أثار غياب الرد الرسمي المصري على قيام سلطات
الاحتلال الإسرائيلي بحرق
معبر رفح على الجانب الفلسطيني، سواء على المستوى الدبلوماسي أو الدولي، العديد من التساؤلات حول موقف القاهرة من هذا التصعيد.
يأتي ذلك في وقت كانت فيه الأنظار تتجه نحو ردود الفعل المحتملة من قبل مصر، باعتبارها الطرف الآخر في المعاهدات والمواثيق الموقعة مع إسرائيل التي لا تجيز مثل تلك التحركات العدوانية التي من شأنها أن تمس السيادة المصرية.
صمت مصر حيال هذه التطورات، بحسب خبراء ومراقبين، يثير الكثير من التساؤلات حول مدى قبولها بالأمر الواقع، وسيطرة الاحتلال الكاملة على المعبر بما يخالف جميع الاتفاقيات الثنائية، مثل اتفاقية كامب ديفيد وملحقها اتفاق فيلادلفيا.
عدم اتخاذ مصر لأي خطوات ملموسة للدفاع عن حقوقها المستمدة من قوة المعاهدات والمواثيق والتأكيد على التزامات الطرفين بالمعاهدات الموقعة يفتح بابا للنقاش حول التبعات المستقبلية لهذه المواقف وانعكاساتها على العلاقات الثنائية والإقليمية.
تجاهلت سلطات الاحتلال كل الدعوات والمناشدات المصرية والدولية بعدم اقتحام مدينة رفح في آيار/ مايو الماضي إلا أنها ضربت بها عرض الحائط، وشنت عملية عسكرية ضروسا وأجلت أكثر من مليون فلسطيني من المدينة.
وامتدت سيطرة قوات الاحتلال إلى
محور فيلادلفيا (صلاح الدين) واحتلت مساحة كبيرة من الشريط الحدودي بما فيه معبر رفح ثم إحراقه بالكامل دون أدنى رد فعل مصري أو دولي.
وأفادت إذاعة جيش الاحتلال الإسرائيلي، قبل أيام، أن معبر رفح لم يعد صالحًا للاستخدام بعد تدمير الجانب الفلسطيني منه بالكامل.
وأظهر مقطع فيديو نشرته الإذاعة عبر منصة "إكس" حجم الدمار الذي ألحقه جيش الاحتلال الإسرائيلي بالمعبر، حيث تم تسوية القاعة الرئيسية بالأرض وتدمير المباني المحيطة.
محور فيلادلفيا، أو محور صلاح الدين، هو شريط حدودي بين مصر وقطاع
غزة يمتد داخل القطاع بعرض مئات الأمتار وطول 14.5 كيلومترًا من معبر كرم أبو سالم حتى البحر المتوسط.
هذا المحور هو جزء من المنطقة الحدودية التي تقع ضمن الأراضي الفلسطينية بموجب اتفاق فيلادلفيا الذي وقعته إسرائيل مع مصر في أيلول/ سبتمبر 2005، بعد انسحابها من قطاع غزة.
وأدت سيطرة الاحتلال على معبر رفح إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع، بسبب منع دخول الغذاء والوقود وتوقف حركة مرور المرضى والجرحى لتلقي العلاج في الخارج، مع خروج معظم مستشفيات القطاع عن الخدمة.
وفي وقت لاحق، نفى مصدر مصري رفيع، صحة الأنباء المتداولة عن موافقة القاهرة على المشاركة بقوة عربية للسيطرة على معابر قطاع غزة.
وحمل المصدر عبر قناة "القاهرة الإخبارية" إسرائيل مسؤولية غلق المعابر مع قطاع غزة وحصار القطاع، وتدهور الأوضاع الإنسانية بغزة وتجويع أكثر من مليوني فلسطيني.
وأضاف المصدر لـ"القاهرة الإخبارية" أن "إسرائيل تسعى لتحميل مصر مسؤولية عدوانها على قطاع غزة واحتلالها منفذ رفح الفلسطيني، وإذا كانت ترغب في فتح المنفذ، فعليها الانسحاب منه ووقف عملياتها العسكرية هناك".
رمزية حرق المعبر.. سياسة نيرونية
اعتبر الكاتب والمحلل الفلسطيني والرئيس السابق لحملة التضامن مع فلسطين، الدكتور كامل حواش، أن "رمزية إحراق المعبر وتدميره هو تحويل غزة إلى سجن حقيقي فليس هناك أي منفذ لا تتحكم به دولة الاحتلال. كان من الممكن لمصر في بداية الحرب أن تصر على إدخال المساعدات لغزة من المعبر لكنها رضخت لتحذير إسرائيل وقتها".
وأوضح في حديثه لـ"عربي21": أن "قطاع غزة أصبح سجنا ولم تعد تربطه بالعالم الخارجي أي وسيلة تواصل، وإسرائيل ترفض عبور وإدخال المساعدات وتسمح للمستوطنين بإتلافها إن دخلت، كما فشل الميناء المؤقت في إيجاد بديل للمعابر بل تم استغلاله لدس جنود أمريكان والهجوم على مخيم النصيرات الذي استشهد به مئات الفلسطينيين لتحرير أربعة أسرى".
وبشأن مسؤولية مصر إزاء حرق وتدمير معبر رفح واحتلال محور فيلادلفيا، أكد حواش أن "على القاهرة مسؤولية كبيرة لفرض سيادتها على المعبر الحدودي بشكل كامل، وإعلان رفضها احتلال إسرائيل له ولكن ليست هناك بوادر لذلك".
هل تم شراء الموقف المصري؟
يرى الباحث في الشؤون الأمنية، أحمد مولانا، أن "حرق معبر رفح هو رد على رفض مصر إعادة تشغيل المعبر. خلال شهر يونيو الجاري، فشل اجتماع مصري أمريكي إسرائيلي عُقد بالقاهرة لبحث إعادة تشغيل معبر رفح في الوصول لاتفاق نظرا لرفض الاحتلال السماح بأي مشاركة للسلطة الفلسطينية في تشغيل المعبر".
وأوضح لـ"عربي21": "ومن الملفت أنه عقب الاجتماع ببضعة أيام أحرق جيش الاحتلال كافة مباني معبر رفح من الجانب الفلسطيني، في رسالة استخفاف جلية بمصر التي أصبحت قزما بلا وزن من خلال القيادة السياسية الحالية".
وشدد مولانا على أن "الهدف من حرق المعبر هو إحكام حصار غزة بمنع أي منافذ له خارج سيطرة إسرائيل، وقد بدأ الإسرائيليون في تدشين طريق يربط بين معبر رفح ومعبر كرم أبوسالم"، مشيرا إلى أن "النظام المصري لا يملك شكوى الاحتلال لأنه متواطئ مع إسرائيل منذ بداية الحرب، وقبض مقابل ذلك 60 مليار يورو من الإمارات وصندوق النقد والاتحاد الأوروبي".
أثمان باهظة للقضاء على المقاومة
وصف رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري، الدكتور عمرو عادل، الحرب على غزة بأنها "ممنهجة"، قائلا: "منذ بداية الحرب في فلسطين والاتجاه العام لغالب النظم العربية هو دعم الكيان الصهيوني للقضاء على المقاومة في غزة، لأنهم يعتبرون حتما أن الخطر الوجودي على أنظمتهم ليس من الكيان الصهيوني ولكن من فكرة المقاومة التي أنتجتها حركات المقاومة في قطاع غزة وخاصة مع العملية المعجزة التي حدثت في السابع من أكتوبر".
ودلل في حديثه لـ"عربي21": بأن "مظاهر هذا التحالف الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني لا تحصى لوضوحها الشديد وآخرها الدعم الجوي بالمعاونة في صد الهجوم الصاروخي الإيراني وفي الاجتماعات التنسيقية الأمنية والاستخباراتية وربما العملياتية وآخرها المعلن عنها في البحرين. لذلك فرؤية ما يحدث في محور فيلادلفيا لا بد أن تكون تحت هذه المظلة".
واعتبر الضابط السابق بالجيش المصري أن "الهدف هو سحق المقاومة والأداة المباشرة هي جيش الاحتلال الصهيوني، ولذلك سيستمر دعم النظم العربية إلى ما لا نهاية للكيان الصهيوني بكل الإجراءات والوسائل الممكنة فلا توجد أزمة في خرق السيادة المصرية أو اقتحام المعبر أو قتل عشرات الآلاف ما دامت هذه الإجراءات تسير لتحقيق الهدف الاستراتيجي للمحور المتصهين العربي".