حل رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، ضيفا على
تركيا اليومين
الماضيين، وهي
الزيارة الثانية له بعد الخلاف الشديد على خلفية دعم تركيا لحكومة
الوفاق في الحرب التي شنها خليفة حفتر على العاصمة العام 2019م ودعمه فيها عقيلة
صالح، حتى إن الأخير تماهى مع وصف التدخل التركي بالاستعمار وأنهم لن يقبلوا بدفع
"الميري" للأتراك مرة أخرى كما كان عليه الحال إبان حكم العثمانيين
لليبيا.
الزيارة الأولى كانت بمثابة إذابة الجليد، غير أن صالح كان متحفظا
نسبيا في كلامه، لكنه انطلق في الثناء على الأتراك ومديحهم في زيارته الأخيرة،
مشيدا بدور الأتراك في مواجهة الاستعمار الإيطالي جنبا إلى جنب مع المجاهدين
الليبيين، حتى ان "الدم التركي أمتزج بالدعم الليبي"، ومهللا بدورهم في
دعم القضية الفلسطينية، والدعم قضايا العالم الإسلامي. ولم ينس عقيلة صالح أن يثني
على الدور التركي في الكارثة التي حلت بمدينة درنة وان تركيا كانت في مقدمة الدول
التي قدمت مساعدات في الفيضان الذي اجتاح الشرق الليبي.
هذا الخطاب الجديد المفعم بالود والثناء، والذي صار على قطيعة مع
الموقف المتشدد جدا خلال الأعوام 2019-2021م ، إنما يتعلق بتطورات المشهد الليبي
والتدافع الحاصل اليوم حول ملفين مهمين هما: قوانين الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة.
الجمود الذي يكتنف الوضع السياسي في
ليبيا سببه تحفظ المجلس الأعلى
للدولة على قوانين الانتخابات التي أصدرها مجلس النواب بعد أن قامت لجنة 6+6
بالتعديل عليها، فيما يرفض الأعلى للدولة هذه التعديلات.
الملف الأكثر إلحاحا بالنسبة لرئيس مجلس النواب هو الحكومة، ذلك أن
عقيلة صالح لا يلقي بالا لموقف الأعلى للدولة من القوانين بعد أن أعلن المجتمع
الدولي ممثلا في مجلس الأمن وسفراء الدولة المعنية بالنزاع الليبي والبعثة الأممية
الخاصة بليبيا قبولها واعتبروها الأساس التشريعي لإجراء الانتخابات.
التطور الأهم في موقف عقيلة صالح من الأتراك هو الإشارة الصريحة إلى إمكانية تغيير موقف مجلس النواب من الاتفاقيات التي وقعتها تركيا مع حكومة الوفاق الوطني في نوفمبر 2019م، الاتفاقية العسكرية والأمنية، واتفاقية النفوذ الاقتصادي البحري.
عقيلة صالح يضع كل البيض في سلة الحكومة مع إدراكه أن دعم المجتمع
الدولي للقوانين لا يعني أن الطريق صار ممهدا لإعمالها وإجراء الانتخابات، بمعنى
أن المسار السياسي سيتعطل ويتعثر وتتدحرج الأزمة وتظل حكومة الشرق بلا سلطة ولا
نفوذ حقيقي، وأن إعادة تشكيل الحكومة قد يقود إلى تغليب رؤية مجلس النواب، أو
رئاسته، في الشكل الذي ستكون عليه الحكومة حتى لو تجرى الانتخابات.
حديث عقيلة صالح مع الاتراك دار في أهم نقاطه حول ضرورة تشكيل حكومة
موحدة، ونبه إلى أنه ليس من مصلحة تركيا الانقسام الحكومي، وأن الاستقرار الذي
تنشده أنقرة لليبيا والذي لا يكون إلا عبر الانتخابات لن يتحقق في ظل الوضع
الحكومي الراهن.
التطور الأهم في موقف عقيلة صالح من الأتراك هو الإشارة الصريحة إلى
إمكانية تغيير موقف مجلس النواب من الاتفاقيات التي وقعتها تركيا مع حكومة الوفاق
الوطني في نوفمبر 2019م، الاتفاقية العسكرية والأمنية، واتفاقية النفوذ الاقتصادي
البحري.
صالح ذكر أن سبب عدم مصادقة مجلس النواب على الاتفاقيات إنما وقع
بسبب عدم قدرة الحكومة السابقة على تقديم الاتفاقيات للمجلس لأنها لم تنل ثقة
المجلس، وهذا تفسير جديدا يشير إلى تحول كبير مبعثه قناعة بأن صالح يحتاج أن يعطي
لكي يتحصل على ما يريده وهو تشكيل حكومة جديدة وأن الاتراك لهم دور في إنجاح ذلك.
بقي أن نقول أن عقيلة صالح لا يمكن أن يقدم على هذه الخطوات في
التقارب مع الأتراك منفردا، فتجاوز كل الحواجز بما في ذلك ملف الوجود التركي في
الغرب الليبي هو ملف حساس جدا بالنسبة للشريك المحلي، خليفة حفتر، الحاكم الفعلي
في الشرق، والحليف الخارجي، القاهرة التي كانت وراء التوازن الحالي بينها وبين
أنقرة في النزاع الليبي، وهو إما أن يكون قد نسق مع الرجمة والقاهرة فيما يتعلق
بالتطور في العلاقة مع أنقرة، أو أنه راهن
على دعم الأتراك للتغير الحكومي دون ضمانات حقيقية فيما يتعلق بالمصادقة على
الاتفاقيات في المجلس، فهذه مسألة تحتاج إلى وقت، ومرهونة بموقف أعضاء المجلس،
وغالبيتهم يتحفظون عليها.