اختصر كاتب في صحيفة النيويورك تايمز الرد
الإيراني على قصف الصهاينة للقنصلية الإيرانية في دمشق بقوله إن اسرائيل تفضل
الانتقام الإيراني أن يكون بطبق طعام بارد، وبالفعل هذا ما حصل وما تمناه الجيش
الإسرائيلي، وما لخصه الكاتب الأمريكي، إذ أتى الرد الإيراني متأخراً حوالي
أسبوعين كاملين على الغارة الصهيونية على القنصلية الإيرانية والتي لم يقتل فيها
سوى الجنرالات الإيرانيين، بحيث لم يقتل ديبلوماسي واحد، مما أثار التكهنات بهوية
القائمين على القنصلية، والشخصيات العاملة فيها.
الرد الإيراني الذي أتى مخيباً لآمال كل من
علّق آمالاً على إيران وانضمامها لطوفان الأقصى، بعد أن غيرت عنوانه على قنواتها
الرسمية والرديفة، فأسمته باسم هلامي وهو طوفان الأحرار، الأمر الذي عكس مدى
الانسحاب الجزئي الإيراني أو الكلي، مما يجري في غزة، فكان رسالة لإسرائيل بأنه
طوفان سلمي أو غير حربي. حركة المقاومة الإسلامية حماس ربما التقطت إشارة الرد
الإيراني وأرسلت رسالة تعكس عدم رضاها على الرد حين اقتصر بيان الحركة على أن من
حق طهران الدفاع عن نفسها، ولم تربط الرد الإيراني بغزة أو بطوفان الأقصى أو تشيد
به، مما عكس مدى الغضب الصامت الحمساوي على هذا الرد وحجمه التي كانت تتوقع على ما
يبدو أن يكون رداً يتناسب مع حجم الصفعة التي تعرض لها الحرس الثوري الإيراني في
دمشق غير مرة، والتي كان آخرها مسح القنصلية الإيرانية بالأرض.
إن إيران اتخذت قراراً استراتيجياً على ما يبدو بعد حربها مع العراق ألاّ تدخل في حرب مع أحد، ولذلك فهي تنقل حروبها عبر أدوات لها، وفي أراضي الغير تحديداً، وذلك بعد عقدة حربها مع العراق، وهذا ما يفسر إصرارها على تبريد طبق الانتقام.
الرد الإيراني أتى في حقيقته ليُحرج ربما
دولاً عربية بعبور المسيرات أو الصواريخ من خلال أراضيها فكانت أمام خيارين إما
السماح لها بالعبور فتضع بذلك نفسها في
موقف صعب مستقبلي مع حلفائه الغربيين أو الصهاينة، أو أن تتصدى له فتضع نفسها في
مشكلة مع الإيرانيين وهي التي لديها شكوك بحجم الجبال مع الإيراني، منذ أن احتلت
بلاداً مثل العراق وسوريا واليمن، وتمارس الفتنة عبر تهريب المخدرات والأسلحة،
فمالذي يمنع من أن تكون هذه الدولة أو تلك ضحية إيران في المستقبل على غرار ما حلّ
بجيرانها.
إذن الرد الإيراني أتى محدوداً ومن أجل حفظ
ماء الوجه، وقد أُبلغ الأمريكي بتفاصيله، إذ لن تكون دماء قاسم سليماني قائد فيلق
القدس بأعز على المرشد الإيراني علي خامنئي من دماء زاهدي الذي لقي مصرعه في
الهجوم على القنصلية الإيرانية، أما الطرف الصهيوني فلديه رغبة جامحة على ما يبدو
في جرّ طهران إلى المواجهة نظراً لبعض
الخطوط الحمر التي تجاوزتها إيران من خلال انتشار مليشياتها في مناطق سورية معينة،
أو من خلال أسلحة نوعية توصلها لحزب الله أو إلى مليشياتها في سوريا، أما الطرف الأمريكي فليس له مصلحة في هذه المواجهة، التي
ستضع الأغلبية السنية في كل من العراق وسوريا في مواجهة كل المكتسبات التي حققها
على مدى عقدين، فسلم المنطقة لإيران والتي لا تزال تعبث بنسيجه الاجتماعي
والاقتصادي، فضربت حواضر سنية ذات كثافة سكانية عالية ظلت لقرون مقلقة للغرب كله،
وهي التي تختزن عداءً له ولكيانه الصهيوني.
إيران غير معنية بفلسطين أو غزة، إلاّ بما
يخدم أجندتها التوسعية الامبراطورية في المنطقة، وبما يساعدها على توظيف ذلك للهدف
الأكبر، وفي حفلة التفاوض الكبرى مع الكبار، ألا وهو التمدد والتوسع والتعمق على حساب الأغلبية السنية في المنطقة، ولذا فهي
تحرص على تحاشي أي صدام مع الصهاينة، لأن الصدام معهم سيُفقدها كل المكاسب
والأرباح التي جنتها خلال غزوها واحتلالها للعراق وسوريا واليمن، ولذلك فهي حريصة
جداً على تبريد طبق الانتقام للحد الأعلى، كي لا تُغضب إسرائيل لدرجة تستدرجها لمعركة
تستوجب لاحقاً دخول الغرب في المعركة، فتفقد كل ما كسبته في عقود، مع العلم
والتذكير بحسب كثير من الخبراء والمحللين المعنيين فإن إيران اتخذت قراراً
استراتيجياً على ما يبدو بعد حربها مع العراق ألاّ تدخل في حرب مع أحد، ولذلك فهي
تنقل حروبها عبر أدوات لها، وفي أراضي الغير تحديداً، وذلك بعد عقدة حربها مع
العراق، وهذا ما يفسر إصرارها على تبريد طبق الانتقام.