سياسة تركية

هل يمهد انقسام المعارضة التركية الطريق أمام أردوغان لاستعادة بلدية إسطنبول؟

تتصاعد الخلافات على جبهة المعارضة عقب إعلان حزب "الجيد" أنه يتعرض لاستهداف منظم- جيتي
تتصاعد حدة الحرب المعلنة بين أكبر حزبي المعارضة التركية مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في نهاية آذار /مارس المقبل، في حين يواصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المشاورات الحزبية في العديد من الولايات للتوصل إلى أسماء مرشحيه.

وأعلنت رئيسة حزب "الجيد" المعارض، ميرال أكشينار، الحرب على حزب الشعب الجمهوري، بعد إطلاقها موجة من الاتهامات حول التدخل بشؤون حزبها الداخلية، على خلفية سلسلة من الاستقالات، حازت خلال الأيام على حيز واسع من حديث الإعلام التركي.

وكانت الاستقالات توالت في حزب "الجيد" بشكل غير مسبوق، بعدما أعلنت أكشينار رفضها عرض "الشعب الجمهوري" عقد تحالف في مدينتي إسطنبول وأنقرة، بعد إجرائها تصويتا داخليا انتهت نتيجته المعلنة إلى رفض الدخول في منظومة التحالفات تحت راية أكبر أحزاب المعارضة، لا سيما بعد الخسارة التي نزلت بتحالف الطاولة السداسية المعارض في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة.

واعتبرت أكشينار خلال مؤتمر صحفي، أن حزب الشعب الجمهوري، دون التطرق لذكر اسمه، يقف وراء هجوم منظم ضد "الجيد"، مشددة على عزم حزبها خوض الانتخابات المحلية بمفرده في كافة الولايات.

كما اتهمت السياسية التركية، رئيسي بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وبلدية أنقرة منصور يواش، بالجبن والخوف من تلبية نداء الشعب، في إشارة إلى دعوتها لهما في الانتخابات الرئاسية لخوض السباق الرئاسي ضد أردوغان بناء على تصدرهما استطلاعات الرأي آنذاك، إلا أن الأخيرين آثرا دعم كمال كليتشدار أوغلو، مرشح الطاولة السداسية وزعيم حزب الشعب الجمهوري حينها.

ومع تصاعد خلافاته مع أحد أكبر أحزاب المعارضة، يسعى حزب الشعب الجمهوري إلى عقد تحالفات مع أحزاب أخرى إلا أنه لم تلح إلى الآن ملامح أي تحالف جديد في الأفق.

وكان حزب الشعب الجمهوري قد جمع 5 أحزاب معارضة بهدف الفوز بالانتخابات الرئاسية، فيما عرف حينها بتحالف الطاولة السداسية، في سابقة بتاريخ السياسة التركية، إلا أن جهوده لم تؤت أكلها آنذاك في التغلب على تحالف الجمهور بقيادة الحزب الحاكم، حيث تلقى خسارة قاسية تسببت في انفراط عقد المعارضة.

"منشغلون بتصفية الحسابات"
الباحث في العلاقات الدولية والشأن التركي، مهند حافظ أوغلو، اعتبر أن خلافات المعارضة التركية تأتي نتيجة الهزيمة في الانتخابات الرئاسية في حزيران /يونيو الماضي، حيث يتهم كل طرف الآخر بالتسبب في خسارة فرصة إزاحة أردوغان عن سدة الحكم والحصول على الأغلبية البرلمانية.

وقال أوغلو خلال حديثه لـ"عربي21"، إن المعارضة أمام هدفين اثنين بعد خسارة الانتخابات الرئاسية الأول هو تصفية الخلافات فيما بينهم، مشيرا إلى أن الحرب الباردة الدائرة الآن على جبهة المعارضة ما هي سوى تصفية حسابات عن ضياع فرصة الفوز بانتخابات مصيرية على مستوى الرئاسة والبرلمان.

وأضاف أن المعارضة تريد أن تعبر الآن من مرحلة تصفية الحسابات نحو تحقيق هدفها الثاني وهو الفوز بالانتخابات البلدية لقطع الطريق على تحالف الجمهور بعد فوزه بالرئاسة والأغلبية بالبرلمان، لا سيما على مستوى الولايات الكبرى العاصمة أنقرة، وإسطنبول، وإزمير بشكل أساسي.

في الوقت ذاته، أشار الباحث إلى أنه من المحتمل أن لا تفضي خلافات المعارضة إلى تصفية الحسابات القديمة وتوحيد الصف، موضحا أنهم قد ينشغلون بكسب نقطة على حساب حزب آخر وترك الهدف الكبير وهو الفوز بالانتخابات المحلية، التي تعتبر على درجة عالية من الأهمية بسبب تحديدها البوصلة في الداخل لأي دولة، حسب تعبيره.

خلافات تصب في صالح أردوغان.. ولكن!
في المقابل، يواصل تحالف "الجمهور" المكون من 4 أحزاب محافظة، حماية بنيته من التصدعات في سبيل تتويج الفوز في الانتخابات الرئاسية بانتصار جديد يعيد بلديتي إسطنبول وأنقرة إلى حزب العدالة والتنمية، بعد خروجهما من يديه في محليات عام 2019 لصالح "الشعب الجمهوري".

ورغم عدم إعلانه أسماء مرشحيه حتى تاريخ نشر هذا التقرير، إلا أن تحالف "الجمهور" بقيادة الحزب الحاكم لم يظهر أي خلافات إستراتيجية في صفوفه التي تضم حزب "الحركة القومية" بزعامة دولت بهتشلي، وحزب "الرفاه الجديد" برئاسة فاتح أربكان نجل السياسي الشهير ورئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان، بالإضافة إلى حزب "هدى بار" الكردي.

ويرى مراقبون أن الحرب المستعرة على جبهة المعارضة، تصب بشكل أساسي في صالح حزب العدالة والتنمية وتحالفه، ما يرفع حظوظه في الفوز بشكل خاص ببلدية إسطنبول التي تشكل قلب الحياة السياسية التركية.

أوغلو، لفت إلى أن الخلافات تفيد دون أدنى شك تحالف الجمهور الذي يشكل، إلا أنه حذر من إمكانية ميل أصوات الناخبين في الانتخابات المحلية التي وصفها بأنها "بغاية الخطورة" لأنها تعطي مقياسا لمدى رضا الناخب التركي عن الأحزاب على مستوى الخدمات. موضحا أن أردوغان الذي دخل إلى عالم السياسة من البلديات، والذي يتمتع حزبه بخبرات متراكمة في هذا المجال، يعلم أهمية القاعدة الشعبية جيدا في المحليات.

وأشار إلى أن العدالة والتنمية الذي خرج منتصرا من الانتخابات الرئاسية يدرك جيدا كافة المعوقات التي قد تحول دون وصوله مجددا إلى بلديات المدن الكبرى وإسطنبول تحديدا، مبيّنا أن بقاء بقاء إسطنبول في يد المعارضة لولاية ثانية يعني بداية أن يكون المنحنى البياني لحزب العدالة والتنمية في الداخل التركي في هبوط وهذا سوف يكون له آثاره بطبيعة الحال بعد سنوات على الحزب نفسه من بنيته الداخلية.

وقد تتسبب خسارة ثانية لبلدية إسطنبول، في تفكك على مدى السنوات القادمة في حزب العدالة والتنمية قبل الانتخابات الرئاسية الجديدة، لذلك يحرص تحالف الجمهور على استعادة إسطنبول بشكل خاص، بحسب أوغلو الذي أوضح أن أنقرة تأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية.

"معركة إسطنبول"
وفي وقت تتحول فيه الانتخابات المحلية إلى انتخابات تتمحور حول إسطنبول بشكل أساسي، بسبب أهمية المدينة الواقعة في قلب الحياة التركية على كافة صعدها السياسية والاقتصادية والثقافية، يبرز اسم أكرم إمام أوغلو الرئيس الحالي لبلدية إسطنبول ومرشح حزب "الشعب الجمهوري" في الانتخابات الحالية، حيث تتصاعد إمكانية عقده تحالفات جديدة تتمحور حول شخصه للفوز للمرة الثانية على التوالي بهدف منع سقوط المدينة في يدي "العدالة والتنمية" مجددا.

لذلك، يعود اسم المرشح السابق للرئاسة التركية وزعيم حزب البلد، محرم إنجه، ضمن الكيانات السياسية التي من الممكن أن تدعم أكرم إمام أوغلو لولاية جديدة، مرشح "الشعب الجمهوري"، رغم الخلافات الكبيرة بين الحزبين التي أدت إلى انسحاب إنجه من سباق الانتخابات الرئاسية السابقة، وما تبع ذلك من دخوله إلى المستشفى وغيابه عن المشهد السياسي بشكل شبه كامل.

وفي آخر تصريحاته، كشف إنجه أنه التقى بإمام أوغلو مرتين في الآونة الأخيرة، حيث عرض على هذا الأخير دعمه بشكل كامل في الانتخابات القادمة دون الحصول على جواب من رئيس بلدية إسطنبول الحالي. 

وقال إنجه: "التقيت بإمام أوغلو مرتين، وقلت له دعنا نساعدك في إسطنبول. لا نريد شيئا منك، لقد فزت بها بعد 25 عاما، دعنا لا نخسرها مجددا".

لكن أكرم إمام أوغلو، الذي أعلن عن ترشحه لولاية جديدة، لم يجب سواء بالقبول أو بالرفض، بحسب المصدر ذاته.

وكان أكرم إمام أوغلو من الأسماء الأكثر حظوظا في صفوف المعارضة للفوز بالانتخابات الرئاسية السابقة وفقا لاستطلاعات الرأي آنذاك، وهو ما دفع أكشينار إلى مطالبته بالترشح، إلا أن أوغلو لم يستجب، مكتفيا بخوض الانتخابات إسنادا لكليتشدار أوغلو الذي رشحته الطاولة السداسية، على أن يكون نائبا للرئيس في حال فوز الأخير.

وبعد خسارة الانتخابات الرئاسية أشار العديد من المراقبين الأتراك إلى تراجع شعبية أكرم إمام أوغلو، خاصة بعد الاتهامات التي طالته حينها بترك مهام منصبه المنتخب لأجل توليها، في سبيل التوجه نحو سباق الرئاسة والمساهمة في قيادة الحملة الانتخابية لكليتشدار أوغلو، وهي اتهامات عززتها الهزيمة التي منيت بها المعارضة أمام تحالف الجمهور.

في السياق، أيد الباحث حافظ أوغلو ما يثار من أحاديث حول تراجع شعبية أكرم إمام أوغلو، وبالتالي تراجع حظوظه في الفوز مجددا ببلدية إسطنبول.

وقال الباحث المختص بالشأن التركي، إن السنوات الخمس التي تربع فيها أكرم إمام أوغلو، والتي شهدت تراجعا في مستوى الخدمات، كذبت شعار حملته عام 2019 "كل شيء سيكون جميلا جدا"، وجعلت فرصه في الفوز بالانتخابات المقبلة صفريا، بحسب تعبيره.

وعزز أوغلو طرحه بالإشارة إلى أن ذهنية أكرم إمام أوغلو الذي ينبثق من حزب الشعب الجمهوري استعراضية وليست ذهنية خدمية، موضحا أنه يقدر بناء على ما سبق أن حظوظ رئيس بلدية إسطنبول الحالي بالفوز مجددا متدنية للغاية.

واختتم بالقول إن نحو 90 يوما تفصل البلاد عن موعد فتح صناديق الاقتراع، وهي فترة من المؤكد لها أن تكون حامية الوطيس، موضحا أن على حزب العدالة والتنمية وحليفه "الحركة القومية" أن ينتبهوا جدا لهذه الانتخابات لأن خسارتها تعني خسارة التحالف أجمع، وهي مرحلة لها ما بعدها، بحسب تعبير أوغلو.

ويعمل حزب العدالة والتنمية على قدم وساق لإعداد كافة الاستعدادات للانتخابات المحلية، التي من شأنها وفقا لمراقبين أن تضع أولى ملامح الفائز في الانتخابات الرئاسية القادمة في عام 2028.


الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع