ما زال قرار الحكومة
التركية وقف
التجارة المتبادلة بين أنقرة والاحتلال الإسرائيلي يلقي بظلاله على
الساحة السياسية والاقتصادية، حيث ينظر إليه وفي انتظار عواقبه ونتائجه على الحرب
الإسرائيلية على قطاع
غزة والتي دخلت شهرها الثامن.
صحيفة
فيدوموستي الروسية نشرت تقريرًا حول تبعات القرار التركي عدم استئناف التجارة مع
الاحتلال
الإسرائيلي إلى حين التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة، وتدفق
المساعدات الإنسانية على سكان القطاع دون عوائق، في قرار اعتبرته الصحيفة مضرا
باقتصاد إسرائيل، ولكن ليس لدرجة إجبارها على إنهاء الحرب.
وتقول الصحيفة،
في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن المبادلات التجارية بين تركيا
والاحتلال الإسرائيلي لن تستأنف حتى يتم الاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار، ورفع كل القيود
على تدفق المساعدات الإنسانية، وذلك وفق ما أعلنه وزير التجارة التركي عمر بولات،
صبيحة الثالث من أيار/ مايو خلال لقاء مع مجموعة من المصدرين الأتراك.
وكان الرئيس رجب
طيب أردوغان قد علق على قرار تجميد المبادلات التجارية، عقب أدائه صلاة الجمعة في
ضاحية أسكودار في إسطنبول، حيث قال: "نحن المسلمين لا يمكننا أن نبقى صامتين
أمام هذا، لا يمكننا تحمل المزيد، الآن أغلقنا هذا الباب بقطع النظر عن حجم
التجارة بين البلدين".
وتشير الصحيفة
إلى أن تركيا منذ منتصف نيسان/ أبريل كانت قد شرعت في خفض صادراتها نحو الاحتلال الإسرائيلي
مع تصاعد وتيرة العنف في غزة، وقد وصفت أنقرة حينها تلك القرارات بأنها المرحلة
الأولى من الإجراءات ضد تل أبيب، وفي ذلك الوقت شملت القيود 54 مجموعة من البضائع،
منها تلك المصنوعة من الفولاذ والنحاس، والأصباغ، ومواد البناء المصنوعة من الحديد
والفولاذ، إلى جانب أسلاك الفايبر الضوئية وبعض المركبات الكيميائية والأسمدة،
ووقود الطيران.
وترجح الصحيفة
أن الرد الإسرائيلي على هذه الإجراءات سيتمثل في دعوة الدول الصديقة لها والمؤسسات
الأمريكية إلى وقف استثماراتها في تركيا ومنع التصدير لها، ومنع توريد منتجاتها وفرض
عقوبات عليها، وبحسب وكالة الإحصاء التركية "تركستات"، فإن حجم
المبادلات بين البلدين في 2023 تجاوز السبعة مليارات دولار، منها 5.4 مليار من
الصادرات التركية، وتقبع تل أبيب في المرتبة الثالثة عشرة بين مستوردي البضائع
التركية، قبل بلجيكا وبلغاريا واليونان وأوكرانيا ومصر والصين.
وتصدر تركيا إلى
الاحتلال منتجات من أبرزها الفولاذ والآلات والمعادن والوقود والمواد الفلاحية،
وبحسب بوابة التجارة التركية فقد تم في العام 2022 تزويد الاحتلال الإسرائيلي بما
قيمته 1.19 مليار دولار من الحديد والفولاذ، و516 مليون دولار من البلاستيك، و384
مليون دولار من التجهيزات الكهربائية، و365 مليون دولار من الآلات، و186 مليون
دولار من الألمنيوم، و138 مليون دولار من النحاس، و138 مليون دولار من المواد
العضوية.
وترى الباحثة في
مركز الدراسات والتخطيط الاستراتيجي ضمن معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية
في أكاديمية العلوم الروسية ألينا فيرنيغورا أن "تصريحات وزير التجارة التركي
موجهة للجمهور الداخلي وليست للعالم العربي، فهذه المسألة باتت مهمة في ظل التراجع
المسجل في نتائج حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية الأخيرة، ورغم أن
البلديات يفترض أن لا تتأثر كثيرًا بالسياسة الخارجية، فإن هذا الملف بات ذا أهمية".
وأضافت:
"قضية التعامل مع الاحتلال حازت اهتمامًا شعبيًّا، وشهدت تركيا إقامة العديد
من المظاهرات الحاشدة دعما لفلسطين، شارك فيها حتى الرئيس، الذي تحدث في عدة
مناسبات بلهجة حادة ضد السياسيين الإسرائيليين، ولكن دون اتخاذ أي إجراءات ملموسة
في ذلك الوقت".
وتابعت ألينا
فيرنيغورا قائلة إن "تركيا بشكل عام تعودت على التجارة مع الاحتلال، والحكومة
في أنقرة تفهم هذا جيدا. لذلك فإن إجراءات تقييد التجارة سيكون لها أثر ضئيل على
العلاقات بين البلدين، رغم أن أنقرة تأمل من خلال هذه الخطوة إظهار جديتها في
اتخاذ إجراءات متعلقة بالحرب في غزة".
ويبقى من غير
الواضح كيف ستراقب السلطات التركية التزام الشركات بهذه العقوبات؛ حيث يعتقد الباحث
في مركز دراسات الشرق الأوسط في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية ستانيسلاف
لازوفسكي، أن مجموع المبادلات التجارية بين البلدين لن ينخفض إلى مستوى الصفر،
باعتبار أن العديد من شركات القطاع الخاص لن تقطع تعاملاتها التجارية مع الاحتلال
الإسرائيلي، فيما ستلتزم الشركات الحكومية التركية بهذا القرار.
وتتوقع الصحيفة
أن الآثار السلبية لهذه العقوبات سوف تكون أكثر وضوحًا في دولة الاحتلال، باعتبار
أن حرمانها من هذه البضائع التركية سوف يجبرها على البحث عن شركاء جدد للتعويض.
وهو ما يعني ارتفاعًا في بعض الأسعار وكلفة الخدمات. ولكن يرى لازوفسكي أن هذه
القرارات التركية لن تجبر دولة الاحتلال على التخلي عن أهدافها في قطاع غزة. إذ إنها
على الأرجح سوف تتمكن من إيجاد مصدرين آخرين وتدخل في مفاوضات معهم.
واختتمت الصحيفة
التقرير باستعراض رأي مجتمع الاحتلال الإسرائيلي من هذا الموقف التركي؛ حيث يؤكد رئيس
تحرير مجلة ميدل إيست إيكونومي، ديمتري مارياسيس، أن "الإسرائيليين بشكل عام
ينظرون بكثير من السلبية لتصريحات وقرارات رجب طيب أردوغان. وقد فهموا أن تركيا
ليست حليفًا لهم، وليست طرفًا في شراكة مستقرة، وبالتالي فلا يجب المبالغة في تقدير
أهميتها كشريك تجاري لتل أبيب".