حذر تقرير لمجلة "
ناشونال إنترست" الأمريكية من أن الأردن
يمكن أن يتحول من حليف استراتيجي مفيد لواشنطن إلى عبء وذلك على خلفية تأثيرات
العدوان الإسرائيلي على قطاع
غزة.
ويربط التقرير الذي أعدته إميلي ميليكين، المحللة من
"أسكاري أسوسيتس"، وكيتلين ميلر هولينغسورث، المحللة من مجموعة "فوزي
ميلير"، بين الاحتجاجات الشعبية العارمة على العدوان على غزة ومحاولات
داعش
وإيران التوسع في الساحة الأردنية، دون الالتفات بشكل كاف إلى السبب الرئيسي لتلك
الاحتجاجات، ودون الالتفات كذلك إلى الموقف الرسمي الذي يؤكد أن مشكلة المنطقة
تكمن في عدم إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.
ويحذر التقرير واشنطن من مغبة توسع
الاحتجاجات الشعبية التي قد تؤثر على استقرار وأمن المملكة الحليفة وتجعلها عرضة
لأنشطة داعش وإيران، وترى المحللتان أن النظام الملكي الأردني الذي نجا من العديد من
الحركات الاحتجاجية منذ تأسيسه بفضل الدعم الأمريكي، يواجه الآن احتجاجات تهدد الاستقرار
الإقليمي "ولا ينبغي التغاضي عنها".
وتحصر المحللتان المشكلة
في الأردن بالحاجة الاقتصادية، وتطالبان واشنطن والحلفاء الخليجيين بمواصلة دعم
الأردن بالمساعدات الاقتصادية والسياسية التي يمكن أن تهدئ الاضطرابات، وتشجع الاستثمارات
الجديدة، وتضمن مستقبلاً أكثر استقراراً. لكنهما
لا تقترحان أي شيء بخصوص العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، وكذلك الانتهاكات
والتهويد المستمر الذي يتعرض له المسجد الأقصى، وتوسع الاستيطان في الضفة الغربية
وقتل إمكانية إقامة أي دولة فلسطينية حقيقية قابلة للحياة، ومحاولات تهجير
الفلسطينيين، وهي الأسباب الرئيسية للاحتجاجات الشعبية العارمة التي تجتاح المدن
الأردنية كافة.
وفي ما يأتي نص التقرير:
يعتبر الأردن، الذي يتمتع بعلاقات عميقة
مع الولايات المتحدة منذ أكثر من سبعين عاماً ويستضيف ما يقرب من 3000 جندي أمريكي، شريكاً حيوياً في الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط. وبعد أن تلقت أكثر من 20 مليار
دولار من المساعدات الأمريكية منذ عام 1951، عملت عمان كشريك قيم لعمليات مكافحة الإرهاب
الأمريكية، خاصة في العراق وسوريا، ووسيطا بين "إسرائيل" وفلسطين. وفي كانون
الثاني/ يناير 2023، اتفقت عمان وواشنطن على صفقة بقيمة 4.2 مليار دولار تزود الحكومة
الأردنية بطائرات مقاتلة متقدمة من طراز "بلوك 70 إف-16" كجزء من توسيع مذكرة
التفاهم التي مدتها سبع سنوات والموقعة في عام 2022.
ومع ذلك، فإن الاحتجاجات واسعة النطاق الأخيرة
في جميع أنحاء البلاد وضعت مكانة الأردن كمعقل للأمن والاستقرار في المنطقة موضع شك.
ومنذ هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول/
أكتوبر، وما نتج عنه من غزو إسرائيلي لغزة، خرج آلاف المتظاهرين الأردنيين إلى الشوارع
لانتقاد سياسات الحكومة تجاه "إسرائيل" بما في ذلك السماح للإسرائيليين باستخدام
الأراضي الأردنية كجزء من ممر بري لنقل البضائع وسط انعدام الأمن بسبب هجمات الحوثيين
على البحر الأحمر.
وفي منتصف شباط/ فبراير، هتف المتظاهرون
الأردنيون "الجسر البري خيانة"، بل وشكلوا سلسلة بشرية لمنع الشاحنات التي
تحمل البضائع من عبور الحدود الأردنية الإسرائيلية. وهذا التطور ليس مفاجئاً نظراً
لأن أكثر من نصف سكان الأردن هم من الفلسطينيين، بما في ذلك مليونا لاجئ فلسطيني مسجلين.
وفي حين يحمل العديد منهم الآن الجنسية الأردنية، فإن ما يقدر بثمانية عشر بالمائة
من اللاجئين يعيشون في ثلاثة عشر مخيمًا رسميًا وغير رسمي للاجئين في جميع أنحاء البلاد.
وإدراكاً منها لبرميل البارود الذي تجلس
عليه، فقد قامت الحكومة الأردنية بشن حملة قمع واسعة النطاق شملت حظر المظاهرات والتجمعات
في وادي الأردن وعلى طول حدوده، وإطلاق الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين الذين حاولوا
اقتحام السفارة الإسرائيلية، وإغلاق الطرق الموصلة إلى السفارة الإسرائيلية والأمريكية
والسفارات الأوروبية، واعتقلت ما لا يقل عن 1000 شخص بين تشرين الأول/ أكتوبر وتشرين
الثاني/ نوفمبر فقط.
واعتمدت الحكومة أيضًا على قوانين الأمن
السيبراني التقييدية لاعتقال الأشخاص بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تعبر
عن مشاعر مؤيدة للفلسطينيين تنتقد علاقة عمّان بالحكومة الإسرائيلية أو تحرض على الإضرابات
والاحتجاجات العامة.
وفي حين أن النظام الملكي الأردني نجا من
العديد من الحركات الاحتجاجية منذ تأسيسه، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الدعم الأمريكي،
فإن الاحتجاجات الحالية تهدد الاستقرار الإقليمي ولا ينبغي التغاضي عنها.
وفي نهاية المطاف، فإن هذه المظاهرات الأخيرة
ليست سوى عرض من أعراض القضايا الأوسع التي تواجه المملكة الهاشمية.
في السنوات الأخيرة، تحدى الشعب الأردني
حكومته بشأن علاقتها مع "إسرائيل" والعديد من السياسات الاجتماعية والاقتصادية
التي لا تحظى بشعبية، بما في ذلك زيادة أسعار المحروقات، ما أثر على أولئك الذين
يعانون بالفعل من الظروف الاقتصادية السيئة وارتفاع الأسعار والبطالة.
وتدرك عمّان أن عدم ثقة الجمهور بالحكومة
جعل الملك عرضة للخطر. ولا يزال ولي العهد السابق حمزة بن الحسين – الذي يتمتع بشعبية
واسعة وخاصة في أوساط المؤسسة القبلية – تحت الإقامة الجبرية بعد حوالي ثلاث سنوات
من الاشتباه في تورطه في مؤامرة للإطاحة بأخيه غير الشقيق، الملك.
إذا انتشرت الاضطرابات وزعزعت استقرار الحكومة
في عمّان، فإن ذلك يعني أكثر من مجرد فقدان حليف موثوق للولايات المتحدة في المنطقة.
ومن الممكن أن يصبح الأردن، بسكانه الساخطين على حالة الاقتصاد والوجود الكبير للاجئين
المعرضين للتطرف، ساحة جديدة لتنظيم الدولة (داعش) والنشاط
الإيراني الخبيث.
وفي حين تجنبت عمّان حتى الآن تمرد "داعش"
على نطاق واسع، على الرغم من تقاسم الحدود مع كلا البلدين اللذين استضافا الخلافة
الإقليمية قصيرة العمر للجماعة، إلا أن الأردن كان منذ فترة طويلة هدفا مرغوبا فيه؛
ويعتبر تنظيم "داعش" حكام الأردن خونة للدين لتعاونهم مع "إسرائيل"
والولايات المتحدة. ومما لا شك فيه أن المجموعة ستغتنم الفرصة للتجنيد والعمل داخل
البلاد، ما يعرض للخطر موطئ قدم أمريكي مهم في المنطقة لعمليات مكافحة الإرهاب.
ويتفاقم هذا القلق فقط من خلال التحذيرات
من أن الحرب بين "إسرائيل" و"حماس" قد تكون بمثابة أداة دعائية قيمة لتنظيم
الدولة، الذي أعلن عن حملة جديدة اسمياً لدعم فلسطين، تهدف إلى زيادة التعاطف مع جهود
التجنيد وجمع الأموال.
وتأكيداً على ضعف الأردن أمام مثل هذه المساعي، فقد دعت منظمة من علماء المسلمين الفلسطينيين الشباب الأردني على وجه التحديد، الذين يشكلون
أكثر من ستين بالمائة من السكان، إلى "استخدام كافة وسائل الجهاد" وفتح جبهات
جديدة في القتال ضد "إسرائيل".
وفي الوقت نفسه، فإن هناك مخاوف متزايدة بشأن
تصاعد التهديدات المدعومة من إيران والنابعة من حدود الأردن مع العراق وسوريا.
وتفاقمت هذه المخاوف بعد الهجوم الذي وقع
في 28 كانون الثاني/ يناير على قاعدة "البرج 22" في الأردن، والذي أسفر عن
مقتل ثلاثة جنود أمريكيين ونُسب على نطاق واسع إلى مليشيا كتائب حزب الله العراقية التي ترعاها
إيران.
وبالإضافة إلى التهديدات، فقد حدثت زيادة في
تهريب المخدرات والأسلحة والمتفجرات إلى الأردن من قبل أولئك الذين يُعتقد أنهم تجار
مرتبطون بإيران، ما يشير إلى أن طهران تأمل في جعل الأردن نقطة عبور لتهريب الأسلحة
والمخدرات، وفي المستقبل، يمكنهم حتى استخدام البلاد كنقطة انطلاق لشن هجمات ضد "إسرائيل".
وتثير هذه الاحتمالات تساؤلات حول ما إذا
كانت الولايات المتحدة ستستمر في السماح للحكومة الأردنية بالانزلاق إلى هذا المستوى
من الاضطرابات.
وإدراكاً منها بأن حملة "حماس" التي ترعاها
إيران هي الشرارة التي أشعلت الاضطرابات الحالية في الأردن، فإن واشنطن تحتاج إلى خطة شاملة
طويلة الأمد لمنع طهران من بذل جهود مستقبلية لزعزعة استقرار المنطقة.
وفي هذه الأثناء، ينبغي على الولايات المتحدة
-وشركائها الخليجيين- مواصلة دعم الأردن بالمساعدات الاقتصادية والسياسية التي يمكن
أن تهدئ الاضطرابات، وتشجع الاستثمارات الجديدة، وتضمن مستقبلاً أكثر استقراراً.
على سبيل المثال، يجب على واشنطن تعزيز
برامج خلق فرص العمل وإجراء الإصلاحات التي تشتد الحاجة إليها في قطاعي الكهرباء والمياه
في البلاد. وبدون هذه الأنواع من الإصلاحات، فإن الأردن لديه القدرة على التحول من
أصل أمني أمريكي في المنطقة إلى عبء.