نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرًا تحدثت فيه عن موقف الدول العربية الدبلوماسي من إسرائيل مع تصاعد التوتر في المنطقة في ظل الممارسات الإسرائيلية في غزة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الكثير من مواطني دولة
الإمارات كانوا قبل بضع سنوات على استعداد للتحدث بحرارة عن علاقات بلادهم الناشئة مع إسرائيل من خلال صفقة توسطت فيها الولايات المتحدة. ونشأت مجموعات الأعمال لتوجيه الاستثمارات عبر البلاد. وتوقع المسؤولون الأمريكيون والإماراتيون والإسرائيليون أن اتفاقهم، الذي أطلق عليه اسم اتفاقيات إبراهيم، سينشر السلام في جميع أنحاء الشرق الأوسط. لكن أصبح من الصعب الآن العثور على مؤيّدين إماراتيين للصفقة، بينما القصف الإسرائيلي لغزة منذ أشهر يؤجج الغضب في جميع أنحاء المنطقة.
ونقلت الصحيفة عن رجل أعمال إماراتي، كان قد روج ذات مرة للعلاقات الاقتصادية، قوله إنه ترك مجلس الأعمال الإماراتي الإسرائيلي وليس لديه أي شيء آخر ليقوله. وقال بعض الإماراتيين، على الرغم من إحباطهم من الاتفاقات، إنهم يخشون التحدث علنًا مستشهدين بتاريخ حكومتهم الاستبدادية في اعتقال المنتقدين. ومن بين الشخصيات التي تحدثت علنًا، نائب رئيس شرطة دبي، الذي أعلن على الإنترنت أن العرب "يريدون السلام حقًا" وأن إسرائيل "أثبتت أن نواياها شريرة".
يقول المحللون إنه من غير المرجّح أن تنسحب الإمارات أو إسرائيل من الصفقة: فهي تظلّ شريان حياة دبلوماسي لإسرائيل بينما تتدهور علاقاتها مع الدول العربية الأخرى وقد جلبت للإمارات مليارات الدولارات في التجارة والعلاقات العامة الإيجابية في الدول الغربية. وقال محمد باهارون، رئيس مركز أبحاث دبي، إن المسار الحالي للحرب لا يبشّر بالخير للاتفاقات أو لأمن الشرق الأوسط. وأضاف باهارون أن "هذه شراكة، وإذا لم يقم أحد الشركاء بدفع مستحقاته، فهي ليست شراكة بعد الآن".
وقد تصاعد الغضب تجاه إسرائيل وحليفتها الرئيسية الولايات المتحدة بشكل حاد في العالم العربي بسبب القصف الإسرائيلي وغزو غزة، الذي أودى بحياة أكثر من 30 ألف فلسطيني، كما يقول مسؤولو الصحة في غزة، وترك مليونين آخرين يواجهون النزوح الجماعي وخطر المجاعة وانهيار النظام الطبي.
وأوردت الصحيفة أنه بالنسبة لحفنة من القادة العرب الذين يحتفظون بعلاقات مع إسرائيل، دفعتهم الحرب إلى إعادة النظر في تلك العلاقة. واستدعى الأردن سفيره في تشرين الثاني/ نوفمبر. وحذر مسؤولون مصريون من أن أي عمل يؤدي إلى تدفق سكان غزة إلى مصر قد يعرض للخطر معاهدة عمرها عقود. وبقي سفراء إسرائيل لدى البحرين والمغرب ومصر إلى حد كبير في إسرائيل منذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، بعد الهجوم الذي قادته حماس الذي يقول مسؤولون إسرائيليون إنه أسفر عن مقتل حوالي 1200 شخص.
وأفادت الصحيفة بأن الفتور الدبلوماسي أدى إلى جعل سفارة إسرائيل وقنصليتها في الإمارات بمثابة البعثة الدبلوماسية الوحيدة التي تعمل بكامل طاقتها في العالم العربي. كما أوقفت العديد من شركات الطيران المملوكة للحكومة رحلاتها، مما جعل الإمارات الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي يمكن للناس فيها السفر مباشرة إلى إسرائيل.
ورغم الضغوط، يقول المسؤولون الإماراتيون إنه ليس لديهم أي نية لقطع العلاقات. وسلطت الصحيفة الضوء على بيان الحكومة الإماراتية الذي بينت فيه كيفية استخدام المسؤولين الإماراتيين علاقتهم مع إسرائيل لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية لسكان غزة، وكذلك توفير العلاج الطبي للجرحى من سكان غزة الذين تم نقلهم إلى الإمارات. وقالت الحكومة: "تعتقد دولة الإمارات أن الاتصالات الدبلوماسية والسياسية مهمة في الأوقات الصعبة مثل تلك التي نشهدها".
في أواخر شباط/ فبراير، أصبح وزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات أول وزير إسرائيلي يزور الإمارات منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لحضور اجتماع لمنظمة التجارة العالمية. وقال في مقابلة إنه "متفائل للغاية" بعد لقائه مع المسؤولين الإماراتيين. وأورد بركات: "هناك القليل من الحساسية بينما لا تزال الحرب مستمرة"، لكن البلدين "لديهما مصالح متطابقة، واتفاقيات إبراهيم استراتيجية للغاية بالنسبة لنا جميعًا". مع ذلك، حتى لو لم يكن وجود الاتفاقيات على المحك، فإن الشكل الذي ستبدو عليه العلاقة ليس مؤكدًا على الإطلاق، كما قال العديد من الإسرائيليين والإماراتيين.
ونقلت الصحيفة عن نوا غاستفرويند، المؤسسة المشاركة الإسرائيلية لمجموعة تيك زون، وهي مجموعة تربط بين رواد الأعمال والمستثمرين في مجال التكنولوجيا الإماراتيين والإسرائيليين، أن "المرحلة الرومانسية من اتفاقيات إبراهيم تلاشت نوعًا ما. لقد دخلنا الآن مرحلة واقعية من إدراك أن الأمر لن يكون سهلاً".
وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل ترغب بشكل خاص في الاتفاقات، التي تم الإعلان عنها في سنة 2020، كخطوة رئيسية نحو المزيد من التكامل في الشرق الأوسط حيث عزلت الدول العربية إسرائيل منذ فترة طويلة بسبب معاملتها للفلسطينيين وسيطرتها على غزة والضفة الغربية. وبينما أشاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس دونالد ترامب بالاتفاق باعتباره علامة فارقة، خفف الرئيس الإماراتي الشيخ
محمد بن زايد آل نهيان من احتفاله. وأكد أن نتنياهو وترامب توصلا إلى اتفاق "لوقف المزيد من الضم الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية".
وعلى مدى السنوات القليلة التالية، تدفق مئات الآلاف من السياح الإسرائيليين إلى الإمارات. وفي سنة 2022، أعلنت الدولة عن تجارة بقيمة 2.5 مليار دولار مع إسرائيل. وتم افتتاح عدد قليل من المطاعم الإسرائيلية في دبي، أحدها أطلق عليه اسم "مقهى بيبي"، وهو لقب نتنياهو.
وأوضحت الصحيفة أنه سرعان ما ظهرت تصدعات بين الإماراتيين المحبطين، وهم يراقبون توسع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وتشكيل إسرائيل للحكومة الأكثر يمينية في تاريخها. لم تتحقق الخطط المتعددة لنتنياهو لزيارة الإمارات، ولم تتوسع الاتفاقيات لتشمل دولًا مثل عمان أو قطر. وبينما واصل المسؤولون السعوديون المحادثات مع المسؤولين الأمريكيين لاحتمال الاعتراف بإسرائيل، فإنهم غير مهتمين بالانضمام إلى الاتفاقيات – ويطالبون بتنازلات كبيرة.
قال أنور قرقاش، وهو مسؤول إماراتي كبير، في مؤتمر عُقد في أيلول/ سبتمبر إن العلاقات الإسرائيلية "تمر بوقت عصيب". وفي الواقع، تفاقمت التوترات منذ بدء الحرب. ونشر ضاحي خلفان، نائب قائد شرطة دبي، إدانات لاذعة لإسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي، قائلاً إن القادة الإسرائيليين "لا يستحقون الاحترام". وكتب قرقاش في كانون الثاني/ يناير: "آمل أن يعيد جميع القادة العرب النظر في قضية التعامل مع إسرائيل"، وهو نداء صريح على نحو غير عادي في الإمارات حيث لا يتحدث معظم المواطنين إلا قليلًا عن السياسة، من باب الاحترام والخوف.
وذكرت الصحيفة أن العديد من الإماراتيين رفضوا إجراء مقابلات حول الحرب في غزة أو العلاقات الإماراتية مع إسرائيل. ووافق أحد الإماراتيين في العشرينات من عمره على التحدث بشرط أن يتم تعريفه فقط بالاسم الأوسط، سالم. وصف سالم إحساسًا متزايدًا بالتنافر المعرفي بينما كان يستمتع بحياة مريحة، وسط ناطحات السحاب اللامعة والمقاهي المتخصصة، بينما كانت صور الموت والدمار تتدفق من غزة. وقال إن العلاقة مع إسرائيل كانت محبطة، خاصة أنه والعديد من الإماراتيين نشأوا على النظر إلى الفلسطينيين باعتبارهم إخوة يجب عليهم حمايتهم ويعتقد سالم الآن أن اتفاقيات إبراهيم كانت محاولة لكسب تأييد حلفاء الإمارات الغربيين وذلك جعله يشعر وكأن قيم بلاده معروضة للبيع.
وبينت الصحيفة أن وجهات النظر الإماراتية تجاه الاتفاقات أصبحت أكثر قتامة قبل الحرب، وذلك وفقًا لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو منظمة بحثية مؤيدة لإسرائيل بشكل عام. وبحلول تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، قال 71 بالمائة ممن شملهم الاستطلاع في الإمارات إن الاتفاقيات كان لها تأثير "سلبي" على منطقتهم. من جهتهم، ردّ المسؤولون الإماراتيون على الحرب حتى الآن من خلال التركيز على المساعدات لغزة، وتوجيه خطاب شديد القسوة تجاه إسرائيل، والدعوة إلى وقف إطلاق النار وإنشاء دولة فلسطينية.
وجاءت أقوى تصريحات مسؤول إماراتي حتى الآن على لسان لانا نسيبة، ممثلة الدولة لدى الأمم المتحدة، في شهادتها الأخيرة أمام محكمة العدل الدولية حيث نددت "بالهجمات الإسرائيلية العشوائية على قطاع غزة"، وقالت إن
الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية غير قانوني وطالبت بالمساءلة.
للاطلاع إلى النص الأصلي (
هنا)