع على
غرار شيء أفضل من لا شيء، والتي أوصلت القضية الفلسطينية لهذا الوضع الذي يضيق الخناق
وصولا لدرجة الحصار والتآمر على القضية وشعوب المنطقة العربية بعد اتضاح كل شيء؛
من التآمر على الثورات العربية إلى مؤامرات التطبيع وضياع القدس والضفة بالتهويد
والاستيطان، إلى الصمت المخزي بالعجز والعار أمام جرائم الإبادة الجماعية في غزة.
إذا، وبالحساب العقلي والمنطقي وبقانون الربح والخسارة،
هل التوجه المستمر نحو استلطاف المؤسسة الصهيونية والانبطاح العربي الدوني أمام
عنجهية أمريكية، وقبول تهديدها ونقل رسائلها؛ يشكل قاعدة أمان وسلام في المنطقة
وينهي حقبة تصعيد لم تتوقف؟
الضعف والعجز والأزمات التي تنخر بالنظام العربي لا تبرر
له المشاركة بالجريمة من خلال الصمت عنها وقبول أن يكون شُرطيا على حدود إبادة
أشقائه، والتكيف السلبي مع الوحشية الصهيونية سيرمي بأثقاله مجددا ليعصف بكل من هو
آيل للسقوط والاندثار. والأقدار القاسية التي يحاول الصهيوني فرضها بجرائمه
المتعددة ونشر الإرهاب على كل الجبهات؛ تتطلب الكف عن استخدام لغة عربية ناعمة،
وممارسة سياسة قاسية بوجه الإرهاب الحقيقي؛ لأن هذه النعومة لن توقف كرة الإرهاب
الصهيوني المتدحرجة على المنطقة كلها.
x.com/nizar_sahli