في الوقت الذي يحيي فيه السوريون في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري الذكرى الثالثة عشرة للثورة، تُثار تساؤلات عن عدم تحقيق الثورة رغم انقضاء وقت طويل على اندلاعها لأحد أبرز أهدافها، المتمثل في إسقاط النظام السوري.
وفي ذكرى الثورة التقت "عربي21" شخصيات من المعارضة السورية، للحديث عن الأسباب التي منعت سقوط النظام السوري.
وفي هذا الإطار، يقول المفكر البارز وأول رئيس للمجلس الوطني السوري برهان غليون، إنه "عندما اندلعت
الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، وصار واضحا أن دائرة الاحتجاجات التي ميزت جميع ثورات الربيع العربي أخذت تتوسع ويزداد المحتشدون تصميماً على المواجهة بالرغم من العنف المفرط الذي تعرضت له كان أول ما خطر في ذهني وسجلته في مقالة بعنوان "المعجزة السورية" أن الثورة السورية انتصرت".
ويضيف لـ"عربي21" أن "الانتصار هنا هو أن الجمهور تغلب على خوفه وامتلك الشجاعة لمواجهة آلة الحرب العسكرية والأمنية"، معتبرا أن "الثورة الشعبية تنجح منذ اندلاعها وإسقاطها جدار الخوف والترويع الذي تقوم عليه أنظمة القهر، وتخسر هذه الأنظمة رهانها منذ اللحظة التي يصبح فيها العنف غير قادر على ردع الجمهور وإجباره على الاستمرار في الخضوع والطاعة وبالتالي استحالة عودة الأمور إلى الوراء ثانية، وهذا ما حصل لجميع ثورات الربيع العربي التي شهدت رحيل الرؤساء وإسقاط النظام الفردي على أمل إقامة نظام جديد يرد على إرادة التغيير والتحرر من الاستبداد، لكن في جميع هذه الحالات لم يعقب إسقاط النظام أو رأسه وضع أسس النظام الديمقراطي البديل الذي كان الجمهور يتطلع إليه".
التدخل الخارجي
وبتابع غليون: "بهذا المعنى لا يختلف مسار الثورة السورية كثيرا عن مسار الثورات العربية الأخرى، مع فارق واحد، لكنه كبير وخطير، هو أن تدخل القوى الإقليمية والدولية لم يأت بعد سقوط النظام أو ترنح أركانه وإنما جاء مباشرة منذ بداية الأحداث لإجهاض الثورة ومنع النظام من السقوط".
وأضاف: "في هذه الحالة لن يعرقل التدخل مسار الثورة أو يقتصر أثره على القضاء على القوى القيادية في الثورة وإنما يسعى إلى القضاء على حاضنتها الشعبية، وهذا ما حصل جزئيا في ليبيا وبشكل كبير وشامل في
سوريا، وهو الذي يفسر الطابع الاستثنائي لمسار ثورة السوريين خلال السنوات الماضية، حيث تحولت الثورة المضادة المدعومة بالقوى الخارجية، وفي مقدمها مليشيات إيران، إلى حرب إبادة جماعية حطمت المجتمع وشردت نصف الشعب ودمرت الاقتصاد والمرافق العامة تماما كما يحصل في غزة اليوم وقسمت البلاد إلى إمارات حرب تسيطر عليها المليشيات وتعمل تحت إشراف الدول الأجنبية وتحافظ على سيطرتها ومناطق نفوذها".
وبحسب غليون فإن هذا الإخفاق في عملية بناء الجديد، في سوريا وبقية البلدان العربية التي شهدت ثورات شعبية عفوية مماثلة لا يعود فقط إلى ضعف القوى الثورية وضعف التنظيمات السياسية والمدنية التي هي إرث النظام الاستبدادي ونظام الحكم العرفي الدائم، بالإضافة إلى الأخطاء التي وقعت فيها الأطراف الاجتماعية المختلفة التي شاركت في إطلاق الثورة وقيادتها، وإنما أيضاً إلى تدخل القوى الخارجية، العربية والدولية، كما حصل في مصر وتونس واليمن والبحرين بشكل واضح، والواقع أن هذا يكاد يكون أحد القوانين التي تحكم جميع الثورات التي حصلت في القرنين الماضيين، ذلك أن التغيير في نظم الحكم في هذا البلد أو ذاك لا يمس التوازنات الاجتماعية والسياسية الداخلية فحسب ولكنه يهدد بتغيير التوازنات الإقليمية.
ويتابع: "يقودني هذا إلى التذكير ببعض ما يمكن أن نسميه دروس الثورات الشعبية الراهنة ومآلاتها في البلاد العربية كما هو الحال في أكثر بلدان العالم، والتي يمكن أن نستفيد منها في توجيه ثورات الموجة الثانية الحتمية، الأول هو أنه لا توجد ثورة على نظم قهرية تنعدم فيها كل أشكال الحرية الفكرية والسياسية ولا تستمر إلا بتأبيد الأحكام العرفية مالكة لعوامل انتصارها من المحاولة الأولى، فهي بالتعريف انفجار عفوي ورد فعل على شروط حياة وضغوط داخلية وخارجية لم يعد من الممكن احتمالها تنطلق عندما تجد الفرصة سانحة ويختل توازن النظام القائم، وهي تجري في مجتمعات حرم عليها النقاش والحوار والنشاط السياسي وبالتالي فهي عديمة التنظيمات السياسية والنقابية والمدنية أو فقيرة جدا بها، ومن الطبيعي أن تنجح في القضاء على نظام قائم فقد شرعيته وقدرته على الردع في مواجهة ملايين البشر الغاضبين، لكنها لا يمكن أن تنجح في وضع أسس نظام جديد يستجيب لتطلعاتها".
ويقول غليون: "ليس من السهل بل إن من المستحيل على الجمهور الثائر الذي توحده إرادة مشتركة بسيطة لتغيير النظام أن يكتشف أو يطور بسرعة عهدا اجتماعيا ورؤية مشتركة للمستقبل بل حتى خطة واستراتيجية واحدة لمواجهة القوى المضادة، فهذه الثورات العفوية لا تملك تنظيما سياسيا وعسكريا وخططا مسبقة للثورة، ولا يمكنها المراهنة على نخب منظمة ثقافية وسياسية تكاد تكون غير موجودة أو عديمة الوزن وشديدة الانقسام، بعكس ما عرفته الثورات السياسية والاجتماعية التي سادت في بدايات القرن الماضي باسم التحرر الوطني أو الوحدة القومية أو الثورة الاشتراكية والشيوعية وقادتها نخب سياسية ومثقفة تمرست بالنضال وخاضت فيما بينها معارك فكرية وبلورت وعيا مشتركا وأيديولوجيات جامعة وطورت خططا واستراتيجيات عقلانية واضحة ومسبقة لمواجهة القوى المحلية والأجنبية".
أما الدرس الثاني، بحسب غليون، فهو أنه "في عالم أصبح شديد الترابط والتداخل في المصالح والمصائر من المستحيل ألا تثير ثورة أي شعب، مهما كان ضعيفا وهامشيا، شهية الدول الإقليمية الأكبر بل والقوى الكبرى ذاتها لاستغلالها، سواء بالاستثمار فيها أو بالمساهمة في تحطيمها لتحقيق مصالح خاصة بها".
والسؤال: "هل يحكم هذا الوضع على المجتمعات الثائرة بالبقاء في قبضة النظم القهرية والفاسدة والاستبدادية إلى الأبد؟". ويرد غليون: "بالتأكيد لا، لكنه يدفع أو ينبغي أن يدفع إلى التفكير في الدرس الثالث المهم المرتبط بدور النخب المثقفة والسياسية في التأثير على مستقبل كفاح شعوب المنطقة ومآلات ثوراتها وانتفاضاتها التي لم تكن ثورات العقد الثاني من هذا القرن سوى الدفعة الأولى على حساب كبير وعسير، بين النظم وشعوبها".
إسقاط النظام.. مهمة صعبة
من جانبه، يؤكد نائب رئيس الائتلاف السوري عبد المجيد بركات، أن السوريين عندما ثاروا كانوا يدركون كم هي صعبة مهمة إسقاط النظام، موضحاً أن "الوعي السوري كان يدرك تماماً أن النظام السوري سيستخدم أقصى درجات العنف، والتجارب السابقة حاضرة، في حماة وغيرها".
ويضيف لـ"عربي21": "بهذا المعنى فإن الاستمرارية في الثورة، رغم كل ما حصل، يعد إنجازاً، ونستطيع القول إن الحفاظ على مبادئ الثورة هو انتصار"، ويستدرك: "لكن ربما على المستوى السياسي والعسكري ربما كانت هناك بعض العوامل الداخلية والخارجية التي أدت إلى عدم الوصول إلى هدف إسقاط النظام".
وهنا يتحدث عن بركات، عن عدم وجود إرادة دولية حقيقية لحل الأزمة في سوريا، معتبراً أن "كل الجهود الدولية والإقليمية كانت غايتها إدارة الأزمة السورية، ويمكن تلمس ذلك حتى من خلال قرارات مجلس الأمن غير الحاسمة، والتي لا تستند إلى آلية تنفيذ".
محاور إقليمية
من جانب آخر، يلفت بركات إلى الاصطفاف الإقليمي، ويقول: "لقد أثرت الخلافات بين الدول الداعمة للثورة على الأخيرة، وشهدنا ما يشبه الصراعات الإقليمية، وكل ذلك أثر على مسار الثورة".
ويتابع نائب رئيس الائتلاف، بالإشارة إلى الأداء السياسي للمعارضة السورية، ويقول: "ربما كان أداء المعارضة مؤثراً على تحقيق أهداف الثورة، رغم الجهد الكبير من أجسام المعارضة للوصول إلى أهداف الثورة، يمكن أن نتحدث عن قصور في أداء المعارضة السياسية".
ويلفت كذلك إلى "الفجوة" بين المعارضة السياسية والفصائل العسكرية، ويقول: "لقد أعطي الجانب العسكري أولوية في الحل السياسي، وكان هناك محاولات إقليمية ودولية لخلق فجوة بين السياسيين والعسكريين، وهذا خلق أزمة على مستوى إدارة السلاح".
عوامل خارجية وداخلية
وفي السياق ذاته، يشير الكاتب والمحلل السياسي باسل المعراوي، إلى عوامل خارجية وداخلية حالت دون إسقاط النظام، موضحاً أن "لعنة الجغرافيا ألقت بكل ظلالها على الثورة السورية حيث تتمتع سوريا بموقع جغرافي متميز فهي تقع في الشرق الأوسط وهو قلب العالم الذي تلتقي فيه الطرق البرية والبحرية والجوية، فسوريا ليست دولة طرفية أو ذات موقع عادي ليتم تركها وشأنها".
ويضيف لـ"عربي21": "تعتبر سوريا القريبة من منابع الطاقة والواقعة على خطوط توصيلها ذات أهمية دولية وإقليمية كبرى حيث تتنافس المصالح فيها، ومن لعنات الجغرافيا أيضا مجاورة سوريا لدولة الاحتلال الإسرائيلي، تلك الدولة التي يُجمع الغرب والشرق على ضرورة حمايتها".
أما على صعيد العوامل الداخلية، فيقول المعراوي: "لم يكن تسليح الثورة خطأً ارتكبه الثوار بل كان ضروريا للدفاع عن أنفسهم إزاء كمية العنف المفرط من النظام، حيث لم يُقيّد النظام نفسه بكمية ونوعية العنف الذي يستخدمه، وأيضا لم يضع المجتمع الدولي أي قيود عليه في كمية ونوعية العنف".
كذلك يؤكد أن "النظام نجح في تطييف الثورة وذلك بالتعاون مع إيران، حيث مارس عنفا ماديا مذهبيا لاستدراج رد فعل من الطرف الآخر، وبالتالي انتشرت التنظيمات الجهادية في الساحة السورية". وبحسب المعراوي فإن "النظام أسهم في إنشاء التنظيمات الإرهابية، وكانت خنجره في خاصرة الثورة".