اعتاد
الدارسون للسياسة بفروعها أن يتكلموا عن دولة
الاحتلال الإسرائيلي باعتبارها كيانا
سياسيا له مؤهلات الدولة، لكن يقع الخلاف في
حدود تلك الدولة، فالمعارضون للاحتلال
يتحدثون عن حدود عام 1967، والمؤيدون له لا يقفون كثيرا عند مساحات اقتطاع
الاحتلال للأراضي
الفلسطينية، ويتجاهل الجميع أمرين؛ حدود قرار التقسيم لعام 1947،
والأهم ما قبل قرار التقسيم ذاك.
تمتاز
العملية البحثية بالاستقلالية، لكن هناك محددات لا يمكن تجاوزها ما دام أن جهات
تمويل المنشآت البحثية ترفضها، ثم هناك النصوص القانونية العامة التي تجرم فعلا
ما، مثل معاداة السامية، وهي تهمة تُلصق بأغلب من يعادي كيان الاحتلال، فتقف جميع
الحريات عند تلك التهمة، سواء كانت حرية الرأي أم حرية الصحافة أم حرية البحث
العلمي.
لكن
واجب الباحثين المناهضين للاحتلال أن يتحركوا في إطار البحث العلمي بما يتجاوز
القيود الوقحة والمدلِّلة لطفل وقح وعدواني، باستخدام أدوات علمية، لا هتافات
سياسية. وواقع القضية الفلسطينية يسمح بتعرية كيان الاحتلال بالأدوات العلمية،
وبنصوص القانون الدولي، الذي ينبغي الاعتذار عن ذِكْره وهو مجرد أداة يستخدمها
الأقوياء فقط.
واجب الباحثين المناهضين للاحتلال أن يتحركوا في إطار البحث العلمي بما يتجاوز القيود الوقحة والمدلِّلة لطفل وقح وعدواني، باستخدام أدوات علمية، لا هتافات سياسية. وواقع القضية الفلسطينية يسمح بتعرية كيان الاحتلال بالأدوات العلمية، وبنصوص القانون الدولي، الذي ينبغي الاعتذار عن ذِكْره وهو مجرد أداة يستخدمها الأقوياء فقط
ربما
يجدر قبلَ التفصيل بيانُ إدراكي لوضع القضية الفلسطينية، وأن التغيرات المطروحة
تقف على أعتاب المستحيل، لكنني أدرك كذلك أهمية تراكم النضال، وتراكم الأفكار، بما
فيها الخارج عن نطاق المعقول في يوم ما، إذ عادة الأيام أنها دول ولا تَقَرُّ على
حال، وربما تأتي لحظة تناسب مطروحا في زمن المستحيل.
هذا
التأسيس الأكاديمي يمكن أن يمر عبر مرحلتين؛ الأولى وقف كل الأطروحات السياسية
التي تناقش عودة الإسرائيليين إلى حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967، والتأسيس
على أن أي تهدئة مع العدو ينبغي أن تكون على أساس القرار الدولي المنشئ للكيان
الغاصب وهو القرار 181 لعام 1947.
قامت
المحاججة العربية طوال عقود ما بعد هزيمة 1967 على أساس هذه الحدود لأن مصر وسوريا
والأردن فقدوا أراضي لهم في تلك الفترة، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر من نفس العام
صدر القرار رقم 242 الذي دعا إلى انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في ذلك
النزاع، وبالطبع تمسكت النظم المنهزمة بطوق النجاة هذا، وصار دستورُ العلاقة مع
الصهاينة: عودوا عما أخذتموه بالدماء مقابل "
السلام". ثم جاءت اتفاقيات
التطبيع عام 2020 لتطوي صفحة "السلام المشروط"، وتفتح صفحة "المصلحة
السياسية لنخب الحكم قبل المصلحة الوطنية والفلسطينية بالطبع".
إذنْ،
أرادت الدول المنهزمة عام 1967 أن تستعيد أرضها فطرحت هذه الحدود أساسا للعلاقات
مع إسرائيل، وهكذا كان يقول عبد الناصر للصحافة الأجنبية، وإذا كان من حق كل دولة
أن تستعيد أرضها، فليس من حق أي دولة أن تحدد لغيرها مساحة المقبول والمرفوض. وقد استمرأ العرب الرضا بحدود 1967، وكان الأولى أن
يرفعوا راية حدود عام 1947 باعتبارها القرار الأممي الأساس، لا أن يرسخوا اقتطاع
الأرض بالهزيمة العسكرية عامي 1948-1949، والمفارقة أنهم كانوا سببا فيها بعد دخول
الجيوش العربية وسحب إمداد المقاومة الشعبية بالسلاح.
من
هنا تعين على الباحثين المؤمنين بعدالة القضية الفلسطينية من جهة، وفي الوقت ذاته
يرون صعوبة تغيير الوضع القائم وإنهاء الاحتلال بشكل كامل، أن يعيدوا قضية حدود
عام 1947 إلى الواجهة، وجعلها هي المرجعية الأساسية في المطالبات الفلسطينية
والعربية، على الأقل في المستويات الشعبية والإعلامية، بعد اليأس من صلاح نظم
الحكم وصدق توجهها نحو الحق الفلسطيني.
من هنا تعين على الباحثين المؤمنين بعدالة القضية الفلسطينية من جهة، وفي الوقت ذاته يرون صعوبة تغيير الوضع القائم وإنهاء الاحتلال بشكل كامل، أن يعيدوا قضية حدود عام 1947 إلى الواجهة، وجعلها هي المرجعية الأساسية في المطالبات الفلسطينية والعربية، على الأقل في المستويات الشعبية والإعلامية، بعد اليأس من صلاح نظم الحكم وصدق توجهها نحو الحق الفلسطيني
أما
المرحلة الثانية، وهي المرحلة الأعدل والأنسب للقضية الفلسطينية، فتطرح إزالة
الاحتلال عن كامل الأرض الفلسطينية، وأن تكون كما كانت قبل قرار التقسيم الذي قام
على أساس عنصري لوطن "يهودي"، فتُزال الإضافة العنصرية، ويصير الأساس قائما
على دولة تجمع الجميع دون استثناء لمن يريد أن يعيش فيها ويمارس حريته الدينية دون
اعتداء على الغير.
الحل
الأمثل لتفكيك وضع المستعمرين في عموم فلسطين يكون عبر إجراء انتخابات عامة لا
تستثني أحدا بما في ذلك الفلسطينيون في الشتات، سواء كانوا من جيل النكبة أو
أبنائهم وأحفادهم، فهؤلاء لهم حق العودة الذي لا يسقط بالتقادم، مع وضع ضوابط
رقابة الانتخابات في أي استحقاق انتخابي سواء تعلق بالجهات التشريعية أو التنفيذية،
دون وضع نسب تمثيلية لأي فئة في المجالس النيابية أو الحكومية، وأن يكون النظام
الانتخابي بنظام العتبات الانتخابية التي تتجاوز عيوب التكتلات السكنية في إحدى
المناطق لأي جماعة، إذ النظام الفردي سيسمح بتمثيل جغرافي لا تمثيلا وطنيا.
مرة
أخرى، تجب التذكِرة بأننا أمام فضاء للطرح الأكاديمي، وهذا مفهوم جدا بسبب سياسة
الغاب التي تحكم النظام الدولي والمنطقة، وأننا أمام كيان لا يعرف غير اللغة التي
يستخدمها، لكن هذا لا يمنع طرح ما قد يصلح لزمن لاحق، ونقول قد يصلح لأن الواقع
بالفعل لا يصوِّر إمكانية حصول مجرد نقاش حول هذه المسائل، كما أن ساحة الأكاديميا
تختلف عن ساحة السياسة وتختلف عن ساحات المعارك، ولكل ساحة أدواتها، ولا ينبغي أن
نترك ساحة دون اقتحامها، وطرح رؤيتنا ومحددات قضيتنا.
ورغم
نسبة الجزء الثاني من الأفكار إلى المستقبل غير المتوَقَّع، فإن قضية حدود عام
1947 ليست بعيدة عن الطرح الحالي في نقاش الفلسطينيين؛ خاصة أن المقاومة
الفلسطينية أدخلت نفسها على طاولة المفاوضات بقوة، وهي أقدر من يقود المصالح
الفلسطينية في ظل التيه العربي والوهن الذي أصاب منظمة التحرير منذ نشأتها.