الكتاب: الصراع في إسرائيل، دراسة في
المجتمع الإسرائيلي، وفسيفسائه الدينية، والحزبية، والعرقية، والطبقية
الكاتب: توفيق أبو شومر
الناشر: دار الكلمة للنشر والتوزيع، غزة-
فلسطين، 2021م
تزايدت حدة الصراع الداخلي في إسرائيل، صاحب ذلك ارتفاع مستوى العنصرية الإسرائيلية، وتواجه إسرائيل مجموعة من التحديات الداخلية، لا تقل خطورة عن التحديات الخارجية، ويعد الصراع الداخلي، من أبرز مظاهر هذا الكيان؛ كونها دولة عبارة عن تجمعات ليهود العالم، يشكلون فسيفساء متنافرة من الناحية الدينية، والحزبية، والعرقية، والطبقية.
وضع توفيق أبو شومر، دراسته التحليلية،
الصراع في إسرائيل حول طبيعة المجتمع الإسرائيلي، الذي يعد رغم عدم تجانسه، في
حالة من القوة والتجانس الشكلي، وجاءت الدراسة في مقدمتين، وتسعة فصول، تخللها حيز
كبير من التحليل، والإسقاطات التاريخية القيمة، ووصل عدد صفحات الكتاب نحو 315
صفحة من الحجم المتوسط.
راود الكاتب تساؤل منذ كان عمره 19 عاما،
لمحاولة فهم فسيفساء ذلك المجتمع، فكانت مقدمة فريدة من نوعها شيقة وممتعة؛ كونها
جاءت على شكل مقتطفات من مذكراته، الناتجة عن تجربة العائد إلى وطنه، ورؤيته
اليهود المتدنيين، الذين يشاهدون
الفلسطينيين يتعرضون للتفتيش القمعي من جنود
الاحتلال، والسعادة تغمر أولئك: "عندما عدت، قررت أن أبحث عن كل الكتب التي
تشرح شيئا عن هذا المجتمع العجيب الغريب" (ص5)، وتعجب شومر: "كيف تمكن
هؤلاء الإٍسرائيليون من الغزو الفكري الشخصي، وأفكار كثير من العرب، جعلوني أقتنع بأنهم أفضل من كل مواطني الدول العربية والإسلامية في النظام والقوة، حتى
العدالة؟!" (ص5).
أما في مقدمته الثانية يقول: "الصراع
قد يكون حالة
عرضية صحيحة، وقد يكون الصراع أيضا حالة مرضية، ولكنه في إسرائيل
تكتيك واستراتيجية" (ص11)، فالصراع في إسرائيل متعدد ومتجدد، وبين أقطاب
كثيرين، فهو بين المتدينين وغير المتدينين، وبين المتدينين أنفسهم، وبين اليسار
المتطرف والمعتدل، بين السفارديم والأشكناز، "كل أشكال الصراع صاغت من إسرائيل
دولة مجهولة الهوية، لم تفلح في بلورة صيغة واضحة لها، فلا دستور، ولا هوية، ولا
تعريف محدد لمواطنيها، فهي تستحق أن تلقب بجدار دولة الصراع" (ص14).
إن توحد الاتجاهات الصهيونية، أو إيقافها ليس مصادفة، وإنما هو جزء من الخطة الصهيونية، التي تقضي أولا بإبعاد النزعات الدينية الأصولية، إلى أن يتحقق الحلم الصهيوني باستيطان أرض الميعاد.
بينت دراسة الكاتب جذور الصراع، ففي الفصل
الأول الصهيونية، يقول لتوم سيغف: "نجت إسرائيل من فرن صهر الأجناس، الذي كان
معدا لقتل كل الإسرائيليين، وهم اليوم فسيفساء مختلفون" (ص19)، وطرح إشكالية
وجود المتدينين في الحركة الصهيونية، فعالج علاقة هرتسل بالمتدنيين؛ ليضع القارئ
أمام بذور الصراع الحالي داخل إسرائيل: "كان مؤسسو الصهيونية يحاولون أن
يبعدوها عن التيارات الدينية، بالإيحاء بأنها حركة الهلسكالاة، التي دعت إلى حرية
الأديان في المجتمع، التي حيا فيها اليهود بعيدا عن التيارات الدينية" (ص23).
لعبت الصهيونية على كل الحبال، وبخاصة حبل
الدين! ولذلك، كان لا بد من توحيد مؤقت للتيارات؛ "إن توحد الاتجاهات
الصهيونية، أو إيقافها ليس مصادفة، وإنما هو جزء من الخطة الصهيونية، التي تقضي
أولا بإبعاد النزعات الدينية الأصولية، إلى أن يتحقق الحلم الصهيوني باستيطان أرض
الميعاد"(26)، لذلك لازالت عقيدة الاستيطان، الشعيرة الدينية الأولى، التي
ركزت عليها كل الاتجاهات الدينية، كون الاستيطان فرضا من فروض الدين لديهم.
لخص هرتسل دور المتدينين: "لن نسمح
بظهور أي نزاعات، ثيوقراطية لدى سلطاتنا الروحية، وسوف نعمل على إبقائها داخل
الكنيس، وإذا حاول المتدينون التدخل في شؤون الدولة، فسوف يلاقون مقاومة
عنيدة" (ص33)، فهو يعدّ المشكلة اليهودية ليست اجتماعية أو دينية، إنها
مسألة دقيقة، يجب النظر إليها كمشكلة سياسية دولية، ودور الحاخامات تكريس جهودهم
لخدمة هذه الفكرة.
كشفت دراسة الكاتب، أن الكيان يموج في
صراعات دينية متعددة، حسب ما جاء في الفصل الثاني، تحت عنوان الصهيونية الدينية،
وتناول فيه حركة مزراحي، وهبوعيل مزراحي، وحزب المفدال، غوش أيمونيم.
لم تكتف الصهيونية بالبحث عن حاخام، أو أكثر
ليجلس على منصة المؤتمرات الصهيونية الأولى، "الصهيونية هي عربة النقل التي
يركبها يهود العالم، أو هي كما أسماها المتدينون بعد ذلك، حمار الماشيح، بل حولت
تيارها الديني، وأشركت هذا التيار في الحكومات الأولى كمساعدين للرواد الأوائل من
الإشنكازيم، أما حزب المفدال الذي أخذ يسير نحو التشدد بعد تعاونه مع بيغن،
وحصوله عام 1977م، على اثني عشر مقعدا، فقد عمل على الحيلولة دون تأسيس دولة
فلسطينية، واعتبار الاستيطان فريضة دينية" (ص43).
أما منظمة غوش أيمونيم، التي تعد وريث تيار
الصهيونية الدينية، اعتبرت، "أن كل البلاء الذي يصيب إسرائيل، ناتج عن الثقافة
الغربية، فالثقافة الغربية لا تصلح للمجتمع اليهودي؛ لذلك يجب إقامة الشريعة
الهلاخاة اليهودية" ( ص47)، لذلك يعدّون أن دور الصهيونية العلمانية قد
انتهى، وعليهم إخلاء مواقعهم للمتدينين.
رصد الفصل الثالث، طائفة الحاريديم،
والحاسيديدم واللتيونيون، والحركات الحريدية السياسية، واقتبس عن التملود"
هناك سبعون أمة تعيش على الأرض أقدسها إسرائيل، وأقدس قبائل إسرائيل اللاويون،
وأقدس اللاويين الكاهن الأكبر" ( ص50).
انشقت جماعة ناطوري كارتا عن أغودات
عام1935؛ بسبب مفاوضات الأخيرة مع الصهاينة، وناطوري كارتا ليست مجموعة واحدة، بل
عدة مجموعات مقرها حي مائة شعاريم، "هم أعداء الصهيونية لا يؤمنون بالحضارة
الحديثة، ولا يستعملون الكهرباء والساعات، يتهمون الصهيونيين بأنهم خالفوا عهود
الرب الثلاثة، وهي ألا يحاولوا احتلال إسرائيل بالقوة، ألا يستعجلوا الخلاص
النهائي، ألا يسبب الآلام للأغيار" (ص60).
الصهيونية هي عربة النقل التي يركبها يهود العالم، أو هي كما أسماها المتدينون بعد ذلك، حمار الماشيح، بل حولت تيارها الديني، وأشركت هذا التيار في الحكومات الأولى كمساعدين للرواد الأوائل من الإشنكازيم.
حذر الكاتب من خطورة الأصولية اليهودية، ففي
الوقت الذي يشن العالم حربا على الأصولية الإسلامية، فإن كثيرا من الكتاب
والمفكرين يرون في الأصولية اليهودية تهديدا للديمقراطية في العالم "أشد
الأصوليات تطرفا في التاريخ، وإذا نجح الأصوليون اليهود فستؤسس المملكة اليهودية،
حينئذ لن تكون واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط كما يصفها الأمريكيون؛ لأنها
ستطبق السيادة الإلهية، المملوءة بالقسوة والتعصب، وسيقتصر تفسير الشريعة على
الحاخاميين"(ص72).
كما ركز الكاتب على اليسار الإسرائيلي،
ومكوناته، وحمل الفصل الرابع عنوان الصراع في اليسار، فتناول فيه المؤرخين الجدد،
والصراع حول قضايا المجتمع، والتشكيك في الصهيونية، والهجرة العكسية منها، ورافضي
الخدمة العسكرية، واضمحلال الحركية الكيبوتسية.
هذا، ولا يختلف اليسار عن اليمين في إسرائيل،
فيما يتعلق بقضايا الصراع العربي- الإسرائيلي وموقفهم من الحقوق الفلسطينية، فمن
مبادئهم وجوب الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولن تكون هناك دولة فلسطينية
غرب نهر الأردن، بل يمكن أن يكون هناك هيكل لدولة هزيلة تابعة للأردن أو مصر فقط (ص81).
جاء ظهور تيار المؤرخين الجدد ليزيد من
الصراع، الذي يمثل تيارا يساريا أكاديميا جديدا، مناهضا للمؤرخين الذين اعتنقوا الرواية
الصهيونية، فقام المؤرخون الجدد بتصحيح مسار التاريخ الإسرائيلي من منطلقات البحث
الأكاديمي، ومن أبرز الروايات التي تصدوا لها؛ " إن الإسرائيليين الأوائل،
الذين أسسوا الاستيطان، كانوا مجموعة من الأبطال الأخلاقيين المثاليين، الذين
أرادوا تأسيس علاقات طيبة مع جيرانهم العرب، غير أن الفلسطينيين شنوا عليهم
حربا" (ص83)، حتى إنهم شككوا في التاريخ اليهودي برمته، وهذا السبب في إطلاق
تسمية تيار ما بعد الصهيونية عليهم، فأنكر هرتسوغ" وجود شعب إسرائيل في مصر، وهو ينكر التيه في سيناء، ولم تحتل فلسطين بحملة عسكرية ولم تقسم إلى اثني عشر سبطا! (ص87).
أوضحت الدراسة أن تيار "المؤرخون الجدد" آخذ
في الاحتضار، فبني موريس عندما طرد من عمله عقابا له على موقف السابق، وحين عاد
وندم على ذلك، عين في جامعة بن غوريون" لم يفهم القارئون كتابي، فأنا صهيوني
على الدوام، صحيح حدثت جرائم اغتصاب عام 1948م للفلسطينيات في عكا، ونفذ
الإسرائيليون أربعا وعشرين مجزرة... لا يمكن أن تصنع عجينة دون أن تكسر البيض! يجيب
أن توسخ يديك، فلو كنت موجودا آنذاك، لما أحسست بوخز الضمير، فأنا أؤيد
الترانسفير" (ص103).
طرح شومر أهم قضايا الصراع في الفصل الخامس،
ومما جاء فيه: "ليس بمقدور عائليتين يهوديتين أن تتزوجا من بعضها، بسبب
الاختلاف في طقوس الطهارة!، ولا يمكن لاثنين من اليهود تأدية طقوس السبت معا!
وليس باستطاعة الجميع تربية أولادهم سويا!"، أي الخلاف والصراع صفة أساسية
فيهم، فاليهودية ليست عنصر توحيد، بل تفريق.
فرض التجنيد على كل الذين يبلغون الثامن
عشر، غير أن حزب أغودات طلب من بن غوريون، إعفاء بعض طلاب اليشيفوت من الخدمة
العسكرية، تحت حجة أعداد حاخامات جدد، ولكن السبب الحقيقي" عدم رغبتهم في
الاختلاط مع العلمانيين، اعتاد المتدينون أن يتظاهروا بالجنون عند المقابلة
للتجنيد، فكانوا يتركون لعابهم يسيل حتى يحصلوا على الإعفاء" (ص131).
يعد الصراع على الدستور والهوية من القضايا
الخلافية، التي تضرب في الكيان، فلا يوجد اتفاق حول صياغة دستور لعدة أسباب: "الدستور يثبت دولة إسرائيل، وفق الصياغة الصهيونية الأولى، أي دولة يهودية
علمانية، أي يجوز أن يكون اليهودي فيها غير يهودي دينيا، ويرفض الحاريديم إضفاء أي
طابع علماني على الدولة"(ص151)، ولا يزال يشكل الدستور انقساما خطيرا في
إسرائيل، خاصة بعدما أصبح للحاريديم وزن، ويحسب لهم ألف حساب.
طفى على السطح صراع آخر بين باحثي الآثار،
شكلت مدينة القدس بؤرته، فدار خلاف بين باحثي الآثار الأكاديميين، والحاريديم،
فباحثو الآثار اليساريون، أقروا بأن القدس كانت محصنة قبل داوود، وهي مدينة
كنعانية حصينة قبل 800 عام من احتلال داوود لها، وبناء على ذلك، أوصى علماء الآثار
إلى وجوب تغيير التاريخ!!، الأمر الذي رفضه حزب المفدال: "هذا كلام فارغ،
فداوود هو الذي حولها إلى عاصمة" (ص172).
تفشى التفرق والتميز في دولة العنصرية ضد
الأغيار واللاسامية بصورة ملموسة، تمثلت حيثيات هذا الصراع في الفصل السابع:"
ليهلك كل العرب، ليفنى نسلهم جميعا، محظور الترحم عليهم، يجب تصفيتهم بصواريخ على
كيف كيفك" عوفاديا يوسيف" (ص223).
وضع الكاتب نماذج متعددة لدعوات الحاخامات لإبادة الفلسطينيين، وتنفيذ تطهير عرقي للفلسطينيين: "سيأتي الماشيح، وسيرسل
كل العرب إلى جهنم، لماذا لا يفعل شارون
ما يجب أن يفعله، إنه يخاف من شعوب العالم، العرب كالنمل يتكاثر في البلدة
القديمة" ( ص230)، وصل التطرف ذروته لدى حزب المفدال: "حين يقتل مخرب
مواطنا إسرائيليا، فإن مصاريف سجن القاتل تكلفنا من ميزانية الدولة ثلاثة
وثلاثين ألف شيكل مصاريف سجنه، غير أن رصاصة واحدة تكفي لتوفير المبلغ، ونحن
مستعدون لدفع ثمن الرصاصة" ( ص232)، وعن إباحة سرقة شجرة الزيتون: "الأيادي اليهودية
التي قطفت الزيتون الفلسطيني، أياد يهودية مخلصة، فما أروع إشعال قنابل الأنوار
بهذا الزيت، بدل القطف على بطولة شباب إسرائيل من الحاخاميين" (ص233).
إذا نجح الأصوليون اليهود، فستؤسس المملكة اليهودية، حينئذ لن تكون واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط كما يصفها الأمريكيون؛ لأنها ستطبق السيادة الإلهية، المملوءة بالقسوة والتعصب، وسيقتصر تفسير الشريعة على الحاخاميين.
يشير شومر في الفصل الثامن، إلى سرقات
الحاريديم وصراعاتهم، الذين قاموا بالممارسات الشنيعة في مجال سرقة ممتلكات
إسرائيلية، عبر التضليل واستخدام الأباطيل الدينية: "قامت مراقبة الدولة بفحص
ميزانيات واحد وعشرين مجلسا دينيا، تبين من الفحص أن ثمانية عشر مجلسا، تجاوزت
ميزانيتها ما حصلت عليه، هذا يدل على أن تلك المجالس قدمت للسلطات مشاريع أكثر
بكثير مما تحتاجه، هذه المشاريع تحمل تصديق وزارة الأديان التي تسيطر عليها شاس،
والمفدال، إذن تعد وزارة الأديان شريكا في الاحتيال" (ص248).
لم يستطع الكاتب إغفال التطرق إلى أبشع
الفتوى، فيما يسمى بدولة واحة الديمقراطية، وتدخل تلك الفتوى ضمن كره غير اليهود،
وهرطقات الحاريديم، ونصت الفتوى على: "لفّ جثث المقاومين الفلسطينيين بجلود
الخنازير، حتى لا يدخلوا الجنة؛ لأن الخنزير نجس في الدين الإسلامي، ومن يلف بجلده
لن يدخل الجنة" (256)، وذلك ما فعلته بريطانيا ضد المسلمين.
أنهى الكاتب دراسته حول الصراع السياسي
الفلسطيني ـ الإسرائيلي، فيعد الاستيطان ركيزة أساسية لدى التيارات الإسرائيلية
المتصارعة كافة، فيقول: "يستولي بعض اليهود على المكان المرغوب فيه، بغض النظر عن
ملكية المكان، في الغالب لا يكون عشوائيا، بل هو مدروس بعناية من قبل المختصين، أو
بإشارة من حاخامات يشع أو التيارات اليمينية الأخرى" (ص267)، وقام الحاريديم
في الاستيطان "ينفذ الحاريديم عمليات الاستيطان، والاستيلاء على الأراضي يوم
السبت، مع أن عقوبة خرق السبت وفق تعاليم الدين تكون القتل، غير أنهم وجدوا فتوى
تبيح لهم العمل في السبت؛ لتطبيق فريضة الاستيطان الدينية، باستخدام العمال غير
اليهود " (ص270).
امتزج الاستيطان والمسيحية الصهيونية، ووصلت
أعداد كبيرة من المهاجرين اليهود إلى إسرائيل، بدعم سخي من اللجان الإنجيلية
المسيحية "من المعروف أن المسيحيين الصهاينة، وهم فرع من الكنيسة الأرثوذكسية
يؤمنون بأن الخلاص النهائي المتوج بقدوم الماشيح مرتبط بالاستيطان، ولن يتحقق
الخلاص النهائي إلا بعد اكتمال الاستيطان" (ص293)، ولذلك استغلت إسرائيل هذه
الطائفة؛ لتصبح من أكبر ممولي الحركة الاستيطانية، خاصة مع تولي دونالد ترامب رئاسة
الولايات المتحدة الأمريكية.
تمارس اليوم إسرائيل الترانسفير الذكي بحق
الفلسطينيين عبر السيطرة على البيئة والمياه للتحكم بحياة الفلسطينيين "الملف الأكثر اهتماما في ألفيتنا الراهنة، وهو مقدم على السياسية وفنونها، فهو
الملف الأخطر؛ لأنه ملف الحياة المستقبلية؛ لأن البيئة لا تعترف بالحدود
الجغرافية، ولا برايات الأوطان والأحزاب" (ص288)، إن انتهاك إسرائيل للبيئة
يعادل انتهكاها لحقوقنا المشروعة، وهو الملف الأخطر لو أحسنا توظيفه، فإسرائيل
تسيطر على 85% من مخزونات المياه في الضفة الغربية، ثم إن إسرائيل تبيع المياه
للفلسطينيين، والمياه المسروقة منهم، ألا يوجد جريمة في التاريخ أكبر من ذلك!!
أما عن مصادر ومراجع الكاتب، فهي متنوعة، ما
بين العربية والمترجمة عن المراجع الإسرائيلية، وألزم نفسه الحذر الشديد في النقل
عنهم، والاقتباس منهم، فبعض المؤلفات غير العربية التزمت الحذر في حديثها عن
اليهود، خشية أن تتهم باللاسامية، ولكنه استند إلى مؤلفات اليهود المتنورين
الملتزمين، أو ما يعرف بالمؤرخين الجدد، أمثال إيلان بابه، وإسرائيل شاحاك، وتوم
سيغف، إلى جانب متابعة الصحف الإٍسرائيلية منذ عام 1993م، التي كانت أشبه بأرشيف
تجمع لدى الباحث عن موضوع دراسته.
خلصت الدراسة للقول؛ إن الخلاف والصراع بين
الأقطاب الإسرائيلية، أخذة في التفاقم، وتضرب بالعمق، خاصة عندما يتعلق الأمر
بتسوية القضية الفلسطينية، وإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تفرض علينا طبيعة
فسيفساء الكيان، وأنواع الانقسامات الدينية والإثنية والأيدولوجية التي تعصف به،
مراقبتها وتحليلها بعمق، فالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي مرتبط أشد الارتباط بتطور
الأوضاع الداخلية في إسرائيل، فتلك الأوضاع تعد محددا مهمّا ليس للوضع الفلسطيني، ولكن للوضع العربي برمته.