من الطبيعى أن نتساءل بعد مرور ما يقرب من أربعين يوما من القصف الوحشى لقطاع
غزة، الذى يندرج تحت
جرائم الحرب، ماذا بقى لإسرائيل؟
الكاتب الأمريكى الشهير توماس فريدمان كتب مقالا معبرا فى صحيفة «نيويورك تايمز» بعد زيارة قام بها الأسبوع الماضى لإسرائيل والضفة الغربية، وصف فيه حالة الهلع، والتمزق، والتبعثر الذى يشهده المجتمع الإسرائيلى، بما لم يره فى أى مرحلة سابقة.
ووصف بنيامين نتنياهو بأنه أسوأ رئيس وزراء فى تاريخ إسرائيل، بل فى تاريخ اليهود كله!. عمليا، فإن المجتمع الإسرائيلى يشهد كل عوامل الانقسام، وتقود سياسات الحكومة الحالية إلى مزيد من الكراهية. هناك تصعيد غير مسبوق ضد الفلسطينيين فى الضفة الغربية، ينذر بتفجر الأوضاع على نطاق واسع، وهناك توتر متصاعد على الحدود الشمالية مع لبنان، يضاف إلى العمليات العسكرية فى الحدود الجنوبية مع غزة، وعرفت إسرائيل ظاهرة «المهجرين» من بيوتهم نتيجة الحرب، وتشهد حالة صدام بين المستوطنين والفلسطينيين، والذى يأخذ ابعادا دموية نتيجة تسليح المستوطنين، وحماية أجهزة الأمن لإجرامهم، يضاف إلى ذلك الصدام بين اليهود والعرب من مواطنى إسرائيل نفسها، يرافق ذلك خطابات عنصرية بنكهة نازية تصدر عن مسئولين إسرائيليين تجاه الفلسطينيين؟ أى مجتمع يستطيع البقاء فى ظل عوامل الانقسام المتصاعدة على مسارات عدة: جغرافية، ودينية، وسياسية؟ وقد تتجلى أزمة المجتمع الإسرائيلى على نطاق أوسع عقب توقف العمليات العسكرية فى غزة، والسؤال دائما: ماذا بعد؟ هل تظل عقيدة «الأمن» هى المسيطرة على مجتمع لم يستطع أن يحقق استقرارا بالأمن وحده؟ ليست الأزمة فقط فى مستقبل غزة بعد وقف إطلاق النار، من يحكمها؟ ولكن السؤال ذاته سيكون فى إسرائيل أيضا، من يخلف نتنياهو وحكومته العنصرية؟ وكيف يستعيد المجتمع عافيته؟
يعلم القادة الإسرائيليون أن الحكومات الداعمة لن تستطيع مواصلة دعمها مع استمرار العمليات العسكرية بهذه الوحشية فى غزة، وعدم وضوح موقف إسرائيل تجاه المستقبل. وصدق فريدمان فى مقاله عندما شخص حالة نتنياهو قائلا: هو يريد أن تساعده واشنطن فى القضاء على حماس، بينما يواصل الاستيلاء على أراضى الفلسطينيين، وبناء المستوطنات؟ بالقطع هذه هى حالة نتنياهو الذى لا يريد أن يعترف بأخطائه أو يتحمل المسئولية عما حدث فى 7 أكتوبر الماضى. سأله الصحفيون كثيرا، فتهرب، ورفض أن يتحمل مسئولية الإخفاق الأمنى والاستخباراتى الشديد الذى حدث، وأعلن أنه مسئول عن النصر فى غزة. وهل سوف يحقق الانتصار الذى يحلم به؟ لم يعد العالم يقبل مزيدا من القتلى والجرحى نتيجة قصف همجى، المظاهرات الصاخبة الداعمة للفلسطينيين فى قلب أوروبا، وسائل الإعلام العالمية تحاول أن تتنصل من تحيزها لإسرائيل، والساسة فى حرج من استمرار الدفاع عن دولة عنصرية، لا تعرف سوى القتل، وممارسة الكذب، والعيش بالتهديد.
أليس فى موقف إسرائيل، ومن خلفها الولايات المتحدة تجاه حزب الله، هو مواجهة الخوف بالتهديد؟
ألم تدرك إسرائيل أنها لم يعد يبقى لديها الكثير؟ سمعتها العالمية ملطخة، وسياساتها جمعت أطرافا عربية وإسلامية على مواقف متقاربة، ربما للمرة الأولى منذ سنوات بعيدة، ولم يعد أمامها حتى تحفظ بقاءها، وتعيش دولة طبيعية سوى تحقيق السلام، وحل الدولتين، والتخلى عن أيديولوجية الأمن وحده.
(الشروق المصرية)