نشرت صحيفة
"
الغارديان" البريطانية تقريرا تحدثت فيه عن التداعيات المحتملة لأزمة
البحر الأحمر ومخاطرها الاقتصادية على
الانتخابات في كل من الولايات المتحدة
والمملكة المتحدة.
وقالت الصحيفة، في
تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن التوتّرات المتصاعدة في الشرق الأوسط
وارتفاع أسعار النفط والتأخير الطويل في الشحن الدولي تصدرت عناوين الأخبار في
الأيام القليلة الماضية. وقبل ذلك، كانت آفاق الاقتصاد العالمي تبدو أكثر إشراقا
بعض الشيء، ولكن في ظل التدخل العسكري في البحر الأحمر وتعطيل التجارة العالمية
انهارت كل الرهانات.
وبينما يجتمع زعماء
العالم هذا الأسبوع لحضور اجتماع دافوس السنوي في سويسرا، تتلخص المخاوف في توقّف
مسيرة التضخم الهبوطية في السنة الماضية بسبب التوترات الجيوسياسية المتزايدة.
فمنذ آخر اشتباك، امتد الصراع من أوروبا الشرقية إلى الشرق الأوسط، في حين يتصاعد
خطر نشوب حرب باردة جديدة ــ خاصة في استجابة الصين الفاترة لانتخاب رئيس تايوان
الجديد المؤيد للسيادة في الأسبوع الماضي.
وفي ظل التدهور السريع
للوضع في الشرق الأوسط، ارتفعت أسعار النفط العالمية وتكاليف الشحن، في حين أن شن
بريطانيا والولايات المتحدة غارات جوية ضد المتمردين الحوثيين الأسبوع الماضي زاد
المخاطر بعد هجمات الجماعة
اليمنية على الشحن في البحر الأحمر. وليس من المستغرب
أن تُمنح العملية العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة اسمًا عمليًا "عملية
حارس الازدهار".
ذكرت الصحيفة أن هذا
الممر الملاحي شريان حيوي لاقتصادات أوروبا وأمريكا الشمالية عبر قناة السويس،
بنسبة 12 بالمئة من التجارة العالمية و30 بالمئة من حركة الحاويات. وتأتي معظم
الشحنات من آسيا إلى موانئ شمال أوروبا، حيث تعبر حوالي 50 سفينة يوميًا القناة
التي يبلغ طولها 120 ميلًا، وتحمل بضائع بقيمة 5 مليارات دولار كل أسبوع.
ومع تحويل خطوط الشحن
الرئيسية حركة المرور حول رأس الرجاء الصالح في الطرف الجنوبي من أفريقيا لتجنب
هجمات الحوثيين، تتم إضافة حوالي 3000 إلى 3500 ميل بحري (6000 كيلومتر) إلى
الرحلات التي تربط أوروبا بآسيا.
وبحسب الصحيفة، فإن
إجبار السفن على السفر لمدة 10 أيام أطول في المتوسط يأتي بتكلفة. فبعد تحويل 90
بالمئة من الشحنات في الأسبوع الأول من كانون الثاني/ يناير، قفزت أسعار الحاويات
على طريق شنغهاي-روتردام الرئيسي من 1170 دولارًا في مطلع كانون الأول/ ديسمبر إلى
4400 دولار في 11 كانون الثاني/ يناير، وذلك وفقًا للبنك الهولندي "إي إن
خي". وكل هذا يذكرنا بأزمة إغلاق قناة السويس بسبب جنوح سفينة الحاويات
"إيفر غيفن" قبل سنتين، ما تسبب في مشاكل جماعية للتجارة العالمية وساهم
في أسوأ انفجار تضخمي منذ أربعة عقود.
هذه المرة، هناك
تحذيرات من الشركات الأوروبية بشأن نفاد المخزون وارتفاع الأسعار، بما في ذلك
شركات "إيكيا" و"تيسكو" و"ألدي". ووفقا لشركة "ريتايل
إيكونوميكس" الاستشارية، تأتي نصف جميع الألعاب المستوردة ونحو خمس الأدوات
المنزلية المستوردة إلى المملكة المتحدة من الصين. وقد أوقفت شركتا "تيسلا"
و"فولفو" الإنتاج مؤقتًا بسبب نقص المكونات في مصانعهما الأوروبية. وما
زاد من الانهيار اللوجستي أن الجفاف أدى إلى تقليل العبور في قناة بنما بين المحيط
الأطلسي والمحيط الهادئ.
مع ذلك، فقد كان الخبراء
الاقتصاديون حتى الآن أكثر تفاؤلاً قليلاً مما قد توحي به عناوين وسائل الإعلام
المذعورة. وخلافًا لما حدث قبل سنتين، فإن انقطاع الإمدادات يحدث في ظل خلفية
اقتصادية مختلفة تماما. ويتعثر الطلب بعد ارتفاع تكاليف المعيشة وارتفاع أسعار
الفائدة التي أثرت على العائلات. ومن المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي العالمي
بشكل حاد هذا العام، وقد زادت الطاقة الاستيعابية للشحن البحري العالمي بعد إطلاق
العديد من سفن الحاويات الضخمة الجديدة، في حين انخفضت أحجام الشحن البحري بالفعل
قبل بدء الاضطراب.
وفي حين أن أسعار
الحاويات ربما تضاعفت ثلاث مرات، فإنها لا تزال أقل بكثير مما كانت عليه قبل
سنتين. ولا يزال مؤشر شنغهاي للشحن بالحاويات منخفضا بأكثر من النصف، وهو المؤشر
الأكثر استخداما على نطاق واسع لأسعار الشحن البحري للواردات من الصين في جميع
أنحاء العالم.
وبحسب الصحيفة، فقد ارتفعت
أسعار النفط بشكل حاد في الأيام الأخيرة وسط مخاوف بشأن تعطل التجارة العالمية عبر
ممرات الشحن الرئيسية، لترتفع إلى أكثر من 80 دولارًا للبرميل. لكنها تظل أقل
بكثير من الذروة التي بلغت حوالي 140 دولارًا في سنة 2022 في أعقاب الغزو الروسي
لأوكرانيا. ومع ذلك، فلا يزال من الممكن أن تتغير الأحداث، خاصة إذا استمر الاضطراب
أو تصاعدت التوترات الجيوسياسية.
ومنذ افتتاح قناة السويس
في سنة 1869، فإنها أصبحت محورًا للتجارة العالمية والمصالح البريطانية على وجه الخصوص.
ولا يعد التدخل العسكري أمرا جديدا، فقد قامت السفن الحربية البريطانية بدوريات في
مضيق باب المندب الذي يبلغ عرضه 30 كيلومترا لعدة قرون، مع الاستيلاء على ميناء
عدن بالقوة في سنة 1839 لإنشاء محطة فحم مهمة على الممر المؤدي إلى الهند.
وبعد أن كانت ثاني أكثر
الموانئ ازدحاما في العالم بعد نيويورك، تضاءلت أهمية عدن منذ استقلال اليمن في
سنة 1967، مدفوعة بعقود من الحرب والأزمة السياسية التي خلفتها بريطانيا، في حين
أدى التقدم في مجال الشحن إلى تقليل الحاجة إلى التوقف. ومع ذلك، فقد ظلت نقطة الاختناق
بين القرن الأفريقي وشبه الجزيرة العربية ذات أهمية استراتيجية للتجارة الدولية
منذ ذلك الحين.
وفي ظل ارتفاع أسعار
الطاقة العالمية مرة أخرى، فلا بد أن يكون هناك إنذار خاص لبريطانيا. ففي أعقاب
الغزو الروسي لأوكرانيا، أدت الجهود المبذولة لتنويع إمدادات الغاز إلى زيادة
اعتماد المملكة المتحدة على واردات الوقود الأحفوري من الشرق الأوسط، بما في ذلك
قطر، أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم. وارتفعت واردات الغاز الطبيعي
المسال الأوروبية بنسبة 71 بالمئة في سنة 2022 في إطار الاندفاع لاستبدال الغاز
الروسي، بما في ذلك زيادة بنسبة 74 بالمئة إلى المملكة المتحدة، التي تستورد حوالي
ثلث إمداداتها المستوردة من البلاد.
وكان المسؤولون
التنفيذيون في الشركات وصناع السياسات يقضون معظم السنتين الماضيتين في الحديث عن
الانفصال وتفكيك العولمة، وسط زخم حول "إعادة" سلاسل التوريد من آسيا
الأقرب إلى الوطن. ومع ذلك، وكما أظهرت الأزمة في الشرق الأوسط، فإن بريطانيا
أصبحت مدمنة على الواردات من آسيا أكثر من أي وقت مضى.
ويظل البر الرئيسي
للصين أكبر مصدر للواردات لنحو 70 اقتصادا حول العالم. وفي حين أن تفكيك خطوط الإمداد
العالمية التي تراكمت على مدى عقود لم يكن ممكنا بين عشية وضحاها، فإن الغرب لا
يزال يعتمد على البلاد على الرغم من الانهيار السياسي مع بكين.
وتظهر الأرقام الرسمية
أن سنة 2023 كانت في طريقها لأن تكون سنة أخرى شبه قياسية للواردات الصينية إلى
بريطانيا. وبعد سلسلة من الصدمات العالمية منذ جائحة كوفيد، تراجع التضخم في سنة
2023، ما زاد الآمال في تخفيض أسعار الفائدة من أقوى البنوك المركزية في العالم.
وكان من الممكن أن يوفر ذلك دفعة مفيدة لمستويات المعيشة والنمو الاقتصادي في عام
انتخابي رئيسي على ضفتي الأطلسي.