لن
أخوض كثيرا مع الخائضين في تلك العلاقة الرومانسية التي نسجها مراهقو السياسة
ومناضلو "فيسبوك"، ممن يعيشون خارج الوطن ورأوا في الثورة فرصة للخروج من
الهامش إلى صدارة المشهد، مستغلين صمت أصحاب العقول أو غيبتهم، ولكن عتبي على
"المقاومة السلمية"
المصرية في الخارج، التي لم تصدق نفسها، وقبلت بأن
يسميها الإعلام بـ"المعارضة" فتماهت مع المصطلح؛ وقبلت به حتى تدجنت،
وبدلا من أن تصنع لنفسها مشروعا، أصبحت هي مشروع من أراد، حتى وصل الحال إلى إصدار
بيان ترحيب بالضيف، وهم خارج البيت.
ولأن
لقاء
أردوغان برأس النظام الحالي في مصر لم يكن مفاجأة، إذ إن الأمور يرتب لها منذ
ثلاث سنوات، فقد كتبنا في ذلك مرارا، ولو أردت عزيزي القارئ فلتراجع المقالات
("هل قرر أردوغان رفع المعارضة المصرية من على جهاز التنفس؟-
العلاقات
التركية المصرية وجهيزة- سيف أردوغان وذهبه.. والتحولات الدولية- موقف المعارضة
المصرية من تقارب القاهرة وأنقرة.. الخطأ الاستراتيجي- هل بات على المعارضة
المصرية أن تحمل حقائبها وترحل عن
تركيا؟!).
النظام في مصر يعاني أزمة اقتصادية حقيقية، أوصلت سعر الدولار الحقيقي في السوق إلى سبعين جنيها مصريا، في ظل تضخم يتزايد يوميا ويضغط على الشارع، بالإضافة إلى معدلات البطالة التي تتزايد بنفس نسب التضخم بل وتزيد. يتزامن ذلك مع جفاء واضح من الممولين الخليجيين وتعديل شروط الضخ، وبات لزاما أن يرضخ النظام للشروط الجديدة.
في
السطور القادمة، نقدم بعض الحقائق التي من شأنها أن تضع زيارة الرئيس التركي
للقاهرة في نصابها الصحيح، وتخرج الزيارة من مساحة الأغاني العاطفية والبكاء على
الأطلال، إلى مكانها الصحيح في عالم السياسة، ومن أول هذه الحقائق، توقيت الزيارة؛ فالنظام في مصر يعاني أزمة اقتصادية حقيقية، أوصلت سعر الدولار الحقيقي في السوق
إلى سبعين جنيها مصريا، في ظل تضخم يتزايد يوميا ويضغط على الشارع، بالإضافة إلى
معدلات البطالة التي تتزايد بنفس نسب التضخم بل وتزيد. يتزامن ذلك مع جفاء واضح من
الممولين الخليجيين وتعديل شروط الضخ، وبات لزاما أن يرضخ النظام للشروط الجديدة
التي وضعوها، حتى يتلقى النظام جرعة من الأوكسجين تبقيه على قيد الحياة. يأتي ذلك
مع ضغوط أمريكية وغربية في الملف الفلسطيني، ومساومات لم تنجح حتى الآن في الاستفادة من الأزمة لتحصيل المراد من الصفقة المعلقة، مع ذلك فإن تعاطي الاحتلال
مع النظام يورط الأخير أمام الشعب المصري والعربي والعالمي، بضخ الاتهامات أمام
المحافل الدولية، فيزيد من أزمة النظام.
على
الجانب الآخر، فإن وضع الضيف ليس أفضل حالا من المضيف؛ إذ يعاني حالة تضخم كبيرة لم
تفلح معها كل العلاجات الموصوفة من قبل بنكه المركزي، ثم إنَّه مقدم على انتخابات
بلدية، يراها مسألة حياة أو موت، ويريد أن ينجز في الملف الاقتصادي، من ناحية،
ويقطع الطريق على المعارضة التي طالما لامته خلال السنوات العشر الماضية على قطيعة
مصر، وهو إن كان موقفه من ذلك مبدئي (عدم التعامل مع الأنظمة الانقلابية)، إلا أن
مصالحه المتمثلة في حجم العلاقات الاقتصادية مع مصر، تجارية كانت أو استثمارية أو
سياحية، تدفعه بحكم الأمر الواقع إلى التعامل مع النظام القائم في مصر، فالسوق
المصري كبير ولا يمكن إغفاله، في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية والتغيرات
الجيوسياسية في المنطقة.
وضع الضيف ليس أفضل حالا من المضيف؛ إذ يعاني حالة تضخم كبيرة لم تفلح معها كل العلاجات الموصوفة من قبل بنكه المركزي، ثم إنَّه مقدم على انتخابات بلدية، يراها مسألة حياة أو موت، ويريد أن ينجز في الملف الاقتصادي، من ناحية، ويقطع الطريق على المعارضة التي طالما لامته خلال السنوات العشر الماضية على قطيعة مصر.
تواجه
العلاقات الاقتصادية بين مصر وتركيا العديد من التحديات، لكنها تجد من الفرص ما
يجعل متخذي القرار في البلدين يسعون لتخطيها؛ من أجل تحقيق الفرص التي تمنحها علاقات
أكثر تقاربا. من أهم التحديات التي تواجه هذه العلاقات، هي التوترات السياسية،
فكان لزاما على البلدين تخطي هذه التوترات، لا سيما أن هناك أطرافا كانت فاعلة في
تأجيج هذه التوترات، تراجع زخم فاعليتها بعد قمة العلا في السعودية في 2021 مع
التفاهمات التي خرجت القمة بها، وكان من بينها ولو بطريق غير مباشر، العلاقات
المصرية- التركية. ومن ناحية أخرى، موقف تل أبيب الممعن في إحراج النظام في مصر،
وهو ما سينعكس على قضايا معلقة بين أنقرة والقاهرة؛ أهمها غاز شرق المتوسط وترسيم
الحدود البحرية في البحر الأزرق، ومن ثم مواقف البلدين من الوضع في ليبيا. ولأن
تركيا لها ثقل لا يُتجاوز في القرن الأفريقي، فإن من مصلحة القاهرة تنسيق الملفات
الأمنية، على الأقل في هذه المرحلة، مع تركيا في بقعة تحسب ضمن فضاءات الأمن
القومي المصري.
وتسعى
أنقرة والقاهرة إلى تعزيز التعاون والمصالح المشتركة، على المستويات السياسية
والاقتصادية، والأخيرة تعد الأهم في هذه المرحلة، فإن خلق بيئة استثمارية جاذبة
للشراكات من الجانبين يعزز الوجود الاقتصادي المتبادل، لا سيما مع احتدام الأزمة
الاقتصادية العالمية، والتغير الجيواقتصادي الذي قد يُفقد البلدين مكانتهما
الجغرافية كدول ربط بين قارات العالم.
ولعلنا كتبنا في ذلك مقالا بعنوان "الممر
الاقتصادي الهندي وتغيير الخريطة الجيواقتصادية للمنطقة" يمكن الرجوع له، وهي
الخريطة التي ستؤثر سلبا في الأسواق الناشئة كافة في هذا المحيط الجغرافي. ومن ثم
فإن الفرصة مواتية لكلا البلدين لتجاوز التحديات الحالية، والتعاون على مستوى أوسع
لتعزيز الاستقرار الاقتصادي لمستويات أوسع وأكبر، تحت مزلة تصفير المشكلات التي
تنتهجها تركيا مع الولاية الأخيرة للرئيس أردوغان.
الفرصة لم تُعدم، كما يريد البعض تصويرها ببكائياته، طالما السياسة متحركة فإنه لا مستحيل، كل ما علينا فقط هو تحديد خياراتنا، وأول هذه الخيارات لمّ شمل الفرقاء وتوحيد الكلمة، ووضع رؤية على أسس علمية مبنية على المعلومات، ولن يكون ذلك إلا بانفتاح أكبر على الدوائر التي تحتويها، مع التذكير بأن الثورات قد تذبل لكنها لا تموت؛ طالما نهتم بها ونرعاها حتى تثمر.
ومن جملة هذه السياسة، فإن
الحديث عن ملف ضيوف تركيا من المصريين، لم يكن على طاولة نقاش أردوغان ولا مضيفه،
حيث تجاوز الطرفان هذه القضية بعد تفاهمات حدد فيها الجانب التركي حدودا تتوافق مع
القيم وحدود السياسة التركية التي لا ترد مستجيرا، ولا تسلم مظلوما.
مع
ذلك، فإن قطار المصالح تجاوز الضرير الذي لا يرى الأخطاء الكارثية للنظام، وينساق
وراء سياساته المنكفئة أمام رغبات دول إقليمية، يسعى لإرضائها على حساب البنية
الاستراتيجية للدولة المصرية، ما أفقد مصر المزيد من أوراقها ومكانتها الفاعلة في
المنطقة، كما تجاوز قطار المصالح الأسير رهين الخيارات الإقليمية، ومصالح الدولة
التي اختار التحرك منها، فتباطأ حراكه وتقلصت خياراته في عالم دائم الحركة، ويتفاعل
مع معطيات تُلزم الجميع بمزيد من المرونة، وسرعة في اتخاذ القرارات والتنقل بين
المربعات المتاحة. مع ذلك، فإن الفرصة لم تُعدم، كما يريد البعض تصويرها ببكائياته،
طالما السياسة متحركة فإنه لا مستحيل، كل ما علينا فقط هو تحديد خياراتنا، وأول
هذه الخيارات لمّ شمل الفرقاء وتوحيد الكلمة، ووضع رؤية على أسس علمية مبنية على
المعلومات، ولن يكون ذلك إلا بانفتاح أكبر على الدوائر التي تحتويها، مع التذكير
بأن الثورات قد تذبل لكنها لا تموت؛ طالما نهتم بها ونرعاها حتى تثمر.