صحافة دولية

هل تجبر المواجهة بين الاحتلال وإيران قوى الخليج على اختيار أحد الجانبين؟

أوردت الصحيفة أن دول الخليج قلقة من إمكانية اعتقاد سكانها أنها تدعم إسرائيل والولايات المتحدة- الأناضول
نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية تقريرا، تحدثت فيه عن المواجهة المحتملة بين الاحتلال الإسرائيلي وإيران، في أعقاب الهجمات المتبادلة الأخيرة بينهما، التي من شأنها أن تتطور إلى صراع واسع النطاق يهدد التوازن الإقليمي الهش.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج الغنية بالنفط تتفادى اتخاذ موقف بشأن الخصومات الجيوسياسية الأمريكية في السنوات الأخيرة، وهو ما يفسّر سبب التزامها الحياد في حرب أوكرانيا، وتعزيز علاقاتها مع الصين.

وفي ظل الصراع الحالي المفتوح بين إسرائيل وإيران، قد تضطر ممالك الخليج إلى اختيار أحد الجانبين.

وأضافت أن السعودية والإمارات كافحتا للبقاء بعيدا عن هذا الصراع، عندما أصبح من الواضح خلال الأسبوع الماضي أن إيران ستهاجم إسرائيل ردا على الهجوم الذي استهدف سفارتها في سوريا الذي أسفر عن مقتل ضباط عسكريين إيرانيين رفيعي المستوى.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين عرب، أن السعوديين والإماراتيين قدّموا المعلومات الاستخبارية التي ساهمت في ردّ دفاعي ناجح للغاية على الهجوم الجوي الإيراني. مع ذلك، قال هؤلاء المسؤولون إن الدولتين لم تصلا إلى حد إعطاء واشنطن كل ما تريده، ومنعتا الولايات المتحدة وإسرائيل من استخدام مجالهما الجوّي لاعتراض الصواريخ والطائرات المسيّرة التي أطلقتها إيران.

وذكرت الصحيفة أن هذه المواجهة أظهرت لكلا البلدين مدى صعوبة الحفاظ على التوازن بين إيران منافستهما الرئيسية في الشرق الأوسط من جهة، والولايات المتحدة أهم شريك أمني لهما، وإسرائيل قوة عسكرية اقترب منها السعوديون والإماراتيون في السنوات الأخيرة، لكن كلاهما ينتقدانها بشدة بسبب الحرب في غزة.

إذا تصاعد الصراع الإسرائيلي الإيراني وجذب الولايات المتحدة، فمن المرجّح ألّا يكون أمام دول الخليج العربية خيار آخر سوى السماح للقوات الأمريكية بشن هجمات من قواعد في بلدانها، والمخاطرة بالانتقام الإيراني، أو محاولة استرضاء إيران والبقاء على الهامش. وهو ما فعلته إلى حد كبير منذ هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر التي أدّت إلى إغراق الشرق الأوسط في حالة من الاضطراب، حسب التقرير.

ولفتت الصحيفة إلى أنه منذ هجوم السبت، دعت الإمارات إلى ضبط النفس، وضرورة تحقيق الاستقرار عبر القنوات الدبلوماسية. وحسب مسؤول إماراتي، "يجب على المنطقة تجنب الصراع بأي ثمن، لأنها لا تستطيع تحمّل المزيد من التوترات والمواجهات".

وحسب الصحيفة، فإن ما يزيد الأمور تعقيدا بالنسبة للسعودية سعيها للتوصّل إلى اتفاق شامل يضمن الاعتراف بإسرائيل مقابل التزامات أمنية صارمة من الولايات المتحدة والمساعدة في برنامجها النووي. ولكن عُلّق الاتفاق مع الحرب في غزة، بينما أشار السعوديون إلى أنهم ما زالوا يريدون ضمانات دفاعية أمريكية أفضل، التي يشعرون أن واشنطن تخلت عنها في العقد الماضي.

ونقلت الصحيفة عن بلال صعب، المسؤول السابق في البنتاغون الذي عمل على التعاون الأمني في الشرق الأوسط، أنه في غياب التزام الولايات المتحدة بأمن هذه الدول فإنهم سيبذلون قصارى جهدهم للحد من تعاونهم وإخفائه عن إيران.

ورفض السعوديون والإماراتيون في وقت سابق من هذه السنة المشاركة علنًا في التحالف البحري الذي تقوده الولايات المتحدة للتصدي لهجمات المتمردين الحوثيين في اليمن على السفن في البحر الأحمر. وإلى جانب الكويت، منعت هذه الدول البنتاغون من شن غارات جوية ضد الحوثيين من قواعد في أراضيها، وذلك حسب ما أكده مسؤولون دفاعيون أمريكيون وعرب.

وأوردت الصحيفة أن دول الخليج قلقة من إمكانية اعتقاد سكانها أنها تدعم إسرائيل والولايات المتحدة بعد أكثر من ستة أشهر من الحرب في غزة، حيث استشهد ما يقارب 34 ألف فلسطيني. ولكن إذا انخرطت الولايات المتحدة أكثر في الأسابيع المقبلة في مواجهة مباشرة ضد إيران، فمن المرجح أن يتقلص مجال المناورة بالنسبة للحكومات العربية، على حد تعبير المسؤولين العرب. وحتى الآن، قالت إيران إنها لا تنوي استهداف الولايات المتحدة، بينما تنفي واشنطن نيتها المشاركة في الانتقام الإسرائيلي.

وأدى اتفاق بوساطة صينية قبل سنة إلى عودة العلاقات السعودية الإيرانية، ومنذ بداية الصراع، تحاول المملكة ردع إيران ووكلائها عن تحويل حرب غزة إلى صراع أوسع نطاقًا من خلال عرض التعاون والاستثمارات في الاقتصاد الإيراني. وقال مسؤولون سعوديون إنه في أعقاب الهجوم على السفارة الإيرانية في دمشق هذا الشهر، الذي تبعه الرد الإيراني يوم السبت، شعرت دول الخليج بالقلق من احتمال مهاجمة إيران السفارات الإسرائيلية في المنطقة.

وأفاد مسؤولون سعوديّون بأن المسؤولين الإيرانيين أطلعوا نظراءهم السعوديين ودول الخليج الأخرى على الخطوط العريضة لخطتهم وتوقيتها قبل الضربات واسعة النطاق التي استهدفت إسرائيل يوم السبت، حتى تتمكن تلك الدول من حماية مجالها الجوي. وتم تمرير هذه المعلومات إلى الولايات المتحدة، ما أعطى واشنطن وإسرائيل تحذيرًا حاسمًا، وأظهر للمسؤولين السعوديين أن تقارب الرياض مع طهران يؤتي ثماره.

ووفقًا لمسؤولين عرب ومن حزب الله، التقى مسؤولون سعوديون وإماراتيون في الأسابيع الأخيرة مع مسؤولين من جماعة حزب الله اللبنانية، في محاولة لتهدئة صراعها مع إسرائيل. وقال مسؤول سعودي رفيع المستوى إن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لا يريد أن تصرف الحرب انتباهه عن خططه الطموحة لتحويل اقتصاد المملكة. وأكد هذا المسؤول أن "هذه الحرب والتصعيد الحالي يعرضان خطط [ولي العهد] لخطر أكبر، إذ يعلم محمد بن سلمان أن دول الخليج ستكون أول المتضررين إذا توسع نطاق الحرب"، حسب التقرير.


وذكرت الصحيفة، أن الهجوم الإيراني يوم السبت الذي صدّته إسرائيل، بالتعاون مع الجيوش الأمريكية والأوروبية والعربية، أثبت القيمة المحتملة للشراكة مع واشنطن. ولكن بعد الفشل لسنوات في تأمين اتفاقيات أمنية أكثر رسمية مع الولايات المتحدة في أعقاب الهجمات المرتبطة بإيران التي شعرت دول الخليج أن الولايات المتحدة لم ترد عليها بشكل كاف، أصبحت مترددة الآن في وضع نفسها في مرمى إيران من أجل الولايات المتحدة.

وأضاف التقرير أن أستاذ العلوم السياسية الإماراتي عبد الخالق عبد الله، يتوقع أن تحافظ الإمارات على علاقاتها مع إيران وإسرائيل، على الرغم مما تعتبره أعمالا مزعزعة للاستقرار من قبل كليهما. وهو يرى أن "الطريق الأكثر حكمة في الوقت الحالي هو الابتعاد عن كل شيء، ومواصلة التركيز على مصلحتها الوطنية وأمنها، ومحاولة الابتعاد عن الصراع. لا نريد أن نتورط في هذا بطريقة أو بأخرى. هذه هي الأولوية رقم واحد في دولة الإمارات العربية المتحدة وبقية دول الخليج العربي"، على حد قوله.

من جهته، قال برنارد هدسون، وهو مسؤول سابق من وكالة المخابرات المركزية، إنه بعد جمود دام أشهرا بين واشنطن والحوثيين في اليمن، أظهر هجوم السبت أن إيران تقترب من التكافؤ الأمني مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وأن الرد الأمريكي يهدد الفشل في تقليص القدرة العسكرية الإيرانية بشكل كبير.

وأضاف: "لا يخفى هذا الأمر على حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين، الذين سيتعيّن عليهم بشكل متزايد اتخاذ ترتيباتهم الأمنية الخاصة"، حسب التقرير.