بدأ العديد من الدول تقليل الاعتماد على النقود الورقية، لا سيما الغرب، وأبرز هذه التجارب تجربة
السويد، لكن ذلك لا يخلو من مخاطر، أبرزها
الجرائم المالية.
نشر موقع "
بلومبيرغ" تقريرا قال فيه؛ إنه على الرغم من أن الجرائم المالية لم تحظَ باهتمام الصحف أكثر من تصاعد أعمال العنف المسلح المرتبط بالعصابات، إلا أنها أصبحت خطرا متزايدا على الدول. وتُعد السويد حالة اختبار مهمة في مكافحة الجريمة غير النقدية؛ لأنها قطعت شوطا في التخلي عن النقود الورقية أكثر من أي بلد آخر في
أوروبا تقريبا.
وأفاد الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي 21"، أن جرائم
الاحتيال عبر الإنترنت والجرائم الرقمية ارتفعت في السويد؛ حيث استولى المجرمون على 1.2 مليار كرونة في سنة 2023 من خلال عمليات احتيال، وهو ضعف ما تمت سرقته سنة 2021. وتقدر وكالات تنفيذ القانون أن حجم
الاقتصاد الإجرامي في السويد، قد يصل إلى 2.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
ولمواجهة موجة الجرائم الرقمية، قامت السلطات السويدية بالضغط على البنوك لتشديد الإجراءات الأمنية، وتصعيب الأمر على المجرمين البارعين في مجال التكنولوجيا، ولكن هذا الأمر يتطلب موازنة دقيقة. فالمبالغة في ذلك قد يؤدي إلى إبطاء الاقتصاد، بينما قد يؤدي التقاعس إلى تآكل الثقة والإضرار بالأعمال التجارية المشروعة.
وأشار الموقع إلى أنه باستخدام شبكات معقدة من الشركات المزيفة، وتزوير المستندات للوصول إلى نظام الرعاية الاجتماعية في السويد، جعل المحتالون المتمرسون من السويد "وادي السيليكون لريادة الأعمال الإجرامية"، كما يقول دانيال لارسون، وهو مدع عام أول في مجال الجرائم الاقتصادية.
ونقل الموقع عن لارسون قوله؛ إنه في حين أن صدمة العنف المسلح قد استحوذت على اهتمام الرأي العام - حيث تضاعف معدل جرائم القتل بالأسلحة النارية في البلاد ثلاث مرات بين سنتي 2012 و2022 - فإن الجريمة الاقتصادية تكمن وراء نشاط العصابات، ويجب التصدي لها بالقوة نفسها.
وقال لارسون: "لقد كان ذلك خطأ استراتيجيّا. إن هذه الجريمة المدرة للربح، هي التي تغذي الجريمة المنظمة، وفي بعض الحالات، تؤدي إلى هذه الصراعات."
وذكر الموقع أن السويد بدأت في التحول إلى استخدام النقد الإلكتروني بعد موجة من عمليات السطو المسلح في التسعينيات، وبحلول سنة 2022، قال 8 بالمائة فقط من السويديين؛ إنهم استخدموا النقد في آخر مشترياتهم، وفقا لمسح أجراه البنك المركزي.
وإلى جانب جارتها النرويج، تمتلك السويد أقل عدد من أجهزة الصراف الآلي للفرد في أوروبا، وفقا لصندوق النقد الدولي.
وأوضح الموقع أن انتشار نظام بنك آي دي، يؤدي دورا في ضعف السويد. ويعمل النظام مثل التوقيع عبر الإنترنت. وإذا تم استخدامه؛ فإنه يعدّ صفقة منتهية ويتم تنفيذ المعاملة على الفور. فقد تم تصميمه من قبل البنوك السويدية؛ لجعل المدفوعات الإلكترونية أسرع وأسهل من تسليم كومة من الفواتير.
وبحسب الموقع، فمنذ الإطلاق الأصلي لهذا النظام في سنة 2001، أصبح جزءا من الحياة اليومية في السويد. وفي المتوسط، يتم استخدام هذه الخدمة - التي تتطلب رمزا مكونا من ستة أرقام أو بصمة الإصبع أو مسح الوجه للمصادقة - أكثر من مرتين يوميّا من كل سويدي بالغ، ويشارك في كل شيء، بدءا من تقديم الإقرارات الضريبية إلى دفع ثمن تذاكر الحافلات.
وأضاف الموقع أن الهدف منه كان في الأصل، أن يكون منتجا من قبل البنوك لعملائها، ثم انتشر استخدامه في سنة 2005 بعد أن اعتمدت وكالة الضرائب السويدية هذه التقنية، وسيلة تعريفية للإقرارات الضريبية، مما منحها ختم الموافقة الرسمية من الحكومة. وقد أدى إطلاق خدمة بنك آي دي على الهواتف المحمولة في سنة 2010 إلى زيادة الاستخدام بشكل أكبر، إلى جانب التصور العام الذي ربط بين النقد والإجرام.
وقد أقر البنك المركزي في البلاد، بأن بعض هذه الدلالات ربما تكون قد تجاوزت الحد؛ حيث قال محافظ بنك ريكسبانك إريك ثيدين لوكالة بلومبيرغ: "يجب أن نكون واضحين للغاية، أنه لا يزال هناك أشخاص نزيهون يستخدمون النقد".
وأشار الموقع إلى أن بنك آي دي يدار من اتحاد من المقرضين من القطاع الخاص في البلاد، بما في ذلك سويد بنك إيه بي وإس إي بي وهاندلس بانكن. وقد تم تنفيذ عدد من التغييرات لتحسين أمنه؛ حيث تدرس الحكومة احتمالات تقديم بطاقة هوية رقمية صادرة عن الدولة.
ونقل الموقع عن بيورن يوهانسون، رئيس قسم منع الاحتيال الجماعي في بنك السويد، قوله: "هناك عمل متفان يجري في جميع أنحاء القطاع المصرفي لوقف المحتالين، ولكن على الشرطة والجانب السياسي وقطاع الاتصالات القيام بدورهم".
ولا يقتصر الأمر على عمليات الاحتيال على المستهلكين فقط، فقد اعتمدت الوكالات الحكومية تطبيق بنك آي دي لتسهيل إنشاء أعمال تجارية مشروعة في السويد، وهو ما مكّن المحتالين من تنفيذ عملياتهم على هذه الوكالات أيضا. وقد استخدم البعض شركات وهمية مع جداول رواتب زائفة لغسل الأموال. ومن خلال مثل هذه المخططات؛ يمكن للمجرمين المنظمين تحويل الدخل من الاحتيال ومبيعات المخدرات، إلى أداة للحصول على قروض مصرفية، واستخراج مدفوعات من نظام الرعاية الاجتماعية.
ووفق الموقع، قال لارسون، المدعي العام السويدي: "هذا يعني أنه يمكنك تحقيق أرباح من الجريمة، ومن ثم الحصول في النهاية على معاش تقاعدي من الدولة بناء على هذا الدخل. إن هذا أمر مهين للغاية".
وذكر الموقع أن حالات الاحتيال في الإعانات المبلَّغ عنها زادت في العقد الماضي، من أقل بقليل من 9000 حالة في سنة 2014 إلى أكثر من 23000 حالة في سنة 2023، وفقًا للمجلس الوطني السويدي لمنع الجريمة. وفي إطار جهودها الرامية إلى تضييق الخناق على الجريمة، أنشأت الحكومة وكالة جديدة هذا العام، تركز فقط على تتبع مدفوعات الإعانات الاجتماعية الخاطئة.
وأوضح الموقع أنه مع تزايد حجم المشاكل؛ تقوم البنوك بإدخال تدابير تسمح بطبقات إضافية من الأمان، بما في ذلك اشتراط موافقة طرف ثان موثوق به للتحويلات الكبيرة. ولكن في معظم الأحيان، تكون هذه الإجراءات طوعية؛ حيث يحتاج المستخدمون إلى الاشتراك لإعداد تفويض على مرحلتين أو تأخير المدفوعات.
وقال بيتر جورانسون، كبير مستشاري الأمن في جمعية المصرفيين السويديين؛ "إنه سعي مستمر لإيجاد التوازن الصحيح بين سهولة الوصول والأمان. وستكون هناك حالات ستكون فيها التحويلات أبطأ -وهذا ما يحدث بالفعل-، ولكن هذا هو العالم الذي نعيش فيه، وأعتقد أن هناك تفهما بين العملاء لذلك".
واختتم الموقع تقريره مشيرا إلى أن هذا التطور أدى إلى دعوات للبنوك لتحمل حصة أكبر من العبء، عندما يتعرض عملاؤها للاحتيال. وفي النصف الثاني من سنة 2023، لم يتحمل مقدمو خدمات الدفع سوى حوالي 10 بالمائة من الفاتورة، وقالت هيئة الرقابة المالية في البلاد؛ إن السويد قد تحسن صنعا إذا ما اتبعت مثالا من المملكة المتحدة، التي ستطلب من البنوك اعتبارا من تشرين الثاني/ نوفمبر أن تسدد للعملاء الذين تعرضوا للاحتيال في إجراء التحويلات.