المظهر
الأبرز للأزمة
الاقتصادية الخانقة في
مصر هو الانهيار الواسع والمتتالي لسعر
العملة المحلية في مواجهة الدولار (بلغ 70 جنيها للدولار)، مع ما يترتب على ذلك من
تبعات تتعلق بتراجع القيمة الحقيقية للرواتب والدخول والمدخرات بنفس القيمة،
وارتفاع أسعار السلع والخدمات بنفس القيمة، بل وأكثر منها. المشهد يشبه كثيرا ما
حدث في لبنان وينذر بتكراره في مصر.
تنبع
الأزمة من سياسات اقتصادية فاشلة فرضت نفسها بقوة السلاح على مصر منذ انقلاب
الثالث من تموز/ يوليو 2013، وتحكم شخص واحد هو الجنرال عبد الفتاح
السيسي في
اتخاذ القرارات الاقتصادية إلى جانب القرارات السياسية الأخرى، مستخدما كل وسائل
القوة العسكرية والأمنية والإعلامية لفرض وجهة نظره مهما بلغت مخالفتها للقواعد
الاقتصادية العلمية ولرأي الخبراء الذين سفّه آراءهم، وحتى حين عقد مؤتمرا
اقتصاديا للبحث عن حلول للأزمة، وقدم له الخبراء بعض التوصيات، فإنه سخر منها،
وقال إن طلابا مستجدين في كلية الاقتصاد يمكن أن يقولوا كلاما مشابها!!
الأزمة من سياسات اقتصادية فاشلة فرضت نفسها بقوة السلاح على مصر منذ انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013، وتحكم شخص واحد هو الجنرال عبد الفتاح السيسي في اتخاذ القرارات الاقتصادية إلى جانب القرارات السياسية الأخرى، مستخدما كل وسائل القوة العسكرية والأمنية والإعلامية لفرض وجهة نظره مهما بلغت مخالفتها للقواعد الاقتصادية العلمية ولرأي الخبراء الذين سفّه آراءهم
كان
السيسي ولا يزال يشعر بأزمة شرعية سياسية فأراد الاستعاضة عنها بما يسمى شرعية
الإنجاز، وهداه تفكيره العسكري إلى أن الإنجاز يكون عبر مشروعات كبرى تحدث ضجيجا حتى
لو لم يكن لها نفع مباشر للشعب، أو لم تكن ذات أولوية في احتياجات الوطن
والمواطنين، ومن هنا بدأت فكرة العاصمة الإدارية التي لا تمثل أية أولوية.
لم
تكن العاصمة الإدارية فقط بل كانت هناك العديد من المشروعات الكبرى الأخرى التي لا
تمثل أية أولوية في الوقت الحالي للمصريين في ظل هكذا أوضاع، مثل القطار السريع
بين العين السخنة والعلمين، والمونوريل، وأطول برج في أفريقيا، وأكبر مسجد وأكبر
كنيسة.. إلخ، ومن قبل ذلك تفريعة قناة السويس في 2014 التي لم يكن لها أدنى ضرورة
مع تراجع حركة التجارة البحرية، ثم ظهر لاحقا أن 8 مليارات دولار أنفقت لإنجاز تلك
التفريعة كان الهدف منها رفع الروح المعنوية للشعب!!
كل
هذه المشاريع غير ذات الأولوية دفعت النظام إلى اقتراض عشرات المليارات (بلغت القروض
الخارجية 166 مليار دولار ارتفاعا من 43 مليار دولار بنهاية حكم الرئيس مرسي،
بخلاف
الديون الداخلية التي تقترب من 7 تريليونات جنيه)، وهذه الديون تمثل 90 في
المئة من الناتج المحلي المصري حاليا، والمشكلة الحالية هي وجود أقساط ديون وفوائد
مستحقة السداد خلال هذا العام قيمتها 42 مليار دولار (يخفضها البعض إلى 30 مليار
دولار نظرا لموافقة دائنين خليجيين على إعادة جدولة مديونياتهم المستحقة هذا
العام)، وحتى مبلغ الثلاثين مليار هو مبلغ كبير جدا ومن الصعب إن لم يكن من
المستحيل توفيره.
هذه
الأزمة (المديونية الخارجية) تستدعي إلى الذاكرة قروض الخديوي إسماعيل التي لم
تستطع مصر سدادها، ودفعت الثمن من سيادتها عبر احتلال بريطاني استمر 70 عاما.
الجميع
في مصر يصرخون من الغلاء، أسعار السلع في المحال والمجمعات التجارية تتغير أكثر من
مرة في اليوم الواحد، يشتري المستهلك سلعة ما بسعر مكتوب عليها ثم حين الدفع يفاجأ
بسعر أعلى.. الجنيه يفقد كل يوم جزءا من قيمته، والتعويم لم يعد احتمالا قريبا بل
إنه واقع عملي تنفذه البنوك دون إعلان رسمي، ومع ذلك ينتظر الشعب تعويما رسميا
كبيرا في أي وقت استجابة لطلبات صندوق النقد.. والشكوك تتزايد حول الودائع
الدولارية وعجز المصارف عن الوفاء باحتياجات أصحابها منها عل الطريقة اللبنانية، وهو
ما دفع التجار والمواطنين لعدم الاحتفاظ بالجنيه، بل إنهم يلجأون إلى شراء الذهب
والأصول الأخرى حفظا لقيمة مدخراتهم، وهو ما جعل سعر الذهب في مصر الأعلى عالميا.
لم تعد الحالة المتردية في مصر خافية على الغرب الذي يخشى حدوث ثورة شعبية تطيح بنظام السيسي الذي يحتاجون إليه الآن في حرب غزة، ولذلك فقد رأت مجلة الإيكونومست أن النظام المصري العاجز لا يستحق صفقة إنقاذ مالية جديدة، لكن على الرغم من ذلك فلا مفر من حصول مصر على صفقة إنقاذ بشكل عاجل، لأن أي خطة تقشف جديدة ستكون شديدة الخطورة، وستتسبب في اضطرابات من الصعب احتواؤها
يجتهد
الاقتصاديون القريبون من النظام في تقديم وصفات حلول لا تسمن ولا تغني من جوع،
وتظل في إطار الكلام النظري غير القابل للتطبيق، وحتى في حال تحقيقه لن يكون كافيا
لحل الأزمة، ومن ذلك الحديث عن فرض ضرائب جديدة على المصريين في الخارج، أو تطوير
عائدات قطاع السياحة، أو بيع بعض الأصول المملوكة للدولة، فوفقا لبعض التقديرات فإن
مصر تحتاج 20 مليار دولار كوديعة ثابتة في البنك المركزي لتهدئة سوق الصرف، و25
مليار دولار لسدان الديون المستحقة بشكل عاجل، و20 مليار دولار لتشغيل المصانع
المتوقفة، نتحدث إذن عن 65 مليار دولار بشكل عاجل، وهو أمر في غاية الصعوبة.
في
إطار صرف الأنظار بعيدا عن المسئول الأول عن الأزمة وهو رأس النظام؛ عمد برلمانيون
موالون للسلطة إلى تحميل وزير التموين المسئولية عن اختفاء بعض السلع وارتفاع
الأسعار عموما، رغم أن الحكومة لم توفر لوزارة التموين ما يكفي من عملة صعبة
لاستيراد الكميات المطلوبة من السلع الأساسية، كما يجري توجيه الاتهام إلى جشع
التجار بزعم أنهم يرفعون السلع دون داع، بل وصل الأمر إلى تحميل الشعب نفسه
المسئولية عن الغلاء بسبب تهافته على الشراء والتخزين.
لم
تعد الحالة المتردية في مصر خافية على الغرب الذي يخشى حدوث ثورة شعبية تطيح بنظام
السيسي الذي يحتاجون إليه الآن في حرب غزة، ولذلك فقد رأت مجلة الإيكونومست أن النظام
المصري العاجز لا يستحق صفقة إنقاذ مالية جديدة، لكن على الرغم من ذلك فلا مفر من
حصول مصر على صفقة إنقاذ بشكل عاجل، لأن أي خطة تقشف جديدة ستكون شديدة الخطورة، وستتسبب
في اضطرابات من الصعب احتواؤها، وهو ما لا تحتمله المنطقة المشتعلة بالأساس.
الحل الوحيد للإنقاذ هو ثورة شعبية، وليس فوضى شاملة، فالثورة هي القادرة على التخلص من كل تلك الديون الخارجية التي هي بطبيعتها ديون فاسدة، لم تفد الشعب المصري بل أفادت الاستبداد الذي حكمه لمدة عشر سنوات، والدول التي منحت تلك القروض مسئولة أخلاقيا عن تردي الأوضاع في مصر بدعمها لذلك الاستبداد، وحين تكون في مصر حكومة قوية تتمتع بشرعية شعبية وتفويض واسع فإن بإمكانها أن تتوقف عن سداد تلك الديون
جهود
الغرب للإنقاذ لن تكون كافية وفقا للتصريحات المعلنة، فلا مبلغ العشرة مليارات
يورو التي وعد بها الاتحاد الأوروبي، ولا زيادة قرض صندوق النقد إلى مبلغ مماثل،
ولا بعض الاستثمارات الجديدة بما فيها مشروع رأس الحكمة؛ ستكون كافية لردم الفجوة
الحالية، وتمكين الاقتصاد المصري من الإقلاع، كل ما يمكن هو تسكين الأزمة مؤقتا،
وترحيلها إلى العام المقبل.
الحل
الوحيد للإنقاذ هو ثورة شعبية، وليس فوضى شاملة، فالثورة هي القادرة على التخلص من
كل تلك الديون الخارجية التي هي بطبيعتها ديون فاسدة، لم تفد الشعب المصري بل أفادت
الاستبداد الذي حكمه لمدة عشر سنوات، والدول التي منحت تلك القروض مسئولة أخلاقيا
عن تردي الأوضاع في مصر بدعمها لذلك الاستبداد، وحين تكون في مصر حكومة قوية تتمتع
بشرعية شعبية وتفويض واسع فإن بإمكانها أن تتوقف عن سداد تلك الديون كما فعلت دول
لاتينية من قبل، ولن تهتز تلك الحكومة أمام أي تهديدات للدائنين الذين لن يجدوا
مفرا من التنازل عن ديونهم أو الجزء الأكبر منها للحفاظ على علاقتهم مع أكبر بلد
عربي.
هذا
هو الحل الحقيقي رغم أن البعض قد يجادل في عدم حدوثه بسبب القبضة الأمنية، ولكن
حين تستوي الحياة مع الموت فإن الناس سينزعون الخوف، ويدافعون عن حقهم في الحياة.
twitter.com/kotbelaraby