أقر مجلس النواب في
ليبيا خطة
الميزانية التي قدمتها الحكومة المكلفة
من قبلها برئاسة أسامة حماد، وطلب حماد الإذن بإنفاق نحو 90.5 مليار دينار ليبي
(15 مليار دولار تقريبا)، وتتوزع الميزانية المقترحة من حكومة حماد على إنفاق 56
مليار دينار على المرتبات و20 مليار على الدعم و11.3 لتسيير الجهاز الحكومي و3.2
تقريبا على مشروعات التنمية، والتي جاءت تحت اسم النفقات الرأسمالية، وهي التسمية
غير المعهودة ولا المعمول بها في الدولة.
وينبغي التنبيه أولا أنها ليست المرة الأولى التي تعتمد فيها ميزانية
للحكومة الموازية لحكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا، والتي لا تزال تمارس
صلاحيات إدارة المالية العامة، وتستلم الإيرادات العامة وتقرر أوجه صرفها، فحتى
العام الماضي ما تزال أبواب الميزانية الأساسية وهي المرتبات والدعم والنفقات
التسييرية تنفذ من قبل حكومة الوحدة الوطنية، بما في ذلك مرتبات أعضاء مجلس النواب
الذين أقروا ميزانية حكومة حماد.
إنفاذ ميزانية حكومة حماد في شقيها، الإيرادات والنفقات، يحتاج إلى
ترتيبات وإجراءات معقدة لا يمكن أن تقع بمجرد إعطاء الأذن للحكومة الموازية بإنفاق
ما يزيد عن 90 مليار دينار، ولأن البلد تعيش أزمة حادة يتدخل المجتمع الدولي فيها
بقوة ويفرض إرادته على إرادة أطراف النزاع الليبي، فإن إنفاذ هذه الميزانية يتطلب
موافقة دولية، وهذا ما لم يمكن الجزم به بعد، والإرادة الدولية متجهة إلى إبقاء
الوضع المالي والإداري للدولة على ما هو عليه إلى حين الاتفاق على التغيير الحكومي.
إن بعض الخلاف الذي وقع بين رئيس حكومة الوحدة، عبدالحميد ادبيبة والمحافظ، الصديق الكبير، إنما يعود إلى اتجاه الكبير للتعامل مع الحكومة الموزاية في الشرق الليبي، خاصة في تمويل مشروعات التنمية..
قرار إخضاع عوائد النفط، التي تشكل 95% من الإيرادات المتضمنة في
الميزانية الجديدة، ليس بيد مجلس النواب، وقطاع النفط ليس تابعا للحكومة الموازية
حتى هذه اللحظة، وكذا الإيرادات السيادية (الضرائب والرسوم وما في حكمها) والبالغة
4.1 مليار دينار حسب الأرقام الواردة في خطة الميزانية التي أقرها مجلس النواب،
ليس لحكومة حماد يد على أغلبها، ونقل صلاحيات إدارتها، جباية وإنفاقا، يتطلب أكثر
بكثير من مجرد المصادقة على ميزانية حكومة ما تزال لا تحظى بالاعتراف الدولي ولا
تتعامل معها أغلب المصالح والمؤسسات العامة في الدولة.
الهامش المالي الذي يمكن أن تتمتع به حكومة حماد هو المتعلق بالنفقات
الرأسمالية أو مشروعات التنمية، فالمصرف المركزي لن يقبل، ولا يستطيع، أن يحيل
مخصصات المرتبات والدعم والنفقات التسييرية لحكومة حماد لإدراكه أنه يتسبب في فوضى
سيكون مسؤولا عنها بشكل أو آخر، لكنه يمكن أن يجد فسحة في مخصصات باب التنمية،
وهذه ليست صلاحيات أصيلة للمصرف المركزي، وإنما هي تجاوز يعود للوضع السياسي
والإداري الدولة، وللثقافة السائدة في المنتظم البيرواقرطي الليبي الذي يغيب فيه
احترام القانون والوقوف عند الصلاحيات والمسؤوليات التي يقررها لمؤسسات الدولة،
وتتعاظم فيه سلطة ونفوذ رئاسة تلك المؤسسات.
بحسب مصادر مطلعة، فإن بعض الخلاف الذي وقع بين رئيس حكومة الوحدة،
عبدالحميد ادبيبة والمحافظ، الصديق
الكبير، إنما يعود إلى اتجاه الكبير للتعامل مع الحكومة الموزاية في الشرق الليبي،
خاصة في تمويل مشروعات التنمية، ولأن الخلاف بين ادبيبة والكبير لم ينته إلى
اتفاق، وأن تقاربا قد وقع بين الأخير ومجلس النواب مؤشره الأبرز التناغم في فرض
رسوم على بيع العملات الأجنبية بنسبة 27%، الذي اقترحه المركزي وأصدر مجلس النواب
قرار بشأنه، فليس من المستبعد أن يسيَّل الكبير النفقات الرأسمالية ومشاريع
التنمية لحكومة حماد، ولديه حجة وهي أن ميزانية حماد يتوفر لها غطاء قانوني بعكس
حكومة ادبيبة التي تقوم بإصدار قرارات التغطية المالية وتنفذها.
يوجد بعد سياسي يمكن أن يفهم من خلاله بعض ما يجري من تطورات
على الساحة الليبية وهو أن الحراك
الاقتصادي والمالي يصب في اتجاه تغيير حكومي
تضغط باتجاهه جبهة الشرق، فقد سبق إقرار الميزانية إعلان رئيس مجلس النواب، عقيلة
صالح عن اتفاق بينه وبين رئيس المجلس الأعلى للدولة، محمد تكالة، بخصوص التغيير
الحكومي، وأكد الأخير كلام عقيلة صالح، بل أشار إلى علم ادبيبة بذلك وعدم تحفظه
عليه، وإذا قرنا ذلك بالتدابير التي وقعت بخصوص البعثة الأممية المعنية بالأزمة
الليبية بتعيين ستيفاني خوري، الأمريكية الجنسية، نائبة لرئيس البعثة، ليتبع ذلك
استقالة باتيلي، يمكن القول أن المعادلة السياسية التي تبلورت بعد اتفاق تونس ـ جنيف
مطلع العام 2021م في اتجاهها للتغيير.