إنَّ مراسلات
بايدن خامنئي عبر
البريد الجوي، تشبه من أحد الوجوه، مراسلات الحسين- ماكماهون،
وأثرها أشد وأنكى، وكانت سلسلة من "خطابات العشاق" المعطرة بالوعود لا
بعبق الورود؛ المتبادلة في أثناء الحرب العالمية الأولى، وافقت فيها الحكومة
البريطانية على الاعتراف باستقلال العرب بعد الحرب في القسم الآسيوي من الوطن
العربي -عدا عدن المحمية البريطانية وقتذاك- في مقابل إشعال الحسين بن علي شريف
مكة الثورة العربية (هكذا اختاروا التسمية) بغرض إسقاط السلطنة العثمانية وتفريمها.
كان لهذه المراسلات تأثير كبير على تاريخ الشرق الأوسط ما بعد الحرب، كما استمر
الجدال فيما بعد حول كثيرٍ من البنود، كانت فلسطين من أهمها.
وإن مراسلات بايدن خامنئي ليست
برسائل الورق والطوابع، وإنما هي بالنار، لكنها نار خفيفة، وخير الطبخ ما كان على
نار هادئة.. أرسلت
إيران رسائل لأمريكا بالحبر السري والعلني اعتذارا عن القتل
الخطأ، فهي لا تتحكم بكتائبها الموالية تحكما تاما، وردّت أمريكا على كتائبها
العربية الشيعية بعد أن فشا الخبر، وهي في أيام "مباركة" فالمعركة
الانتخابية في أمريكا واعدة، وفي الانتخابات الأمريكية لا بد من أضاحٍ وقرابين.
نتابع منذ أيام تهديدات أمريكا
وبريطانيا لبوّاب مضيق باب المندب، الذي صار فجأة أهم زعيم عربي على الإطلاق، وقد
انتفخ سحره. ومن نكد الدنيا على الحرِّ أن ترى بواب المدير في المؤسسات السورية والمصرية
أهم من مدير المؤسسة نفسه، وسبب ذلك أنه كان يتناوب على المؤسسة مديرون كثر، ويبقى
البواب في "منصبه" الكبير. والبواب غالبا شبه أمي، لكنه عظيم الخبرة، هو
أمين سرِّ المؤسسة، وهو معيّن من السلطات العميقة غالبا (انظر فيلم البيه البواب المصري،
الفيلم وثيقة فنية).
وقد أضحى الحوثي الذي نصبّته أمريكا
وحليفاتها العربية نكاية بالإخوان المسلمين؛ قائدا لليمن وبوابا لباب المندب.
ويلاحظ من رسائل التهديد الأمريكية البريطانية رقتها ولطفها مع علو صوت المهدد،
وقابلها عزيزي القارئ مع رسائل الدولتين العظميين لأفغانستان والعراق، وحربهما
الشاملة عليهما.
هذه طائفة من الأخبار العاطفية
العاجلة في الأيام الثلاثة الماضية التي تعكس لواعج الغرام والضرام. تقول الأخبار إنَّ
القيادة الوسطى الأمريكية قالت: إنَّ الضربات تهدف لإضعاف قدرات
الحوثيين على
مواصلة هجماتهم المتهورة وغير القانونية. وتنقل "سي إن إن" عن مسؤول
رفيع في الإدارة الأمريكية قوله: لا نسعى إلى التصعيد والهجمات، فهي رد على
ممارسات الحوثيين لا أكثر. فكل شيء مقدّر بقدره، لا إفراط ولا تفريط. وتنقل نيويورك
تايمز عن مسؤولين أمريكيين: "نطاق ضربات اليوم كان بحجم ضربات وقعت في ٢٢ كانون
الثاني/ يناير وأصغر من
هجمات وقعت في ١١ كانون الثاني/ يناير".
ونقلت الأخبار عن القيادة المركزية
الأمريكية الديمقراطية اليسارية المحرجة من قتل ثلاثة من جنودها السود، والحزب
الديمقراطي الحاكم مقبل على انتخابات ولا يريد خسارة أصوات الأفارقة، قولها: إن الأهداف
شملت العديد من مرافق التخزين تحت الأرض (تخزين السلاح وليس تخزين القات)، وفي
رسالة أخرى من القيادة المركزية الأمريكية: إنّ ضرباتنا منفصلة عن إجراءات حرية
الملاحة التي يتم تنفيذها في إطار عملية "حارس الازدهار". وحارس
الازدهار تضم عددا من الدول (الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، البحرين، كندا،
هولندا، النرويج، سيشل، الدنمارك، اليونان، سنغافورة، سريلانكا). ونقلت عن مسؤول
رفيع في الإدارة الأمريكية قوله: إنَّ الضربات ضد الحوثيين منفصلة عن الردِّ
الأمريكي في العراق وسوريا. لكن الإعلام الغربي حريص كل الحرص عن فصل غزة عما يجري
في البحر الأحمر، والتشديد على أنِّ القوات الجوية الملكية البريطانية شاركت في
ضربات على أهداف تابعة للحوثيين في اليمن وهذا ليس تصعيدا.
ثلاثة بالله العظيم ليس تصعيدا، هو
أكل لحم ميتة. بل إنَّ الحكومة البريطانية قالت: إنَّ تحركنا مع حلفائنا
الأمريكيين بدعم من الشركاء الدوليين هو من منطلق الدفاع عن النفس (ومظلوم يا
سعادة البيه)، والظالم هو الحوثي! ومن لا يظلم يُظلم.
ونقل عن وزير الدفاع الأمريكي قوله:
ندعو إيران إلى التوقف عن تزويد الحوثيين بالأسلحة التي يستخدمونها في مهاجمة
السفن. ولا يني الأمريكان ترديد هذا النشيد: هدفنا هو أن نحتوي هذه الأزمة في غزة
ونمنع تحوّلها إلى حرب واسعة"، فأمريكا كانت قد اتعظت من مشاكل الشرق الأوسط
وكلفتها الكبيرة، وتريد حسن الختام والتفرغ للعبادة في بحر الصين، ومواجهة مشكلة
تايوان مع التنين الصيني. وقد استجابت الكتائب العراقية (مشكورة) وأفرغت جميع
مقراتها الغربية والشمالية والوسطى، وأجّلت جميع دورات المتدربين، حتى تتيح للعدو
الأمريكي أن يفثأ غضبه بالألعاب النارية.
هذا صراع قدود وليس صراع وجود، وإن
ذهب فيها ضحايا، ولو شاء الرئيس الأمريكي لصدق وقال: أيها الإيرانيون المحترمون،
لقد سلمناكم خمس دول عربية، وننوي تسليمكم نصف الدول الباقية، فأنتم أقرب إلينا، وبيننا
عقائد مشتركة، أولها وأهمها وأوسطها أنكم تنتظرون المهدي، ونحن ننتظر المسيح (وقد
اتحدا في إحدى الملل الهندية المحدثة)، وإنَّ كل حروب الغرب عبر التاريخ كانت مع
السنّة، ونقدر كثيرا التزام مندوبكم في لبنان حسن نصر الله بقواعد الاشتباك
"الغرامية".
يذهب بعض المحللين إلى أنَّ الضربة القادمة لإيران ستكون قاسية وشاملة، وأن إسرائيل ستتفرغ قريبا لحزب الله، وهذا مجانب للنظر الصحيح، فقد بان لكل ذي رأي أنّ الغرب يميل لإيران، وإن كان بينهما خصومة، ولعبهما خشن ولا يخلو من ضحايا أحيانا
ويذهب بعض المحللين إلى أنَّ الضربة
القادمة لإيران ستكون قاسية وشاملة، وأن إسرائيل ستتفرغ قريبا لحزب الله، وهذا
مجانب للنظر الصحيح، فقد بان لكل ذي رأي أنّ الغرب يميل لإيران، وإن كان بينهما
خصومة، ولعبهما خشن ولا يخلو من ضحايا أحيانا، فمباريات كرة القدم -وهي لعبة - لا
تخلو من إصابات قاتلة، والجند على الأرض تغلبهم العاطفة، ويتأولون، ويصدقون
الشعارات المنادية بالموت لأمريكا، والموت لإسرائيل.
ويمكن أن نتذكر أنَّ الغرب هو الذي
حمل الإمام الخميني المتدين للحكم مفضلا إياه على الشاه العلماني المتغرب! وأن
نتذكر أن إيران تزوّدت من إسرائيل بأسلحة لحرب العراق في فضيحة إيران كونترا، وأن
نتذكر مرارة خالد مشعل من خذلان حلف المقاومة لها وهو يشكو منها في أول لقاء له (وكان
مع قناة العربية في أثناء طوفان الأقصى)، أو أنه كان يأمل من المحور المقاومة بأكثر
مما وقع.
أما أطيب هدايا أمريكا للحوثيين فهي تهديدهم
بوضع جماعة أنصار الله على قائمة الإرهاب، وكان بايدن هو الذي رفع اسمها منها رأفة
بها ورحمة بعد وضعها ترامب في القائمة قبل انتهاء مدته، وقد أمهل الحوثيين حتى بعد
منتصف هذا الشهر، وأغلق بعض حساباتهم المصرفية، ولم يبق إلا أن يهددهم بأن "يشيل
العدة" ويحرمهم من زيارة ديزني لاند.
لا تتنظروا حربا بين إيران وأمريكا،
فكلاهما ينتظران معبودا واحدا، وإن اختلف الاسم.
twitter.com/OmarImaromar