أعلنت تسع دول على الأقل، من بينهم
الولايات المتحدة وألمانيا، ممّن يعدون أكبر الداعمين لتمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين
الفلسطينيين "الأونروا"، عن إيقاف دعمهم المادي للوكالة، وذلك بعد سلسلة من مزاعم دولة الاحتلال الإسرائيلي، بضلوع 12 من موظفي "الأونروا" الذين يبلغ عددهم 13 ألفا في قطاع
غزة، في عمليات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر ضد المستوطنات في الأراضي المحتلة.
وحصلت "عربي21" على وثيقة، تكشف حجم التمويل للأونروا من طرف الدول والمؤسسات الكبرى، خلال عام 2022؛ من أجل رصد حجم تأثير تمويلات الدول التي علّقت تمويلها على مستوى أداء المنظمة الأممية.
وعلى الرغم من أن دولا عدّة، عبر العالم، تشارك في دعم هذه المنظمة الأممية، التي تُعنى بأوضاع الفلسطينيين، إلا أن حصة الأسد، بحسب الوثيقة التي عملت عليها "عربي21" تعود إلى الولايات المتحدة التي تشكل مساهما فرديا أساسيا، إذ بلغت مساعدتها المالية خلال عام 2022 نحو 222 مليون دولار.
وفي هذا السياق، انتشر تخوّف بين الأهالي الغزّيين من أن تعليق الولايات المتحدة لدعمها المالي، للمنظمة الأممية، سوف يؤدي لا محالة إلى تدهور مُتزايد في الوضع المعيشي للقطاع، خاصة في ظل الأحداث الجارية، التي دمّر خلالها الاحتلال الإسرائيلي، كل منابع الحياة، ولم يرحم لا حجرا ولا بشرا، في انتهاك صريح للقوانين الدولية الإنسانية كافة.
ألمانيا لها أهميّة
وفي سياق المُعطيات التي حصلت عليها "عربي21"، فإن الأموال التي تحصل عليها الوكالة من ميزانية الأمم المتحدة قد بلغت خلال عام 2022، ما يناهز 35 مليون دولار فقط؛ فيما مثّلت تبرعات عدد من الحكومات، حول العالم ما يناهز 94,9 في المئة من إجمالي التبرعات، أبرزهم ألمانيا التي بلغ حجم تمويلها ما يناهز 38 مليون دولار، والسويد ما يناهز 57 مليون دولار، ثم السويد بنسبة تناهز 23 مليون دولار.
أما نسبة تمويل الدول الأعضاء في
الاتحاد الأوروبي، للمنظمة الأممية، قد بلغت ما يقرب 44,3 في المئة من إجمالي التمويلات، في عام 2022؛ الشيء الذي يكشف عن ما بات يوصف بـ"التورّط المادي للمنظمة الأممية"، حيث إنه إن استمرّت الدول المُعلنة لتعليقها التمويل في "تعنّتها"، فإنها بذلك تحفر قبر غزة بأيديها، وتتورّط بدورها في "الإبادة الجماعية" التي تُمارس من طرف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.
وفي هذا السياق، وعد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الأحد، بـ"اتخاذ إجراءات صارمة ضد أي موظف بالأمم المتحدة ضالع في أعمال إرهابية"، كما دعا الحكومات، التي علّقت مساهمتها المالية في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، إلى "إعادة النظر في قرارها".
كذلك، قال الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، يان ايجلاند: "أيها المانحون، لا تجوعوا الأطفال بذنب عدد قليل من العاملين في مجال الإغاثة"؛ فيما حذّر الخبير المعني بالحق في الغذاء في الأمم المتحدة، مايكل فخري، عبر تغريدة له على منصة "أكس" (تويتر سابقا) من أن "خفض التمويل يعني أن المجاعة صارت الآن حتمية في غزة".
دول أخرى تُعلّق تمويلها..
وأعلنت كل من بريطانيا وإيطاليا وفنلندا وهولندا، السبت، عن تعليق التمويل الذي كانت تقدمه لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، ممّا يعني أن الوكالة سوف تخسر تمويلا بحجم 15 مليون دولار (بريطانيا)، وما يناهز 8 مليون دولار (إيطاليا)، وحجم التمويل نفسه بالنسبة لفنلندا، وما يناهز 21 مليون دولار كانت قد قدّمتها هولندا؛ وذلك بحسب الوثيقة نفسها التي حصلت عليها "عربي21"، وهي التي ترصد حجم تمويلات الدول والمؤسسات للمنظمة الأممية، لغاية 31 كانون الأول / ديسمبر 2022.
إلى ذلك، تتبّعت "عربي21" حجم تمويلات الدول التي قامت بتعليق دعمها المادي للوكالة، إلى حدود اللحظة، لتخلص إلى أن الرقم يوصف بكونه "كبير جدا" بالمقارنة مع إجمالي كافة التمويلات التي قُدّمت خلال عام 2022؛ لتكون الخسارة المرتقبة، في حالة تعنّت الدول وإصرارها على عدم تمويلها للوكالة، هو 464 مليون دولار، من أصل 750 مليون دولار.
ولكونه يعرف حجم تأثير تمويل الدول على الوضع المعيشي للأهالي في قطاع غزة المحاصر، دعا وزير خارجية دولة الاحتلال الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، المزيد من الدول، إلى "تعليق التمويل"، بالقول؛ إن "الأونروا، يجب استبدالها بمجرد انتهاء القتال في القطاع"، فيما اتّهم الوكالة بأن لها "صلات مع مسلحين إسلاميين في غزة".
وأضاف وزير خارجية دولة الاحتلال، عبر تغريدة على منصة "أكس" (تويتر سابقا): "خلال إعادة إعمار غزة، يجب تغيير وكالة الأونروا بوكالات تكرس عملها للسلام والتنمية الحقيقيين".
تجدر الإشارة إلى أنه وفقا لبيانات الأمم المتحدة، الصادرة خلال آب/ أغسطس الماضي، فإن "63 في المئة من سكان غزة يعانون انعدام الأمن الغذائي ويعتمدون على المساعدات الدولية. ويعيش أكثر من 80 في المئة من السكان تحت خط الفقر".
وبحسب المصدر نفسه، فإن القطاع الصغير، يوجد فيه ثمانية مخيّمات، وحوالي 1.7 مليون نازح فلسطيني، ممّا يعني جُل السكان؛ فيما يبلغ إجمالي عدد سكان غزة حوالي 2.4 مليون نسمة.
ومنذ انطلاق عُدوان الاحتلال الإسرائيلي المُتواصل على الأهالي في قطاع غزة المحاصر، أصبحت "الأونروا" هي الجهة الأساسية التي تعمل على توفير خدمات الإغاثة، لكل من اللاجئين، وباقي سكان القطاع. ممّا جعل الأهالي، خلال الساعات القليلة الماضية، يعبّرون عن "تخوّفهم المتنامي من تردي أوضاعهم بشكل أخطر مما هو عليه الآن"، خاصم المقيمين منهم داخل "مراكز الإيواء" التابعة للمنظمة الأممية، التي تؤوي أكثر من 1.4 مليون نازح.
وفي سياق متصل، قال المفوض العام لـ"الأونروا"، فيليب لازاريني؛ "إنه لأمر صادم أن يتم تعليق تمويل الوكالة كرد فعل على ادعاءات ضد مجموعة صغيرة من الموظفين، خاصة بالنظر إلى الإجراء الفوري الذي اتخذته الوكالة بإنهاء عقودهم، وطلب إجراء تحقيق مستقل وشفاف".
وأوضح لازاريني، خلال تصريح صحفي بأن: "الأونروا، هي الوكالة الإنسانية الرئيسية في غزة، حيث يعتمد عليها أكثر من مليوني شخص من أجل البقاء على قيد الحياة"، مشيرا إلى أن "الكثيرين يشعرون بالجوع في الوقت الذي تدق فيه عقارب الساعة نحو مجاعة تلوح في الأفق".
وتابع بأن "الوكالة تدير الملاجئ لأكثر من مليون شخص وتعمل على توفير الغذاء والرعاية الصحية الأولية حتى في ذروة الأعمال العدائية"، فيما حثّ الدول التي قامت بتعليق تمويلها، إلى "إعادة النظر في قراراتها، قبل أن تضطر الأونروا إلى تعليق عمليات استجابتها الإنسانية"، مردفا؛ "إن الناس في غزة، وكذلك الاستقرار الإقليمي، يعتمدون على هذا الدعم".
وأكد: "فرض عقوبات على الأونروا، وعلى سائر المجتمع الذي تخدمه، بسبب مزاعم ضد بعض الأفراد "بارتكاب أعمال إجرامية"، سوف يكون أمرا غير مسؤول للغاية، خاصة في وقت الحرب والنزوح والأزمات السياسية في المنطقة".
وتأسّست "وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" في كانون الأول/ ديسمبر 1949، وذلك بموجب قرار أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في أعقاب الحرب الأولى، التي اندلعت غداة إعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي.