لا شك أن
اغتيال رئيس المكتب السياسي
لحركة المقاومة الإسلامية
إسماعيل هنية -رحمه الله- في طهران؛ شكل مغناطيس جذب
جديد وقوي للتضامن العربي والإسلامي والإنساني مع القضية الفلسطينية، والمحرقة
التي يتعرّض لها أهلنا غزة على مدى عشرة أشهر. ولكن بعيدا عن هذا الجانب وهو في
غاية الأهمية، فإن ما أودُّ الحديث عنه في هذا المقال هو طرح تساؤلات على هامش
اغتيال هنية في طهران والتخبط
الإيراني الذي لا يزال سيد الموقف، إذ جاءت المسارعة
الشديدة في الإعلان عن مقتله على وكالات الحرس الثوري الإيراني غريبة وغير مفهومة،
وهو أمر غير معتاد في مثل هذه الظروف، إذ يتم التمهيد له.
وزاد من التساؤلات
التخبط في سبب الاغتيال، ففي البداية كانت الرواية تركز على استهدافه بصاروخ من
طائرة، ثم انتقل الحديث إلى مقذوف مدفعية، ومعها كان الحديث على صفحات نيويورك
تايمز التي نقلت عن مسؤولين إيرانيين بأن العملية جرت بعبوة ناسفة زُرعت قبل شهرين
في الغرفة التي أقام فيها الشهيد وحارسه تقبلهما الله.
زاد من التساؤلات التخبط في سبب الاغتيال، ففي البداية كانت الرواية تركز على استهدافه بصاروخ من طائرة، ثم انتقل الحديث إلى مقذوف مدفعية، ومعها كان الحديث على صفحات نيويورك تايمز التي نقلت عن مسؤولين إيرانيين بأن العملية جرت بعبوة ناسفة زُرعت قبل شهرين
طبعا سيقول البعض إن هذه الرواية من
صحيفة أمريكية لا يُعتد بها، كونها أتت من جهة معادية، ولكن إصرار الجريدة التي
نقلت عن مسؤولين إيرانيين في يوميين متتاليين دون أن يصدر نفي أو تكذيب واحد، فضلا
عن مقايضة الصحيفة، من قبل الجهات الإيرانية، فهذا يعطي مصداقية لتقرير الصحيفة،
لا سيما مع غياب الرواية الإيرانية المتماسكة لعملية الاغتيال، ومنع أي تسريب من
غرفة إقامة الشهيد، لا صورة ولا مقطع فيديو، إن كان للغرفة أو للمقذوف التي تتحدث
إحدى الروايات الإيرانية عن مسؤوليته في اغتيال الشهيد، فقد مُنعت وسائل الإعلام
حتى اللحظة من دخول الغرفة، وهو الأمر الذي دفع البعض إلى الدعوة لضرورة تشريح
الجثة قبل دفنها لمعرفة الحقيقة الكاملة، لا سيما وأن الرواية الإيرانية أثبتت في
أكثر من مناسبة أنها غير موثوقة ولا يمكن الاعتماد عليها.
يبقى الأمر الأعجب بالنسبة لي وفي
حدود معلوماتي وخبرتي، التساؤل الذي يراودني وهو أين كان حراس هنية الإيرانيين خلال
فترة الاستهداف، إذ لم تعلن السلطات الإيرانية عن قتل أو جرح أحدهم، فهل يعقل
شخصية قيادية بهذا المستوى، لا يوجد حراس لها على باب الغرفة؟!
الصفعة القوية التي تلقتها إيران هذه
المرة تتعدّى فلسطين وتتعدّى حماية قيادي بحجم إسماعيل هنية، إنها صفعة ضربت
العنجهية الإيرانية في الصميم، الذي ثبت أنها عنجهية على الأبرياء في سوريا
والعراق واليمن، مما جعل الحادث من إيران جمهورية موز حقيقية، فمن سيجرؤ بعد اليوم
على الثقة بحماية الإيراني له؟ ليس على مستوى قادة المقاومة الفلسطينية وغيرها،
وإنما حتى على مستوى قادة ومسؤولي الدول بشكل عام، وتعزز هذا مع الإعلان عن اعتقال
إيران لأكثر من عشرين مسؤولا أمنيا وعسكريا، ومن بينهم قائد القوات الخاصة
الإيرانية على خلفية الاختراق الأمني، هذا الاختراق الذي وقع وحصل غير مرة، كان
أخطرها مقتل العالم النووي الإيراني الأبرز محسن زاده في وسط طهران، بالإضافة إلى
الغموض الذي لف مقتل الرئيس الإيراني نفسه ووزير خارجيته، دون تقديم إيران حتى
الآن رواية مقنعة ومتماسكة عن هذه العملية التي مسّت رأس الدولة.
أن تجري عملية الاغتيال لضيف بحجم إسماعيل هنية في ضيافة الحرس الثوري الإيراني، فهذه رسالة مباشرة للحكم الإيراني قبل غيره، عنوانها: لم تعد هناك خطوط حمراء، وأنكم جميعا في دائرة الاستهداف
وقبل أربعة أيام فقط من حادث اغتيال
هنية، كشف وزير الاستخبارات الإيراني سيد إسماعيل خطيب لوسائل إعلامية محلية عن
تفكيكه لشبكة عملاء من الموساد
الإسرائيلي الذين كانوا يستهدفون علماء، ويعملون
على تخريب منشآت إيرانية.
لقد خرجت إيران من هذه الصفعة أضعف
مما يُتصور، لا سيما وأن حلفاءها يشعرون بالقلق من اعتمادهم على حليف تم استهداف
ضيوفه الكبار في عقر داره ودرة تحصيناته الأمنية، إنه الحرس الثوري، أما على جانب
الخصوم والأعداء فسيدفعهم مثل هذا الحادي إلى الجرأة عليها أكثر فأكثر مما يزيد
ضعفها وسط الحاضنة والخصوم.
لقد ابتلعت إيران وحلفاؤها الإهانات
والصفعات التي وُجهت لهم في سوريا والعراق واليمن حين تم استهداف قادتهم ورموزهم
الكبار في تلك البلاد، وبررت إيران ذلك على أنها عمليات تجري خارج حدودها، وتمت من
خلال اختراق صهيوني للمنظومات الأمنية في تلك البلدان، وهو ما ظهر من الاتهامات
الإيرانية لبعض الأجهزة الأمنية السورية التي ساعدت في قصف السفارة الإيرانية في
دمشق وأدت إلى مقتل بعض كبار قادتها من الحرس الثوري، لكن أن تجري عملية الاغتيال
لضيف بحجم إسماعيل هنية في ضيافة الحرس الثوري الإيراني، فهذه رسالة مباشرة للحكم
الإيراني قبل غيره، عنوانها: لم تعد هناك خطوط حمراء، وأنكم جميعا في دائرة
الاستهداف والخطر، فماذا أنتم فاعلون؟!