أعلن الحرس
الثوري
الإيراني مؤخرا تنفيذ ضربات صاروخية على عدة أهداف في سوريا والعراق وباكستان.
وجاءت التصريحات الإيرانية الرسمية بأن الهجمات قد استهدفت مقرات تجسس معادية
لإيران وأهدافا إرهابية في سوريا ومنطقة كردستان العراق، ورغم ذلك لم يُقتل أحد سوى
المدنيين والنساء والأطفال، وهكذا تتلاشى مصداقية إيران. ففي أربيل مثلا كان
المكان الذي تم استهدافه مُلكا لرجل أعمال مدني، مع أن إيران قالت: "ضربنا
مقر الموساد".
كما أن هجمات إيران على إقليم بلوشستان
الباكستاني غير منطقية،
ولكن إذا دققنا النظر في أهمية المنطقة وما يتعلق بها من خطط اقتصادية وصراعات على
السلطة، فسنتمكن من إدراك سبب هذا التحرك الإيراني المفاجئ. موقع بلوشستان
الجغرافي زاد من أهميتها الاستراتيجية، ففي هذه المنطقة، ظهرت الصين والهند
-القوتان الأكثر أهمية في آسيا- لجذب المشاريع الاقتصادية ذات القيمة العالية،
والسيطرة عليها. وتقع بلوشستان في عمق مبادرة مشروع "حزام واحد، طريق
واحد" الذي أُعلن عنه في 2013، والذي سيربط الصين بالأسواق الغربية، بنطاق
استثماري إجمالي يتجاوز تريليوني دولار ويغطي 65 دولة.
يبدو أن إيران تحاول الدخول في مراوغة، ضمن "صراعات الشرق الأوسط" التي تصاعدت مؤخرا؛ بهدف إنقاذ الكاريزما الإيرانية منذ أن قال الرئيس الأمريكي السابق ترامب؛ بأن ادعاء إيران الانتقام لقاسم سليماني كان مجرد مسرحية.
ومن الواضح أن أمريكا
هي التي تعارض هذا المشروع، وحاولت تطوير مشاريع بديلة في المنطقة. والسؤال الذي
لا يزال بحاجة إلى إجابة هو: كيف يمكن لإيران أن تعارض العديد من المشاريع التي
تعارضها أمريكا في الوقت نفسه، وترى تلك المشاريع تهديدا لوجودها؟ ولنضع هذا السؤال
جانبا الآن، ونعود إلى قضية بلوشستان.
ماذا تريد إيران؟
ولماذا؟
يبدو أن إيران
تحاول الدخول في مراوغة، ضمن "صراعات الشرق الأوسط" التي تصاعدت مؤخرا؛ بهدف إنقاذ الكاريزما الإيرانية منذ أن قال الرئيس الأمريكي السابق ترامب؛ بأن
ادعاء إيران الانتقام لقاسم سليماني كان مجرد مسرحية. ولو نظرنا في القضية من عدة
زوايا فسنحصل على صورة أوضح.
في أعقاب الربيع
العربي، زادت إيران بشكل كبير من نفوذها في الشرق الأوسط، خاصة مع الاستراتيجيات
الناجحة لفيلق القدس وقائده قاسم سليماني.
وبعد الغزو
الأمريكي، انتقلت إيران بالقوة التي اكتسبتها في العراق إلى سوريا بعمليات ناجحة
ثم إلى اليمن ومساعدة الحوثيين، وأصبحت لاعبا مُهمّا بالوكالة في صراعات القوة وفي
منافسة مع
تركيا والسعودية.
بعد أحداث
غزة، فإن
حزب الله، التابع بشكل مباشر للأيديولوجية الإيرانية وبشكل غير مباشر للإدارة
الإيرانية، قد اتخذ موقفا نشطا، ولم تتمكن إيران من اتخاذ أي إجراء حقيقي، وتجاهلت
الإشارات لكونها مسؤولة عن الأحداث، لا سيما مع تصريحات مسؤوليها بأن هجمات القسام
جاءت ردا على مقتل قاسم سليماني، وهذا ما نفته القسام على الفور.
ضربات قوية لصورة
إيران محليّا وخارجيّا
وكذلك لم تحرك إيران
ساكنا تجاه
إسرائيل، رغم إعلانها أن إسرائيل مسؤولة عن الهجوم الذي وقع خلال مراسم
إحياء ذكرى قاسم سليماني، وعن مئات الأشخاص الذين لقوا حتفهم.
مع أن إيران لم تتلق ردّا على هجماتها على العراق، فقد اتخذت باكستان خطوة تاريخية ووجهت هجوما شديدا على إيران؛ فباكستان عسكريّا وحكومة ليست مثل العراق وسوريا. ولذلك، فإن الخاسر الحقيقي في هذه الأحداث كان بالتأكيد إيران، ولأول مرة منذ عام 1988، تعرضت أراضي إيران لهجوم صاروخي، ما يعني أنها فتحت جبهة جديدة للحرب.
والآن، ومع أن
إيران لم تتلق ردّا على هجماتها على العراق، فقد اتخذت باكستان خطوة تاريخية ووجهت
هجوما شديدا على إيران؛ فباكستان عسكريّا وحكومة ليست مثل العراق وسوريا. ولذلك، فإن الخاسر الحقيقي في هذه الأحداث كان بالتأكيد إيران، ولأول مرة منذ عام 1988،
تعرضت أراضي إيران لهجوم صاروخي، ما يعني أنها فتحت جبهة جديدة للحرب.
وهكذا، تحاول
إيران فتح مجالات جديدة للصراع تفيد القوى الإمبريالية في خططها تجاه الشرق، وتبذل
قصارى جهدها لتقويض كل مشروع يمكن أن يساعد في تنمية بلدان المنطقة. والحقيقة أن
معارضة الاستقرار الإقليمي ليست خطوة جديدة في تاريخ إيران، فعندما ندرس التاريخ
الحديث، نجد أن إيران بلد سعى كثيرا لنشر الفوضى في المنطقة؛ لأن الجميع في الشرق
يدرك أن إيران تتغذى على الفوضى وسياسة فرِّق تسد.
وعلى النقيض من
إيران، تسعى تركيا وغيرها من الدول القوية في المنطقة إلى تحقيق الاستقرار
الإقليمي. فعقلية الدولة التركية تؤمن بأنه لا يمكن مقاومة أي خطة إمبريالية دون
تحقيق التنمية الإقليمية ككتلة واحدة، أي التنمية التي تغطي المنطقة بأكملها؛ لذلك
فإن الاستقرار هو الهدف الأكثر أهمية لدى تركيا، الدولة التي قاربت الألف عام.
* نائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركي في إسطنبول