من
غير المتوقع أن تعيد
إيران إنتاج ليلة مثل ليلة 14 نيسان/ أبريل، بعيدا عن الحديث
عن توازنات القوى وإعادة ترميم قواعد الردع، ذلك أن أي هجوم بحجم الذي شنته إيران،
في الليلة المذكورة، يحتاج إلى ترتيبات غير قابلة للإنتاج مرة أخرى، من نوع تشغيل
الخط الساخن مع واشنطن، الطرف الأهم في تلك الليلة، الذي أدار اللعبة بمهارة عالية
وضبط الأوضاع عند مستوى معين من الرد والرد المعاكس.
بالأصل،
هذا النوع من الرد كان من خارج صندوق الأدوات الإيرانية في إدارة صراعها مع
إسرائيل، وكان خيارا إكراهيا لجأت إليه إيران بعد تراجع صورتها وهيبتها كقوة
إقليمية تطرح نفسها لاعبا وفاعلا وسط صراعات المنطقة، إذ طالما اعتمد العقل الاستراتيجي
الإيراني على أدوات أخرى من نوع حرب الوكلاء أو القيام بعمليات خفية، والهدف كان
مقصودا؛ عدم الرغبة في دخول صراع تميل كفة موازين القوى فيه لصالح إسرائيل، التي
تمتلك تكنولوجيا وخدمات لوجستية وقدرات عسكرية تفوق أضعاف ما تملكه طهران، التي
أسست قوتها على أساس الاعتماد على الأذرع الخارجية، وباتباع استراتيجية القتال
بعيدا عن طهران، ومن ثم فإن استثماراتها في المجال العسكري تركزت في أغلبها حول
إنتاج الأدوات التي تخدم هذه الاستراتيجية.
لكن،
بالمقابل، إسرائيل نفسها فهمت اللعبة، واكتشفت بعد الليلة الإيرانية أن لقوتها
حدودا، وأن أولوياتها تستدعي الانتصار على سكان غزة بالدرجة الأولى، ومن ثم لا
داعي لتوسيع الصراع، وحصره ضمن المدى الذي يخدم هدفها في غزة، ذلك إذا كان الطرف
الآخر، إيران،
سيكون الخيار الأفضل لكليهما عودة اللعب في الساحة السورية، هناك حيث المخاطر منخفضة بالنسبة لإسرائيل، شريطة ألا تكرر خطأ ضربة القنصلية، باستثناء ذلك، لا شيء سيستدعي ردا إيرانيا، والسبب أن ايران التي تسيطر على كامل الجغرافيا السورية، أسست سلسلة من المواقع والقواعد مشغولة بالأصل بامتصاص الضربات الإسرائيلية، وإشغال إسرائيل عن العمق الإيراني وعن حزب الله في لبنان.
أقل منها على المستوى التكنولوجي والتسليحي، فإن قوتها على مواجهته
شابها أعطاب وإشكاليات كبيرة. ورغم أن التقديرات أكدت أن 84 في المئة من المسيرات
والصواريخ الإيرانية، تم اعتراضها قبل وصولها لأهدافها، فذلك لأن أمريكا وبريطانيا
وفرنسا أمّنت شبكة حماية لإسرائيل، عبر اعتراضها للأسلحة الإيرانية وبتكلفة مرتفعة
جدا، ولولاها لكانت خسائر إسرائيل جسيمة ولن تفيدها لا القبة الحديدية، ولا أسطورة
تفوقها على جميع قوى المنطقة.
يمكن
اعتبار ليلة 14 نيسان/ أبريل بمنزلة اختبار مهم لإسرائيل وإيران، استطاع كل طرف
إعداد تقييم موقف جديد بناء على الرمايات الميدانية، ومن المرجح أنه حتى لو أراد
الطرفان إعادة اللعب على حافة الهاوية، فإن الأمر سيستغرق وقتا لتلافي الإشكاليات
التي حصلت لدى الطرفين، وإجراء الترتيبات المناسبة لفعل ذلك.
في ظل
هذا الوضع، سيكون الخيار الأفضل لكليهما عودة اللعب في الساحة السورية، هناك حيث
المخاطر منخفضة بالنسبة لإسرائيل، شريطة ألا تكرر خطأ ضربة القنصلية، باستثناء
ذلك، لا شيء سيستدعي ردا إيرانيا، والسبب أن إيران، التي تسيطر على كامل الجغرافيا
السورية، أسست سلسلة من المواقع والقواعد مشغولة بالأصل بامتصاص الضربات
الإسرائيلية، وإشغال إسرائيل عن العمق الإيراني وعن حزب الله في لبنان. وفي رأي إيران
فإن الساحة السورية أفضل مكان لاستنزاف قوُة إسرائيل، ما دامت الحرب باتت تُحسب
بحجم ما تمتلكه المخازن من الأسلحة، كما أن خسائر إيران في الساحة السورية تبقى
محتملة إلى حد بعيد، ذلك أن غالبية المستهدفين منها هم من مليشيات عراقية وأفغانية
وسورية، وهؤلاء انخرطوا أصلا في المشروع الإيراني ليكونوا وقودا لمثل هذه اللحظات.
المنكوبة بكل شيء وقليلة الحظ، يتم تفضيلها فقط كساحة منازلة لامتصاص قوة قوتين إقليميتين؟ وهذا يعني زيادة منسوب الدمار، وتحويلها إلى بلاد طاردة لما تبقى من شعبها، وتعقيد أي إمكانية للتعافي ولأم الجرح الغائر في جسدها، وذلك فداء لشوارع طهران وتل أبيب، والحفاظ على أناقتهما وهدوئهما.
كما
أن المخاطر على إسرائيل والمتأتية من استهدافها للساحة السورية، بالإضافة إلى محدوديتها، حيث لا يتجاوز الرد عليها إطلاق بعض المقذوفات باتجاه مناطق فارغة، فهي معلومة
السقوف، إذ لا إيران من مصلحتها المغامرة بالساحة السورية التي تعتبرها جوهرة
مناطق نفوذها في المشرق العربي، ولا روسيا مستعدة للدخول في حرب مع إسرائيل من أجل
حماية المواقع الإيرانية، ولا بشار الأسد بالطبع سيهتم بالرد على إسرائيل، طالما
أنه يعتبر أن العدو في الداخل.
هل من
المفارقة أن
سوريا المنكوبة بكل شيء وقليلة الحظ، يتم تفضيلها فقط كساحة منازلة
لامتصاص قوة قوتين إقليميتين؟ وهذا يعني زيادة منسوب الدمار، وتحويلها إلى بلاد
طاردة لما تبقى من شعبها، وتعقيد أي إمكانية للتعافي ولأم الجرح الغائر في جسدها، وذلك
فداء لشوارع طهران وتل أبيب، والحفاظ على أناقتهما وهدوئهما. والمفارقة أن حاكم
دمشق يتسلى بلعب الحبلة والتسكع مع عائلته في أحياء دمشق القديمة، ويطلق الدعابات
استهزاء بحكام أوروبا الجهلة، ويعتبر رئيس أوكرانيا مهرجا، لكن كما يقول المثل
المصري: "إنت خليت فيها مهرجين"؟
twitter.com/ghazidahman1