ما يزال الكلام جاريا حول خطة أمريكية لإخراج القوات الروسية أو التي
ترعاها
روسيا، حيث توجد في وسط وجنوب
ليبيا. وأثير الموضوع مرة أخرى مؤخرا بنقل
بعض المصادر الإعلامية وغيرها أن الأمريكان يشرفون على تدريب قوة معظم عناصرها من
الغرب الليبي بهدف تحريكها لطرد القوات المدعومة من روسيا من البلاد. واتجهت بعض
التحاليل إلى التأكيد على أن الاجتماعات التي ضمت عسكرييين وأمنيين داخل ليبيا
وخارجها وشارك فيها قيادات من قوات الأفريكوم الأمريكية وحضرها أمنيون أفارقة إنما
تصب في هذا الاتجاه.
بداية من المهم التذكير أن الموضوع طرح على طاولة البحث والنقاش منذ
سنوات، وتحديدا بعد الحرب التي شنها حفتر على الغرب الليبي ولعب فيها مرتزقة فاغنر
دورا حيويا، ونقلت بعض المصادر المطلعة أن البريطانيين كانوا وراء خطة إخراج الروس
عبر عمل عسكري ليبي مدعوم من الخارج، وبحسب بعض المصادر فإن شخصيات بريطانية
عسكرية ودبلوماسية رفيعة ناقشت هذا المقترح مع مسؤولين في حكومة الوفاق في نهاية
عهدها، إلا أنها لم تجد استجابة منها.
المصادر الأجنبية والليبية التي تحدثت عن تشكيل فيلق ليبي يشرف على
تدريبه أمريكان إنما هو ثمرة لهذا الحراك، والغاية منه أن يقوم بعمل عسكري لإفشال
المخطط الروسي في تكريس وجودهم في وسط أفريقيا من خلال البواية الليبية.
التحدي أمام هذه الخطة، في حال التأكد من صحتها، هو في كيفية وصول
القوة الجديدة، "الفيلق الليبي"، إلى المناطق التي يوجد فيها الروس في
وسط وجنوب البلاد، والضمانات لأن تحقق الهدف منها، والأهم من ذلك هي التداعيات
المحتملة والتي ستنجم عن هذه المواجهة.
الروس يتمركزون في المناطق التي تقع تحت نفوذ خليفة حفتر، وهم يشكلون
سندا وضمانة مهمة له في مشروعه العسكري، والجزم بأن الأمريكان يخططون لإخراج الروس
بالقوة يقتضي أولا تحييد حفتر، عبر تفاهمات، أو ضغوط، وهو ما لم يقع حتى هذه
اللحظة، ولن يقع دون أن يقبض حفتر ثمنا مجزيا، والثمن لن يكون إلا تسهيل تمرير
نفوذه وسلطته إلى كافة ربوع ليبيا عبر ترتيبات تغير الخارطة العسكرية والأمنية في
الغرب الليبي، معقل المعارضة ضد حفتر.
إخراج الروس يتطلب أكثر من إعداد قوة عسكرية مدربة ومسلحة، وأن هكذا خطة بحاجة إلى تهيئة الظروف السياسية والعسكرية والامنية على مستوى الغرب والشرق الليبي، وتفاهمات بين الاطراف الاقليمية المتورطة في النزاع الليبي، واتفاق الأطراف الدولية التي ترى في الوجود الروسي في ليبيا خطرا على مصالحها.
نجاح هذه الخطة يقتضي تنسيقا أمنيا وعسكريا بين الغرب والشرق، وهي
مسألة ما تزال محل شك، فالدائرة الأساسية للتنسيق الأمني والعسكري وصلت إلى طريق
مسدود في مفاوضاتها بالخصوص، والإشارة هنا إلى لجنة 5+5، وكان من بين أهم أسباب
فشلها عدم الاتفاق على إخراج القوات الأجنبية من البلاد.
ما يزال العداء أو لنقل الخلاف قائما بين حفتر والأتراك، وما يعزز
هذا الخلاف هو الموقف المصري المتحفظ على الوجود التركي العسكري في غرب ليبيا، وما
لم تحل هذه المسألة بشكل جذري فلن يكون من السهل تخلي حفتر عن الوجود الروسي في
وسط وجنوب البلاد.
من جهة ثانية، وبالنظر إلى المخطط الروسي الذي يأخذ بعد استراتيجيا
في أفريقيا، ويجد في ليبيا منطقة عبور وإمداد حيوية جدا، وصار له وزن وثقل في دول
أفريقية تحدها ليبيا أو تقع قريبة منها، فإنه سيستميت لمنع إفشال استراتيجيته، ولن
تكون القوة العسكرية القادمة من الغرب، في حال حدوث ذلك، عصية على الاستهداف
بالطيران الروسي وغيره من السلاح الذي تأكد أن الروس ينقلونه عبر البحر إلى الدول
الأفريقية المتحالفة معها عبر نقاط تمركزها في وسط وجنوب ليبيا.
علاوة على ما سبق، فإن خطة إخراج الروس لن تكون فقط عبر قوة عسكرية
على الأرض، وإنما تتطلب عملية عسكرية واسعة يكون لسلاح الجو فيها دورا أساسيا،
وهذا يعني أن طرفا دوليا سيشارك بشكل مباشر (الاتراك مثلا)، وهنا تصبح الخطة ذات
بعد دولي وتقود إلى مواجهات قابلة للتوسع، وغير معلومة النتائج، سياسيا وعسكريا،
وما يلحق ذلك من تداعيات اقتصادية واجتماعية.
والخلاصة أن إخراج الروس يتطلب أكثر من إعداد قوة عسكرية مدربة
ومسلحة، وأن هكذا خطة بحاجة إلى تهيئة الظروف السياسية والعسكرية والامنية على
مستوى الغرب والشرق الليبي، وتفاهمات بين الاطراف الاقليمية المتورطة في النزاع
الليبي، واتفاق الأطراف الدولية التي ترى في الوجود الروسي في ليبيا خطرا على
مصالحها.