نشرت مجلة "
نيوزويك" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن اتجاه عمل جديد يعتمد على الاستمتاع بالحياة بدلاً من الجد والكدح المستمر.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن لورا تان هي مديرة شركة "تعمل طوال حياتها" وتؤمن إيمانًا راسخًا بأن اللطف والإحسان يمكن أن يكون مفتاح التوازن بين
العمل والحياة الذي نسعى جميعًا لتحقيقه - ويقول الخبراء إنها بالتأكيد على وشك تحقيق شيء ما. وذكرت تان أنه "يجب أن يكون هناك حل وسط بين المواقف "المتشددة" السابقة تجاه الإنتاجية التي ليست صحية والموقف الجديد الناشئ الذي يبدو قليلا "مناهضا للعمل" ومعاديا للطموح". ويتمثل هذا الحل الوسط في "الإنتاجية الطيبة"، وهو مصطلح فكرت فيه تان مؤخرًا وأثار الكثير من الجدل على لينكد إن.
كيف تغير مكان العمل؟
ذكرت المجلة أن وجهات النظر تجاه مكان العمل شهدت تحولات جذرية في السنوات الأخيرة مع انتشار العمل عن بعد، وعدم وضوح حدود المكاتب، وتزايد تشكيك الأشخاص في أولوياتهم بعد جائحة كوفيد-19. وجد استطلاع العمل والرفاهية لسنة 2021 الذي أجرته جمعية علم النفس الأمريكية أن الإرهاق والتوتر بلغا "أعلى مستوياتهما على الإطلاق عبر المهن"، حيث تعرض 79 بالمائة من الموظفين للضغط المرتبط بالعمل في الشهر قبل إجراء الاستطلاع.
أدى ارتفاع معدلات الإرهاق إلى إثارة الجدل حول "وظائف الفتيات الكسالى"، وهو المصطلح الذي انطلق على تطبيق تيك توك العام الماضي للمطالبة بتوازن أفضل بين العمل والحياة. كان هذا الاتجاه بمثابة احتجاج ضد حقبة سابقة تمجد النساء اللاتي يعملن على أرض الواقع من أجل تحسين حياتهن المهنية.
تعتقد تان، وهي من جيل الألفية الأكبر سنا، أن القوى العاملة الأصغر سنا من الجيل زد هي بالفعل "أفضل بكثير" في تحديد الأولويات والانفتاح بشأن الصحة العقلية والرفاهية الشخصية والتوازن بين العمل والحياة من جيلها "الذي نشأ في بيئة عمل أكثر إرهاقا وجنونا". وقال أليكس بوداك، عضو هيئة التدريس في جامعة كاليفورنيا في بيركلي هاس والذي يقوم بتدريس القيادة لطلاب الجيل زد، لمجلة "نيوزويك" في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، إن أعضاء الجيل زد "يشعرون بالارتياح عند التشكيك في الوضع الراهن... لاسيما فيما يتعلق بمعايير العمل". وقال في ذلك الوقت، إنه بدلاً من "الاتباع الأعمى للأنظمة التي لا تكون دائما منطقية أو تعكس معايير شاملة، فإن لديهم ميلاً إلى إيجاد طرق جديدة للعمل".
ما هي الإنتاجية الطيبة؟
بالنسبة إلى تان، تهدف الإنتاجية الطيبة إلى أن تكون مفهومًا "أكثر ليونة" لما يعنيه أن تكون منتجًا. لا يزال الأمر يستلزم إحراز تقدم "ولكنه لا يقتصر على قتل نفسك من أجل تحقيق مكاسب شخصية/مالية".
وأضافت "يتعلق الأمر بأن تكون لطيفا مع نفسك، ولطيفا مع الآخرين، ولطيفا مع البيئة". وأشارت: "في حياتي الشخصية، كأم عاملة، أحاول أن أظهر لأطفالي أن اللطف هو أهم صفة في الحياة وأن كل إجراء / قرار يجب أن يبدأ بسؤال "هل هذا عمل طيب؟".
ماذا يفعل الخبراء؟
ونوهت المجلة بأن الإنتاجية الطيبة تتخذ نهجًا غير متشدد وتقوم على أن الموظفين يجب أن ينظروا إلى أنفسهم كأشخاص أولاً، وليس كعمال. لخّص المدرب التنفيذي المقيم في أتلانتا، سام أديمي، ومؤلف كتاب عزيزي القائد: دليلك الرئيسي للقيادة الناجحة"، الإنتاجية الطيبة بأنها "الاهتمام بالشخص قبل أن نهتم بالمهمة. وهذا يعني الانتباه إلى مشاعر أولئك الذين نعمل معهم، حتى نعرف متى لا يشعرون بالسعادة أو الحماس أو التحفيز ونعرف السبب؛ والاهتمام بحياتهم خارج العمل لأن ذلك في الواقع يؤثر على وظائفهم".
وأشارت المجلة إلى أن تركيز حركة الإنتاجية الطيبة على الجودة أكثر من الكمية يمهد الطريق لبيئة عمل أكثر إيجابية، مما قد يساعد في تحسين معنويات الموظفين والاحتفاظ بهم. وقال دانييل بوسكالجون، المدرب التنفيذي المقيم في وايومنغ ومؤسس أكاديمية العلاقات الصحية، لمجلة نيوزويك إن هذا النهج "يدرك أهمية دعوة الأشخاص لتقييم ما يشعرون به عندما يعملون في مشروع ما وكذلك عند الانتهاء منه، مما يخلق "تحولًا من تفكير الموظفين في أنفسهم كمؤدي وظائف إلى احترام أنفسهم كأشخاص". ففي نهاية المطاف، يعتبر العملاء الأوفياء لكل مؤسسة موظفيها، ولن يكون هناك عمل بدون عمال.
مخاطر الإنتاجية السامة
أشارت المجلة إلى "الإنتاجية السامة" يمكن أن ينجر عنها الإرهاق والتوتر و"وتتمثل في الميل الضار لدى شخص ما لاستخلاص قدر كبير من القيمة الذاتية من مدى إنتاجيته"، وذلك حسب ناتالي داتيلو، عالمة نفسية سريرية مرخصة ومدربة علم النفس في كلية الطب بجامعة هارفارد في بوسطن.
وقد وجد استطلاع الإجهاد في أمريكا لسنة 2023 أن الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 35 و44 عامًا شهدوا أعلى زيادة في تشخيصات
الصحة النفسية، حيث أبلغ 45 بالمائة عن إصابتهم بمرض نفسي في السنة الماضية. وأفاد الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عامًا عن أعلى معدل للأمراض العقلية بنسبة 50 بالمائة في نفس السنة.
عملت سيليست ليزي (29 عامًا) من شيلوه، إلينوي، في إحدى شركات الاستشارات الإدارية "الأربع الكبرى" في واشنطن العاصمة لما يقارب خمس سنوات قبل أن تعاني من انهيار نفسي في سنة 2020 بسبب الإرهاق الشديد والإرهاق في العمل. وشُخصت بالإصابة باضطراب اكتئابي كبير، واضطراب الهلع والقلق الشديد، واضطراب ما بعد الصدمة.
وبينما تمثل أن الشركات التي تتبنى الإنتاجية اللطيفة كثقافة في مكان العمل مجرد "بداية"، إلا أن الأمر يستحق التفكير في السبب الذي جعل مفاهيم مثل هذه تحظى بشعبية كبيرة في المقام الأول.
وأشارت إلى أنه "من المهم أن ندرك أننا، كمجتمع، اعتبرنا بشكل جماعي الإنتاجية
الاقتصادية والنمو هما العلامة الوحيدة للنجاح، وهو ما يُترجم إلى كيفية نظرنا لقيمتنا كأفراد.
كيفية ممارسة الإنتاجية الطيبة؟
نقلت المجلة عن أديمي أنه ليتم تنفيذ الإنتاجية الطيبة عمليًا في مكان العمل، ينبغي على القادة أن يقرروا ماهية اللطف. وأوضح أن "اللطف يتكون من سمتين: الثقة والتعاطف. فالشفافية والجهود الحثيثة التي يبذلها قادة مكان العمل لتشجيع الانفتاح والشفافية وزراعة بذور الثقة والتعاطف من أجل أن يسود اللطف أساسية". ومنذ مشاركة هذا المفهوم، تحاول تان دعمه في كل مكان حيث تستطيع وحيث يكون لها أكبر تأثير. ويشمل ذلك إحداث بعض التغييرات:
السماح بالعمل عن بعد بشكل كامل إذا كان هذا هو ما يفضله الموظفون، حتى يتمكنوا من العمل/العيش في أماكن تناسب نمط حياتهم. وأشارت تان إلى أن "أفراد فريقنا يعيشون في منطقة ليك ديستريكت وسومرست وواشنطن العاصمة والعديد من الأماكن الأخرى".
تنفيذ "إغلاق" في العطل للسماح للناس بقضاء بعض الوقت مع عائلاتهم وعدم الانقطاع عن العمل.
تشجيع الموظفين على تخصيص الوقت لمتابعة اهتمامات أخرى. على سبيل المثال، قالت تان "حصلت مديرتنا الإبداعية على إجازة لمدة ثلاثة أشهر هذا الصيف للعب تنس الطاولة وهي من بين أفضل 50 لاعبة في المملكة المتحدة".
توفير برنامج تدريب فردي وجماعي تموله الشركة للسماح بالتطوير الشخصي وكيفية التغلب على مشكلات مثل "متلازمة المحتال" والإرهاق.
وتود تان أن ترى دمج ممارسات إنتاجية أكثر لطفًا بطرق أخرى في مكان العمل، وقالت "سيكون من المدهش، على سبيل المثال، أن تمنح أماكن العمل الجميع بضع ساعات في الأسبوع ليكونوا طيبين بأي شكل من الأشكال".