في
خضم الدعم الشعبي العالمي الهائل للشعب
الفلسطيني الذي تقوم
إسرائيل بإبادته في حرب
الإبادة الجماعية المستمرة بلا هوادة على غزة، تستضيف الجماعات المؤيدة لإسرائيل، التي
تدعم أو تنفي قيام إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، فلسطينيين مناهضين للشعب
الفلسطيني كي تثبت أن هؤلاء الفلسطينيين مرحب بهم في صفوفها ولا ينبغي أن تتم إبادتهم.
ويشمل ذلك مجموعات من منكري الإبادة الجماعية في جامعة كولومبيا حيث أدرِّس، بما في
ذلك "مجموعة طلاب كلية التجارة بجامعة كولومبيا الداعمين لإسرائيل"
و"رابطة إسرائيل التجارية" اللتان استضافتا مؤخرا واحدا من هؤلاء الفلسطينيين
رغم الاحتجاجات الطلابية على استضافته. ويحمل ضيف المجموعتين، المدعو مصعب حسن يوسف،
وهو فلسطيني مسلم معاد للفلسطينيين ومعاد للإسلام وكان قد اعتنق المسيحية، وجهات
نظر حول المسلمين تتضمن تغريدات كالتالي: "لا تثق أبدا بأي شخص يعتبر نفسه مسلما،
فهم يظهرون كخرفان مسالمة عندما يكونون بمفردهم، لكنهم عندما ينضمون إلى القطيع يكشفون
عن أنيابهم. لا أكن أي احترام لأي شخص يُعَرِّف نفسه بأنه مسلم".
ويدعي
مصعب يوسف المولود في رام الله، وهو ابن حسن يوسف؛ أحد مؤسسي حركة حماس، أنه كان إسلاميا
قبل ردته في زنزانة إسرائيلية، وكان قد عمل كجاسوس لإسرائيل منذ عام 1996 لعقد من الزمن،
ويتم وصفه في إسرائيل بأنه كان "أحد أفضل العملاء السريين لإسرائيل"، وهي
الوظيفة التي ضمنت له حق اللجوء السياسي في الولايات المتحدة، البلد الأكثر عداء للشعب
الفلسطيني، في عام 2010. وقد أدان يوسف احتجاجات طلاب جامعة كولومبيا ضده وأكد أن "الحشد
عادة ما يحتج ضد المؤسسات والأنظمة والحكومات، لكن الاحتجاج ضد شاهد عيان أمر مثير
للسخرية". وأضاف أنه "على الرغم من محاولتهم اليائسة، إلا أن البرنامج سار
كما هو مقرر، وقد امتلأت القاعة بالحضور من القادة الشباب الأقوياء. لقد ناقشنا الطبيعة
الحقيقية لحماس، والاتهامات الكاذبة [ضد إسرائيل] بارتكاب إبادة جماعية واستعمار وفصل
عنصري".
ويكمن السبب الرئيس وراء الترحيب الحار من قبل منكري
الإبادة الجماعية المؤيدين لإسرائيل ونظام الفصل العنصري فيها؛ بمصعب يوسف في
إنكاره لهذه الجرائم الإسرائيلية. وتلقى هذه الآراء ترحيبا في دوائر معينة في جامعة
كولومبيا، والتي ربما كانت التدابير القمعية التي تتخذها قيادتها ضد المجموعات المناهضة
للإبادة الجماعية التي تطال الفلسطينيين داخل الحرم الجامعي هي الأكثر تطرفا من بين
الجامعات الأمريكية. ومؤخرا، رفض نائب الرئيس التنفيذي للجامعة جيري روزبرغ الإجابة
على سؤال طرحه عليه طلاب جامعة كولومبيا، وهو "هل الفلسطينيون بشر؟"، حيث
اعتبر روزبرغ السؤال بحد ذاته بمثابة محاولة لترويعه ورفض الإجابة عليه.
من المؤكد أن التعاون مع العدو لا يقتصر على الفلسطينيين، بل هو جزء من تاريخ نضالات جميع الشعوب المضطهدة، حيث نجد دائما أقلية تعمل كجواسيس ومخبرين لمضطهدي شعوبها كما كان عليه الوضع في كل البلاد العربية في فترة الاستعمار. وفي الواقع، يشمل هذا الأمر اليهود أيضا، الذين من بينهم أيضا متعاونون مع معادي السامية، وتاريخيا حتى مع النازيين
ليس مصعب
يوسف الفلسطيني الوحيد المناهض للفلسطينيين. يمكن للمرء أن يجد عددا قليلا من هؤلاء
الفلسطينيين في جميع أنحاء الدول الغربية (كما نجد عربا ومسلمين مناهضين لشعوبهم).
ففي ألمانيا مثلا، هنالك أحمد منصور، وهو طبيب نفساني فلسطيني نشأ في إسرائيل وله علاقات
وثيقة باللوبي الإسرائيلي. ومنصور هو من كال الاتهامات لخمسة صحفيين عرب أدت إلى طردهم
من عملهم في المؤسسة الإعلامية الألمانية "دويتشه فيله" بحجة معاداة السامية،
وهي اتهامات لا أساس لها من الصحة.
وشأنه شأن مصعب يوسف، يدعي منصور أنه كان إسلاميا
قبل أن يرى النور، على الرغم من أن ادعاءاته تلك قد تم التشكيك في صحتها من قبل الأشخاص
الذين عرفوه قبل اعتناقه عقيدة معاداة الفلسطينيين. وقد وصفته صحيفة هآرتس الإسرائيلية
بأنه "أحد أبرز منتقدي الإسلام في ألمانيا"، وأنه "نجم إعلامي"
وهو "أحد الأشخاص المطلوبين في المقابلات في البرامج الإخبارية والبرامج الحوارية
الألمانية، فضلا عن أنه مرحب به "في الصحافة -المحافظة والليبرالية واليسارية
على حد سواء- وينشر بانتظام مقالات رأي في الصحف المحلية". ويرى منصور أن "بعض
العرب متوحشون والبعض الآخر ليس كذلك". ويبلغ مدى ارتباط منصور القوي بإسرائيل
لدرجة أنه أكد لصحيفة "هآرتس" قائلا: "أنا لا أعرف ما هو الجزء الفلسطيني
في هويتي، ما عدا اللغة والطعام".
يفاجأ
الكثيرون بوجود مثل هؤلاء الفلسطينيين المتطرفين المناهضين للشعب الفلسطيني
والمتعاونين مع أعدائه، متناسين أن السلطة الفلسطينية نفسها (ناهيك عن العديد من رجال
الأعمال الفلسطينيين) تتعاون مع العدو الإسرائيلي منذ عام 1993، لا سيما في قمعها لكل
النشاطات الفلسطينية المقاومة للاستعمار والاحتلال. ولكن من المؤكد أن التعاون مع العدو
لا يقتصر على الفلسطينيين، بل هو جزء من تاريخ نضالات جميع الشعوب المضطهدة، حيث
نجد دائما أقلية تعمل كجواسيس ومخبرين لمضطهدي شعوبها كما كان عليه الوضع في كل
البلاد العربية في فترة الاستعمار. وفي الواقع، يشمل هذا الأمر
اليهود أيضا، الذين
من بينهم أيضا متعاونون مع معادي السامية، وتاريخيا حتى مع النازيين.
عندما
وصل هتلر إلى السلطة في ألمانيا عام 1933، بدأت الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة
وأوروبا حملة مقاطعة ضد نظامه الفاشي المعادي لليهود، ولكن لم ينضم جميع اليهود إلى
المقاطعة. وقد قام بعض رجال الأعمال اليهود الألمان بالضغط على اليهود الأجانب لردعهم
عن مقاطعة ألمانيا
النازية، وزعموا، بطريقة لا تختلف عن طريقة مصعب يوسف، بأن التقارير
عن القمع ضد اليهود في ألمانيا غير صحيحة. وفي إحدى تلك الرسائل التي كتبها رجل الأعمال
اليهودي الألماني هيرمان فاتشيل بتاريخ 3 نيسان/ أبريل 1933، أصر على أنه "نحن،
كوننا يهودا، نشعر بالدهشة والاشمئزاز من هذه الدعاية ضد ألمانيا، والتي تستند إلى
تصريحات غير صحيحة على الإطلاق. إن أخبار الأعمال الوحشية وقتل اليهود والرجال والنساء
وما إلى ذلك هي أكاذيب كاملة من أولها إلى آخرها".
لم يكن
فاتشيل وحده، فقد شعر المؤلف اليهودي الأمريكي روبرت غريسنر بالفزع عندما زار ألمانيا
النازية والتقى بمثل هؤلاء اليهود المؤيدين للنازية في منتصف ثلاثينيات القرن العشرين،
وهو ما أشار إليه في كتابه الصادر عام 1936 بعنوان "بعض أفضل أصدقائي من اليهود".
وادعى غريسنر أن اليهود المؤيدين للنازية كانوا يؤدون تحية هتلر ويهتفون "فلنسقط!".
وقد عارضت
رابطة اليهود الألمان الوطنية، التي تأسست عام 1921، قدوم المهاجرين اليهود من أوروبا
الشرقية إلى ألمانيا، ورحبت بوصول هتلر إلى السلطة، كما عارضت بشدة حملة المقاطعة المناهضة
للنازية. وقد وصف مدير الجمعية ماكس ناومان (وتذكرنا آراؤه بآراء مصعب يوسف وأحمد منصور
المعادية للإسلام والفلسطينيين) يهود أوروبا الشرقية بأنهم عبارة عن "بكتيريا
ضارة".
بل إن
بعض اليهود، الذين عرّفتهم القوانين العنصرية النازية بأنهم "مختلطون" أو
"هجناء" عرقيا بسبب خلفيتهم "العرقية" المختلطة زعما، قد خدموا
في جيش هتلر، كما هو الوضع في حالة المواطنين الدروز والبدو المسلمين الفلسطينيين في
إسرائيل (والذين تصنفهم إسرائيل على أنهم مختلفون إثنيا عن باقي الفلسطينيين) الذين
يخدمون في الجيش الإسرائيلي ويشاركون اليوم في الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد شعبهم.
بالطبع، كان هؤلاء اليهود الألمان المؤيدون للنازية، شأنهم شأن الفلسطينيين المعاصرين
المؤيدين للصهيونية، أقلية صغيرة.
نظرا لاستهداف
النظام النازي العنصري لليهود، بدأ اليهود الأمريكيون وغيرهم من اليهود الأوروبيين
حملتهم لمقاطعة ألمانيا النازية إلى حين إلغائها سياساتها العنصرية واستهدافها السياسي
لليهود الألمان في آذار/ مارس 1933. وردا على هذه الحملة، بدأ النازيون بمقاطعة الشركات
والمتاجر اليهودية في ألمانيا في نيسان/ أبريل 1933. وقد كان لليهود الألمان المؤيدين
للنازية المذكورين أعلاه تأثير ضئيل على المقاطعة اليهودية العالمية المناهضة للنازية؛
ولكن الفريق الأكثر فعالية الذي ساهم في إضعاف المقاطعة وتقويضها كانوا الصهاينة الألمان
والمستوطنين اليهود في فلسطين.
في
تلك الأثناء كان اليهود الأمريكيون، بما في ذلك الصهاينة، قد بدأوا في الضغط على الساسة
والمنظمات الأمريكية للانضمام إلى المقاطعة التي استمرت حتى عام 1939. لكن القيادة
الصهيونية في فلسطين وألمانيا نظرت إلى الأمر بشكل مختلف، وفي هذا السياق، وقّع الصهاينة
في فلسطين اتفاقية الترانسفير (هعبرا) سيئة السمعة مع ألمانيا النازية، والتي بموجبها
تم تعويض اليهود الذين غادروا ألمانيا إلى فلسطين عن ممتلكاتهم والتي لم يُسمح لهم
بنقلها خارج البلاد، من خلال نقل البضائع الألمانية إلى المستوطنات اليهودية في فلسطين،
الأمر الذي أدى بطبيعة الحال إلى تقويض المقاطعة المناهضة للنازية.
وشملت
الأطراف الرسمية للاتفاقية الاتحاد الصهيوني الألماني، والحكومة النازية، والبنك الأنغلو-فلسطيني،
الذي كان قد تأسس عام 1899 ليكون الذراع المالي للمنظمة الصهيونية تحت اسم "الصندوق
الاستعماري اليهودي"، وأعيدت تسميته عام 1950 باسم "بنك لئومي".
في خضم الإبادة الجماعية المستمرة في غزة اليوم، تواصل السلطة الفلسطينية التخطيط مع مرتكبي الإبادة الجماعية الإسرائيليين ورعاتهم الأمريكيين المؤيدين والداعمين للإبادة؛ حول كيفية الاستيلاء على غزة وتنصيبها كسلطة حاكمة، على غرار "المجالس اليهودية" التي أنشأها النازيون في الأحياء اليهودية في البلاد الأوروبية الخاضعة للاحتلال النازي
ويعد
بنك لئومي اليوم أكبر بنك في إسرائيل. ولم تكسر اتفاقية هعبرا الموقعة عام 1933 المقاطعة
ضد ألمانيا النازية فحسب، بل ضمنت أيضا بيع البضائع الألمانية المستوردة من قبل الصهاينة
في فلسطين إلى بريطانيا. وهذا لم يثر غضب اليهود الأمريكيين والأوروبيين الذين كانوا
يروجون للمقاطعة فحسب، بل أثار أيضا غضب اليمينيين التصحيحيين داخل الحركة الصهيونية
نفسها بقيادة فلاديمير جابوتنسكي، الذين قاموا باغتيال المبعوث الصهيوني إلى النازيين،
حاييم أرلوسوروف، وهو نفسه كان يهوديا ألمانيا، عند عودته من ألمانيا النازية حيث كان
يتفاوض على الاتفاقية.
في خضم
الإبادة الجماعية المستمرة في غزة اليوم، تواصل السلطة الفلسطينية التخطيط مع مرتكبي
الإبادة الجماعية الإسرائيليين ورعاتهم الأمريكيين المؤيدين والداعمين للإبادة؛ حول
كيفية الاستيلاء على غزة وتنصيبها كسلطة حاكمة، على غرار "المجالس اليهودية"
التي أنشأها النازيون في الأحياء اليهودية في البلاد الأوروبية الخاضعة للاحتلال النازي.
ويقال إن رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، الذي عمل منذ فترة طويلة كمنسق مع المخابرات
الإسرائيلية ضد المقاومة الفلسطينية (وأحد الفلسطينيين المفضلين لدى الغرب ليحل محل
محمود عباس المسن)، يقوم بالفعل في الوقت الحالي ببناء قوة مسلحة من المرتزقة مناهضة
لحركة حماس في جنوب غزة.
لا ينبغي
أن يفاجئنا أي من هذا لأن تاريخ النضال ضد الاستعمار مليء بمثل هؤلاء المتعاونين: فـ"الحَرْكِيون"
في الجزائر، و"الموالون" في كينيا، و"الكونترا" في نيكاراغوا،
و"يونيتا" في أنغولا، و"حركة رينامو" في موزمبيق، ونظام ثيو في
فيتنام الجنوبية، هم بعض الأمثلة على ذلك من المتعاونين مع المستعمِر. فلا يشكل اليهود
ولا الفلسطينيون استثناءات لهذا التاريخ، بل هم جزء لا يتجزأ من هذه القائمة الطويلة.
لكن التاريخ لن يرحم هؤلاء المتعاونين ولا دورهم في قمع شعوبهم، كما لن يرحم من استضافهم
ودعمهم.