نشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" تقريرا مصورا قالت فيه؛ إن الشتات
الفلسطيني، الذي يبلغ عدده أكثر من ستة ملايين شخص في مختلف أنحاء العالم اليوم، يمتد عبر الأراضي الحدودية بين لبنان وسوريا ومصر، التي تضم معا ما يقرب من مليون فلسطيني، ويشمل جيوبا بعيدة مثل ديربورن بولاية ميشيغان، وسانتياغو في تشيلي.
ومع ذلك، فإن النسبة الأكبر من المنفيين الفلسطينيين موجودة في الأردن، على الحدود الشرقية لـ "إسرائيل"، بحسب الصحيفة التي أشارت إلى أن واحدا من كل خمسة أشخاص يعيشون في الأردن هو فلسطيني، أكثر من 2.3 مليون لاجئ مسجل في المجمل، وهو عدد أكبر قليلا من سكان قطاع
غزة. ويتمتع معظمهم بالمواطنة الكاملة.
وأشارت أن بعضهم، بما في ذلك الملكة رانيا ملكة الأردن، التي ولدت لأبوين فلسطينيين في الكويت، قد حصلوا على قدر كبير من السلطة، لكن الكثير منهم لا يزالون يقيمون في مخيمات اللاجئين الرسمية العشرة التابعة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، أو ثلاثة مخيمات غير رسمية تتلقى بعض الدعم من الأمم المتحدة. إن تاريخ هؤلاء اللاجئين هو عبارة عن قصة عن المنفى والتطلعات الوطنية، وعن الشوق إلى وطن، وهو مخطوط يُكتب وتُعاد كتابته مع كل موجة جديدة من الوافدين.
وذكرت الصحيفة أنه في أثناء وبعد الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948 التي أسست "إسرائيل"، أُجبر أكثر من 700 ألف عربي على ترك منازلهم، بعضهم تحت تهديد السلاح، وهو الحدث الذي يُذكر باللغة العربية باسم النكبة. وقد لجأ هؤلاء عديمو الجنسية إلى ملجأ مؤقت في المخيمات التي بدأت كصفوف من الخيام في الحقول الفارغة في قطاع غزة والضفة الغربية وخارجها. ومرت السنوات، وحلت محل الخيام مبان من ألواح الصفيح، ثم بمبان خرسانية، حيث ملأت متاجر الملابس والمطاعم وأسواق السلع المستعملة ومحلات الحلاقة الفجوات بين المنازل، وحولت هذه المخيمات إلى مدن بحد ذاتها. ثم جاءت الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967. فاحتلت "إسرائيل" الضفة الغربية وقطاع غزة، اللتين كانتا تحت سيطرة الأردن ومصر على التوالي، وفر الآلاف من الفلسطينيين شرقا. في عام 1988، فك الأردن الارتباط بالضفة الغربية.
وأضافت أن الصحفي نيكولاس كيسي سافر في تشرين الثاني/ نوفمبر إلى المخيمات مع مويسيس سامان لإجراء مقابلات مع أولئك الذين يعيشون هناك، وتصويرهم. ليس فقط للتعرف على شكل الحرب بالنسبة للاجئين الآخرين، ولكن أيضا للحصول على فهم أكبر لما يعنيه أن تكون فلسطينيا في هذه الحقبة الجديدة من الحرب والنزوح.
وبحسب الصحيفة، فقد روى كل منزل قصة مختلفة. كان هناك منزل عيسى محمود أحمد عايش، رب عائلة فخور من مخيم البقعة في الأردن، وله 14 ابنا و63 حفيدا. وكانت عائلته قد فرت من حرب عام 1948، وولد عام 1949 في مخيم للاجئين في الضفة الغربية. وعندما جاءت الحرب مرة أخرى في عام 1967، هاجرت عائلته مرة أخرى، وفي نهاية المطاف استقر في مخيم البقعة.
وقال عايش للصحيفة؛ إن الحياة كانت مقفرة. "كان كل شيء موحلا. لم تكن هناك مدارس. درست في المنزل. لقد كان وجودا مجردا. اليوم، البقعة أصبحت مدينة مترامية الأطراف، وهي أكبر مخيم في الأردن، حيث يبلغ عدد سكانها أكثر من 130 ألف نسمة. وعلى الرغم من العقود التي قضاها هناك، فإن عايش يتردد في اعتبارها وطنه. وأضاف: "لن ننسى فلسطين أبدا".
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن المفاتيح الاحتفالية مثل تلك المعلقة على الحائط خلف حليمة حسين الكسواني، موجودة في العديد من المنازل الفلسطينية؛ إنها تمثل الرغبة في العودة إلى ديارهم في هذه الحالة، إلى بيت إكسا، القرية القريبة من القدس، حيث نشأت الكسواني (85 عاما). اكتسبت النجومية العام الماضي عندما تم مشاهدة مقطع فيديو لأغانيها الشعبية التي تعلمتها عندما كانت طفلة، أكثر من خمسة ملايين مرة عبر الإنترنت. وتقول؛ إنها تلقت طلبات لمزيد من الأغاني. "لكنني لا أشعر بالرغبة في الغناء عندما يتم جمع الناس في غزة في أكياس".
فر سعدي محمود أحمد الكراملة، 80 عاما، من قرية دير أبان بالقرب من القدس عام 1948. ويتذكر أن جده - مختار القرية - التقى عدة مرات مع ضباط الجيش المصري، الذين أكدوا له أن عائلته ستعود في غضون أسبوع. وبدلا من ذلك، جاءت عائلته في نهاية المطاف إلى مادبا، وهو مخيم غير رسمي، حيث تم تعيين الكراملة نفسه مختارا لمجتمعه، وفقا لما أوردته الصحيفة.
نزحت فاطمة علي عبد الرحمن عطية وعائلتها عام 1967 من حلحول في الضفة الغربية إلى العاصمة الأردنية عمان. لجؤوا في البداية إلى أحد المساجد واستقروا في نهاية المطاف في مخيم مادبا. وبينما كانت تروي قصتها، كانت عطية ممسكة بمسبحة، وهو مشهد مألوف في المخيمات الفلسطينية، موطن العديد من العائلات المتدينة.
إبراهيم محمد إبراهيم الطيطي، 16 عاما، من مواليد مخيم إربد، وكذلك والده. كان أجداده هم الذين فروا في عام 1948، من عراق المنشية، وهي قرية عربية بالقرب من مدينة غزة، وهبطوا في نهاية المطاف في مخيم إربد. لا يستطيع العديد من الفلسطينيين من غزة، المطالبة بالجنسية في الأردن، مثل العديد من البلدان حول العالم، لا يمنح الجنسية بالولادة. وقد يبقى الطيطي لاجئا إلى الأبد، وفقا للتقرير.
كما ذكرت الصحيفة أن خضر حسين سليم المساعيد، لا يزال يتذكر حياته عندما كان صبيا في مزرعة عائلته في الضفة الغربية، حيث كان يزرع البرتقال والعنب، محاطا بالأصدقاء وأفراد العائلة الذين يزورونهم من حيفا ويافا والخليل. وبعد حرب 1967، هرب هو وعائلته إلى مخيم البقعة. كان المساعيد محرضا سياسيا حتى في سنواته الأخيرة، حيث يستقل أحيانا الحافلات إلى عمان للانضمام إلى المظاهرات المطالبة بحق العودة إلى الضفة الغربية. وقال: "المخيم بالنسبة لي هو مكان إقامة مؤقت.. هل من العدل أن يكون شخص مثلي، في السبعين من عمره، بلا وطن؟".
كانت فصايل أحمد محمد عويج، 48 عاما، وابنتها أورجوان عبد الرحمن أبو الهنا، البالغة من العمر 9 أعوام، تقفان بالقرب من منزلهما في مخيم الحصن، حيث ولدت الهنا. وبينما كانت والدتها تنظر إليها، قدمت أورجوان أغنية: "أرضي.. احتلوها. بيتي.. هدموه. وفي أحد الأيام وضعوا عائلتي في السجن. لقد قتلوا طفولتي".
عبد الكريم سليمان الآصفي، 77 عاما، من مواليد قرية بساط الفلق الصغيرة في الضفة الغربية. وفي أعقاب عام 1948، تم تهجيره إلى قرية أخرى في الضفة الغربية، ثم إلى قرية أخرى. ومع الحرب عام 1967، انتقل مرة أخرى، هذه المرة إلى مخيم السخنة، وهو مخيم غير رسمي للاجئين في الزرقاء، الأردن. وقد عاش عمره كله بعيدا عن قريته "بصة الفالق"، التي لا تبعد عنه سوى حوالي 70 ميلا، بحسب الصحيفة.