قرأت أن الأمين العام لحزب
الله
اللبناني حسن نصر الله سيلقي بياناً آخر يوم السبت المقبل، فقلت: ألا يكفينا
من الدسِت مغرفة؟
فقد وقف العالم قبل
خطابه
السابق على أطراف الأصابع في انتظار قراره بدخول الحرب، فتمخض الجبل فولد فأراً
ميتاً، ولم يكن لأحد أن ينتظر منه هذا، لكن التبشير بالخطاب قبل أسبوع من موعده
شككنا في سلامة قدرتنا على تحليل الموقف.
وهذا ليس لأن البعض يشكك في
جدية موقفه وموقف الإيرانيين من الحرب، كما يحلو للبعض أن يروح لأسباب مذهبية؛ يرى
أصحابها أن مثل هذا الإعلان من شأنه أن يعيد التأييد للقوم كما كان في عام 2006،
بما من شأنه أن يمثل دعاية للمذهب، ومن أهل السنة من إذا خيرتهم بين الهزيمة
والنصر بمساعدة القوم لاختار الهزيمة، ناهيك عن الذين يعادون الرجل والحزب لموقفه المنحاز
لبشار الأسد، وليس بعد هذا الموقف ذنب، وهو ليس ذنباً تذهبه الحسنات، ولو كانت دعم
المقاومة
الفلسطينية والانخراط في الحرب تحت رايتها.
الحزب مقيد بسياقه كأحد الفصائل اللبنانية، ومثل هذا الإجراء من شأنه أن يدفع لاستهداف لبنان بما يحمّل الحزب من أمره رهقاً، ولن تستطيع بيروت تحمل ردة الفعل الإسرائيلية، والأحوال الاقتصادية ليست على ما يرام، على نحو سيجعل موقف الحزب حرجاً أمام الفصائل اللبنانية ومن بينها من يدعو لتجريد الحزب من السلاح، لتكون الولاية كاملة للجيش اللبناني. وخطوة الدخول في الحرب من شأنها أن تعزز وجهة نظر هؤلاء
فالصحيح أن إيران تدعم
المقاومة، وهو أمر لا ينكره قادتها سراً وعلانية، وسمعت ذلك في خطاب لـ"السنوار"،
تماماً كما سمعته من غيره، وحزب الله ليس صامتاً تماماً في هذه الحرب، فهو يستهدف
مواقع إسرائيلية، ويرد عليه الإسرائيليون استهدافاً باستهداف، لكن كليهما لا يريد
أن يذهب بعيداً إلى حد الدخول التام في الحرب المفتوحة.
فالحزب مقيد بسياقه كأحد
الفصائل اللبنانية، ومثل هذا الإجراء من شأنه أن يدفع
لاستهداف لبنان بما يحمّل
الحزب من أمره رهقاً، ولن تستطيع بيروت تحمل ردة الفعل الإسرائيلية، والأحوال
الاقتصادية ليست على ما يرام، على نحو سيجعل موقف الحزب حرجاً أمام الفصائل
اللبنانية ومن بينها من يدعو لتجريد الحزب من السلاح، لتكون الولاية كاملة للجيش
اللبناني. وخطوة الدخول في الحرب من شأنها أن تعزز وجهة نظر هؤلاء ليكون
حزب الله -إن
فعل- أمام حربين في وقت واحد؛ واحدة داخلية والثانية على الحدود!
ونحن نعلم أن الرومانسية
تأخذنا مع كل مواجهة بعيداً، فعندما خاض حزب الله الحرب في عام 2006 تمنينا أن
تلتحم المقاومة الفلسطينية به، تماماً مثلما حدث عندما بدأت المقاومة تنشط في
الأرض المحتلة، الأمر نفسه الذي تكرر الآن، فلم يعلن حزب الله خوض الحرب، تماماً
كما لو لم يعلن الناس في الأرض المحتلة الانخراط في المواجهة لتخفيف الضغط على
سكان
غزة ومقاوميها!
فمثل هذا الحصار إذا فرض على
إسرائيل، فسوف تضرب في كل الاتجاهات ضربات عشوائية بدون أن تعمل حسابا لشيء،
وسيواصل الغرب مساعدته لها وتبرير اتخاذها لأي موقف ولو كان قصف المدنيين وهدم
المنازل والمستشفيات، عندما ترى العواصم الغربية أن مستوطنتهم في المنطقة معرضة
لخطر المحو من الوجود. ونرى كيف يفعل مجنون تل أبيب الآن، وهو يرى أن المقاومة
أوقفت نموه السياسي وطوت مرحلته، وسيكون توقف الحرب كاشفاً وليس منشئاً لذلك،
وتفيد استطلاعات الرأي داخل الكيان عن انهيار شعبية نتنياهو!
ثمة أمر آخر، أن المشاركة في
الحرب تكون بعد اتفاق عليها، وقد لا يعلن موعدها، لكن الاتفاق يكون على العناوين
العريضة، مثلما حدث في حرب أكتوبر 1973 بالنسبة للجبهة السورية، ثم إن رسلاً
أوفدهم السادات إلى العواصم العربية والتقوا بقادتها من أجل وضعهم في الصورة، ومن
هنا حصل السادات على وعد بأنهم معه، فأنفق كل ذي سعة من سعته، وكان قرار الملك
فيصل رحمه الله الخاص بالبترول!
وقرار الحرب في غزة لم يُخطر
به القادة السياسيون في حركة
حماس، حيث اتخذته الأجنحة العسكرية لها، وعندما تلقي
الحرب أوزارها سيكون من المناسب التطرق لهذه النقطة بالرأي والتحليل!
مَن يشكر
مَن؟
بيد أن ما يؤخذ على الأمين
العام لحزب الله أنه استغل الحرب في الدعاية لنفسه ولحزبه ولجماعته؛ إذ قدم التحية
لإخوانه في العراق واليمن أكثر من مرة، وإذا كان من شكر يستحق فالأصل أن تقدمه
المقاومة في غزة، وليس وهو وهم مثله مجرد ضيوف على الحرب؛ فمن يشكر من؟! إنه شكر
من لا يملك، وإن كان لمن يستحق.
بدأ التبشير المبكر بالخطاب بما لا تخطئ العين دلالته، فجذب الفضائيات التي نقلته على الهواء مباشرة، وكان صاحبه يدرك أنه أمام فرصة تاريخية لم ينلها منذ حرب 2006، فصال وجال، وتحول إلى محلل سياسي، يسرد ما جرى، وهو معلوم للكافة، ويقوم بتحليله، وغيره حلّل وأفاض
لقد بدأ التبشير المبكر
بالخطاب بما لا تخطئ العين دلالته، فجذب الفضائيات التي نقلته على الهواء مباشرة،
وكان صاحبه يدرك أنه أمام فرصة تاريخية لم ينلها منذ حرب 2006، فصال وجال، وتحول إلى
محلل سياسي، يسرد ما جرى، وهو معلوم للكافة، ويقوم بتحليله، وغيره حلّل وأفاض.
فيتحدث عن النقطة الأولى، والثانية، والثالثة، وأولاً، وثانياً، وثالثاً، بينما
العالم ينتظر اللحظة الحاسمة في الخطاب، فإذا به يعلن أنه إذا كان من ينتظر منه أن
يخوض الحرب فقد خاضها فعلا، دون أن يسأل نفسه: وما دام قد خاض الحرب فعلا، فلماذا
الخطاب أصلاً إن لم يكن سيشهد تطوراً للموقف؟!
وله أن يتخيل أنه لو أعلن هذا
المهم في البداية، كيف أن الناس كانوا سينصرفون عن الاستمرار في مشاهدة هذا الخطاب
التحليلي، والذي تعرض فيه لأكثر من مرة لمقالات قرأها لإسرائيليين تسند الرأي
القائل بأن إسرائيل تعيش وضعاً مأساوياً.
المؤكد أن المشاهدين ليسوا
وحدهم من كانوا سينفضّون من حول الشاشة الصغيرة، لكن من المؤكد أن الشاشات لم تكن
ستقطع هذا الجزء الكبير من وقتها الثمين للاستمرار في نقل خطاب تحليلي، فلديها في
استديوهاتها من ينافسه في هذا الدور، وليست بحاجة لهذا الاستعراض بالجماهير التي
لم تتوقف عن الهتاف للمحلل: "لبيك نصر الله"، وهذا يسمى في التصنيف
المهني "إعلانا" لا "إعلاما"، فهذا الخطاب الطويل العريض لا
يستحق أكثر من خبر، في ترتيب متأخر بنشرة الأخبار!
بيد أن "نصر الله"
وجدها فرصة مواتية ليتمدد في الفضاء، ويجعل العالم يحبس أنفاسه انتظاراً للقرار
الذي لا بد وأن يصدر في خطاب كهذا تم التبشير به قبلها بأسبوع، فإذ بنا أمام
"الأستوديو التحليلي".
ومن الواضح أن هذا الاحتشاد
الفضائي والبشري في الخطاب السابق، جعله يتصرف كبلدياتنا في النكتة الشهيرة، الذي
رأى هلال رمضان، فحصل على جائزة نظير ذلك من جهة الاختصاص، فنظر إلى السماء في
الاتجاه المعاكس وقال وهناك هلال آخر.
لن يجد الزخم في هذه المرة،
فيكفينا من الدست مغرفة!
twitter.com/selimazouz1